Al-Mulk • AR-TAFSEER-TANWIR-AL-MIQBAS
﴿ هُوَ ٱلَّذِى جَعَلَ لَكُمُ ٱلْأَرْضَ ذَلُولًۭا فَٱمْشُوا۟ فِى مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا۟ مِن رِّزْقِهِۦ ۖ وَإِلَيْهِ ٱلنُّشُورُ ﴾
“He it is who has made the earth easy to live upon: go about, then, in all its regions, and partake the sustenance which He provides: but [always bear in mind that] unto Him you shall be resurrected.”
هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15)استئناف فيه عود إلى الاستدلال ، وإدماج للامتنان ، فإن خلق الأرض التي تحوي الناس على وجهها أدل على قدرة الله تعالى وعلمه من خلق الإِنسان إذ ما الإِنسان إلاّ جزء من الأرض أو كجزء منها قال تعالى : { منها خلقناكم } [ طه : 55 ] ، فلما ضَرب لهم بخلق أنفسهم دليلاً على علمه الدال على وحدانيته شفَّعه بدليل خلق الأرض التي هم عليها ، مع المنة بأنه خلقها هيّنة لهم صالحة للسير فيها مخرِجة لأرزاقهم ، وذُيّل ذلك بأن النشور منها وأن النشور إليه لا إلى غيره .والذَّلول من الدواب المنقادة المطاوعة ، مشتق من الذل وهو الهوان والانقياد ، فَعول بمعنى فاعل يستوي فيه المذكر والمؤنث ، وتقدم في قوله تعالى : { إنها بقرة لا ذلول } الآية في سورة البقرة ( 71 ) ، فاستعير الذلول للأرض في تذليل الانتفاع بها مع صلابة خلقتها تشبيهاً بالدابة المسوسة المرتاضة بعد الصعوبة على طريقة المصرحة .والمناكب : تخييل للاستعارة لزيادة بيان تسخير الأرض للناس فإن المنكب هو ملتقى الكتف مع العضد ، جعل المناكب استعارة لأطراف الأرض أو لسعتها .وفُرع على هذه الاستعارة الأمر في فامشوا في مناكبها } فصيغة الأمر مستعملة في معنى الإِدامة تذكيراً بما سخّر الله لهم من المشي في الأرض امتناناً بذلك .ومناسبة { وكلوا من رزقه } أن الرزق من الأرض . والأمر مستعمل في الإِدامة أيضاً للامتنان ، وبذلك تمت استعارة الذلول للأرض لأن فائدة تذليل الذلول ركوبها والأكل منها . فالمشي على الأرض شبيه بركوب الذلول ، والأكلُ مما تنبته الأرض شبيه بأكل الألبان والسمن وأكل العجول والخرفان ونحو ذلك . وجمع المناكب تجريد للاستعارة لأن الذلول لها منكبان والأرض ذات متسعات كثيرة .وكل هذا تذكير بشواهد الربوبية والإِنعام ليتدبروا فيتركوا العناد ، قال تعالى : { كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون } [ النحل : 81 ] .وأما عطف { وإليه النشور } فهو تتميم وزيادة عبر استطرون لمناسبة ذكر الأرض فإنها مثوى الناس بعد الموت .والمعنى : إليه النشور منها ، وذلك يقتضي حذفاً ، أي وفيها تعودون .وتعريف { النشور } تعريف الجنس فيعم أي كل نشور ، ومنه نشور المخاطبين فكان قوله : { وإليه النشور } بمنزلة التذييل .والقصر المستفاد من تعريف جزأي { هو الذي جعل لكم الأرض } قصر قلب بتنزيل المخاطبين منزلة من يعتقد أن الأصنام خلقت الأرض لأن اعتقادهم إلهيتها يقتضي إلزامهم بهذا الظن الفاسد وإن لم يقولوه .وتقديم المجرور في جملة { وإليه النشور } للاهتمام .ومناسبة ذكر النشور هو ذكر خلق الأرض فإن البعث يكون من الأرض .