Al-Hashr • AR-TAFSEER-TANWIR-AL-MIQBAS
﴿ وَلَوْلَآ أَن كَتَبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمُ ٱلْجَلَآءَ لَعَذَّبَهُمْ فِى ٱلدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِى ٱلْءَاخِرَةِ عَذَابُ ٱلنَّارِ ﴾
“And had it not been for God’s having ordained banishment for them, He would indeed have imposed [yet greater] suffering on them in this world: still, in the life to come there awaits them suffering through fire:”
وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ (3){ وَلَوْلاَ أَن كَتَبَ الله عَلَيْهِمُ الجلاء لَعَذَّبَهُمْ فِى الدنيا } .جملة معترضة ناشئة عن جملة { هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب } [ الحشر : 2 ] . فالواو اعتراضية ، أي أخرجهم الله من قريتهم عقاباً لهم على كفرهم وتكذيبهم للرسول صلى الله عليه وسلم كما قال : { ذلك بأنهم شاقّوا الله ورسوله } [ الحشر : 4 ] ولو لم يعاقبهم الله بالجلاء لعاقبهم بالقَتل والأسر لأنهم استحقّوا العقاب . فلو لم يقذف في قلوبهم الرعب حتى استسلموا لعاقبهم بجوع الحصار وفتح ديارهم عنوة فعذبوا قتلاً وأسراً .والمراد بالتعذيب : الألم المحسوس بالأبدان بالقتل والجرح والأسر والإِهانة وإلاّ فإن الإِخراج من الديار نكبة ومصيبة لكنها لا تدرك بالحس وإنما تدرك بالوجدان .و { لولا } حرف امتناع لوجود ، تفيد امتناع جوابها لأجل وجود شرطها ، أي وجود تقدير الله جلاءهم سبب لانتفاء تعذيب الله إياهم في الدنيا بعذاب آخر .وإنما قدر الله لهم الجلاء دون التعذيب في الدنيا لمصلحة اقتضتها حكمته ، وهي أن يأخذ المسلمون أرضهم وديارهم وحوائطهم دون إتلاف من نفوس المسلمين مما لا يخلو منه القتال لأن الله أراد استبقاء قوة المسلمين لما يستقبل من الفتوح ، فليس تقدير الجلاء لهم لقصد اللطف بهم وكرامتهم وإن كانوا قد آثروه على الحرب .ومعنى { كتب الله عليهم } قَدّر لهم تقديراً كالكتابة في تحقق مضمونه وكان مظهر هذا التقدير الإِلهي ما تلاحق بهم من النكبات من جلاء النضير ثم فتح قريظة ثم فتح خيبر .والجلاء : الخروج من الوطن بنية عدم العود ، قال زهير: ... فإن الحق مقطعه ثلاثيمين أو نفارٌ أو جَلاء ... وأعلم أن { أنْ } الواقعة بعد { لولا } هنا مصدريةٌ لأن { أَنْ } الساكنة النون إذا لم تقع بعد فعل عِلم يقين أو ظن ولا بعد ما فيه معنى القول ، فهي مصدرية وليست مخففة من الثقيلة .{ الدنيا وَلَهُمْ فِى الاخرة عَذَابُ } .عطف على جملة { ولولا أن كتب الله عليهم } الآية ، أو على جملة { هو الذي أخرج الذين كفروا } [ الحشر : 2 ] ، وليس عطفاً على جواب { لولا } فإن عذاب النار حاقّ عليهم وليس منتفياً . والمقصود الاحتراس من توهم أنَّ الجلاء بَدل من عذاب الدنيا ومن عذاب الآخرة .