Az-Zumar • AR-TAFSEER-AL-QURTUBI
﴿ وَمَا قَدَرُوا۟ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِۦ وَٱلْأَرْضُ جَمِيعًۭا قَبْضَتُهُۥ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ وَٱلسَّمَٰوَٰتُ مَطْوِيَّٰتٌۢ بِيَمِينِهِۦ ۚ سُبْحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾
“And no true understanding of God have they [who worship aught beside Him], inasmuch as the whole of the earth will be as a [mere] handful to Him on Resurrection Day, and the heavens will be rolled up in His right hand: limitless is He in His glory, and sublimely exalted above anything to which they may ascribe a share in His divinity!”
قوله تعالى : وما قدروا الله حق قدره قال المبرد : ما عظموه حق عظمته . من قولك : فلان عظيم القدر . قال النحاس : والمعنى على هذا : وما عظموه حق عظمته إذا عبدوا معه غيره ، وهو خالق الأشياء ومالكها . ثم أخبر عن قدرته وعظمته قال : والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه ثم نزه نفسه عن أن يكون ذلك بجارحة فقال : [ ص: 248 ] سبحانه وتعالى عما يشركون وفي الترمذي عن عبد الله قال : جاء يهودي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : يا محمد إن الله يمسك السماوات على إصبع والخلائق على إصبع ثم يقول : أنا الملك . فضحك النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى بدت نواجذه ثم قال : وما قدروا الله حق قدره . قال : هذا حديث حسن صحيح .وفي البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يقبض الله الأرض يوم القيامة ويطوي السماء بيمينه ثم يقول : أنا الملك ، أين ملوك الأرض ؟ . وفي الترمذي عن عائشة أنها سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قوله : والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه قالت : قلت : فأين الناس يومئذ يا رسول الله ؟ قال : على جسر جهنم . في رواية : على الصراط يا عائشة قال : حديث حسن صحيح . وقوله : والأرض جميعا قبضته ( ويقبض الله الأرض ) عبارة عن قدرته وإحاطته بجميع مخلوقاته ، يقال : ما فلان إلا في قبضتي ، بمعنى ما فلان إلا في قدرتي ، والناس يقولون : الأشياء في قبضته ، يريدون في ملكه وقدرته . وقد يكون معنى القبض والطي إفناء الشيء وإذهابه ، فقوله - جل وعز - : والأرض جميعا قبضته يحتمل أن يكون المراد به : والأرض جميعا ذاهبة فانية يوم القيامة ، والمراد بالأرض الأرضون السبع ، يشهد لذلك شاهدان : قوله : والأرض جميعا ولأن الموضع موضع تفخيم وهو مقتض للمبالغة . وقوله : والسماوات مطويات بيمينه ليس يريد به طيا بعلاج وانتصاب ، وإنما المراد بذلك الفناء والذهاب ، يقال : قد انطوى عنا ما كنا فيه وجاءنا غيره . وانطوى عنا دهر بمعنى المضي والذهاب . واليمين في كلام العرب قد تكون بمعنى القدرة والملك ، ومنه قوله تعالى : أو ما ملكت أيمانكم يريد به الملك ، وقال : لأخذنا منه باليمين أي : بالقوة والقدرة أي : لأخذنا قوته وقدرته . قال الفراء والمبرد : اليمين القوة والقدرة . وأنشدا :إذا ما راية رفعت لمجد تلقاها عرابة باليمين[ ص: 249 ] وقال آخر :ولما رأيت الشمس أشرق نورها تناولت منها حاجتي بيمين قتلت شنيفا ثم فاران بعده وكان على الآيات غير أمينوإنما خص يوم القيامة بالذكر وإن كانت قدرته شاملة لكل شيء أيضا ; لأن الدعاوى تنقطع ذلك اليوم ، كما قال : والأمر يومئذ لله وقال : مالك يوم الدين حسب ما تقدم في [ الفاتحة ] ولذلك قال في الحديث : ثم يقول : أنا الملك ، أين ملوك الأرض ؟ وقد زدنا هذا الباب في التذكرة بيانا ، وتكلمنا على ذكر الشمال في حديث ابن عمر قوله : ( ثم يطوي الأرض بشماله ) .