slot qris slot gacor terbaru slot gacor terbaik slot dana link slot gacor slot deposit qris slot pulsa slot gacor situs slot gacor slot deposit qris
| uswah-academy
WhatsApp Book A Free Trial
القائمة

🕋 تفسير سورة المدثر

(Al-Muddaththir) • المصدر: AR-TAFSEER-TANWIR-AL-MIQBAS

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ

📘 يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) نوديّ النبي صلى الله عليه وسلم بوصفه في حالة خاصة تلبس بها حين نزول السورة . وهي أنه لما رأى الملك بين السماء والأرض فرق من رؤيته فرجع إلى خديجة فقال : دثروني دثروني ، أو قال : زملوني ، أو قال : زملوني فدثروني ، على اختلاف الروايات ، والجمع بينها ظاهر فدثرته فنزلت : { يا أيها المدثر .وقد مضى عند قوله تعالى : { يا أيها المزمل } [ المزمل : 1 ] ما في هذا النداء من التكرمة والتلطف .و { المدثر } : اسم فاعل من تدثّر ، إذا لبس الدِّثَار ، فأصله المتدثر أدغمت التاء في الدال لتقاربهما في النطق كما وقع في فعل ادَّعى .والدِّثار : بكسر الدال : الثوب الذي يُلبس فوق الثوب الذي يُلبس مباشِراً للجسد الذي يسمى شعاراً . وفي الحديث " الأنصار شِعَار والناسُ دِثَار "فالوصف ب { المدثر } حقيقة ، وقيل هو مجاز على معنى : المدثر بالنبوءة ، كما يقال : ارتدى بالمجد وتأزَّر به على نحو ما قيل في قوله تعالى : { يا أيها المزمل ، أي يا أيها اللابس خلعة النبوءة ودِثارها .والقيام المأمور به ليس مستعملاً في حقيقته لأن النبي لم يكن حين أوحي إليه بهذا نائماً ولا مضطجعاً ولا هو مأمور بأن ينهض على قدميه وإنما هو مستعمل في الأمر بالمبادرة والإِقبال والتهمُّم بالإِنذار مجازاً أو كناية .وشاع هذا الاستعمال في فعل القيام حتى صار معنى الشروع في العمل من معاني مادة القيام مساوياً للحقيقة وجاء بهذا المعنى في كثير من كلامهم ، وعدّ ابن مالك في التسهيل } فعل قام من أفعال الشروع ، فاستعمال فعل القيام في معنى الشروع قد يَكون كناية عن لازم القيام من العزم والتهمم كما في الآية ، قال في «الكشاف» : قُم قيام عزم وتصميم .وقد يراد المعنى الصريح مع المعنى الكنائي نحو قول مُرَّة بن مَحْكَانَ التميمي من شعراء الحماسة :يا ربَّةَ البيتتِ قُومِي غيرَ صاغرة ... ضُمّي إليككِ رجال الحي والغُربافإذا اتصلت بفعل القيام الذي هو بهذا المعنى الاستعمال جملةٌ حصل من مجموعهما معنى الشروع في الفعل بجد وأنشدوا قول حسان بن المنذر :على مَا قام يشتمني لئيم ... كخنزِير تمرَّغ في رمادوقول الشاعر ، وهو من شواهد النحو وَلم يعرف قائله :فقام يذود الناس عنها بسيفه ... وقال ألا لا من سبيللٍ إلى هند

عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ

📘 عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (10)و { على الكافرين } متعلق ب { عسير } .ووصف اليوم ونحوه من أسماء الزمان بصفات أحداثِه مشهور في كلامهم ، قال السَمَوْأل ، أوْ الحارثي :وأيَّامُنا مشهورةٌ في عدوّنا ... لها غُرر معلومة وحُجولوإنما الغُرر والحجول مستعارة لصفات لقائهم العدوّ في أيامهم ، وفي المقامة الثلاثين «لا عَقَدَ هذا العقدَ المبجَّل ، في هذا اليوم الأغَر المُحْجَل ، إلاّ الذي جال وجَاب ، وشب في الكُدْيَة وشَاب» وقال تعالى : { فأرسلنا عليهم ريحاً صرصراً في أيام نحسات } في سورة فصلت ( 16 ) .و { غير يسير } تأكيد لمعنى { عسير } بمرادفه . وهذا من غرائب الاستعمال كما يقال : عاجلاً غير آجل ، قال طالب بن أبي طالب :فلْيكُن المغلوبَ غيرَ الغَالِبْ ... وليكن المسلوبَ غَيْر السَّالِبْوعليه من غير التأكيد قوله تعالى : { قد ضلّوا وما كانوا مهتدين } [ الأنعام : 140 ] { قد ضلَلْتُ إذن وما أنا من المهتدين } [ الأنعام : 56 ] . وأشار الزمخشري إلى أن فائدة هذا التأكيد ما يشعر به لفظ { غير } من المغايرة فيكون تعريضاً بأن له حالة أخرى ، وهي اليسر ، أي على المؤمنين ، ليجمع بين وعيد الكافرين وإغاظتهم ، وبشارة المؤمنين .

ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا

📘 ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (11) لما جرى ذكر الكافرين في قوله : { فذلك يومئذٍ يوم عسير على الكافرين } [ المدثر : 9 ، 10 ] ، وأشير إلى ما يلقاه الرسول صلى الله عليه وسلم من الكافرين بقوله : { ولربّك فاصبر } [ المدثر : 7 ] انتقل الكلام إلى ذكر زعيم من زعماء الكافرين ومدبر مطاعنهم في القرآن ودعوة الرسول صلى الله عليه وسلموقوله : { ذرني ومن خلقت وحيداً } الخ . استئناف يؤذن بأن حدثاً كان سبباً لنزول هذه الآية عقبَ الآيات التي قبلها ، وذلك حين فشا في مكة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاوده الوحي بعد فترة وأنه أُمر بالإِنذار ويدل على هذا ما رواه ابن إسحاق أنه اجتمع نفر من قريش فيهم أبو لهب ، وأبو سفيان ، والوليدُ بن المغيرة ، والنضر بن الحارث ، وأميةُ بن خلف ، والعاصي بنُ وائل ، والمُطْعِم بن عَدِي . فقالوا : إن وفود العرب ستقدِم عليكم في الموسم وهم يتساءلون عن أمر محمد وقد اختلفتم في الأخبار عنه . فمن قائل يقول : مجنون وآخر يقول : كاهن ، وآخر يقول : شاعر ، وتعلم العرب أن هذا كله لا يجتمع في رجل واحد ، فسَمُّوا محمد باسم واحد تجتمعون عليه وتسميه العرب به ، فقام رجل منهم فقال : شاعر ، فقال الوليد بن المغيرة : سمعتُ كلام ابننِ الأبرص ( يعني عَبيد بن الأبرص ) وأميّة بن أبي الصلت ، وعرفتُ الشعر كله ، وما يشبه كلام محمد كلام شاعر ، فقالوا : كاهن ، فقال الوليد : ما هو بزمزمة الكاهن ولا بسجعه . والكاهن يصدُق ويكذب وما كذب محمد قط ، فقام آخر فقال : مجنون ، فقال الوليد : لقد عرفنا الجنون فإن المجنون يُخْنَق فما هو بخنقه ولا تَخالُجِه ولا وسوسته ، فقالوا : ساحر ، قال الوليد : لقد رأينا السُّحَّار وسِحْرهم فما هو بنفثه ولا عَقْده ، وانصرف الوليد إلى بيته فدخل عليه أبو جهل فقال : ما لكَ يَا با عَبدِ شمس أصَبَأْتَ؟ فقال الوليد : فكَّرت في أمر محمد وإِن أقربَ القول فيه أن تقولوا : ساحر جاء بقول هو سحر ، يفرق به بين المرء وأبيه ، وبين المرء وأخيه ، وبين المرء وزوجته ، وبين المرء وعشيرته ، فقال ابن إسحاق : فأنزل الله في الوليد بن المغيرة قوله : { ذرني ومن خلقت وحيداً } الآيات .وعن أبي نصر القشيري أنه قال : قيل بلغ النبي صلى الله عليه وسلم قول كفار مكة : أنتَ ساحر فوجد من ذلك غمّاً وحُمَّ فتدثر بثيابه فقال الله تعالى : { قم فأنذر } [ المدثر : 2 ] .وأيّاما كان فقد وقع الاتفاق على أن هذا القول صدر عن الوليد بن المغيرة وأنه المعنِيُّ بقوله تعالى : { ومن خلقت وحيداً } فإن كان قول الوليد صدَر منه بعد نزول صدْر هذه السورة فجملة { ذرني ومن خلقت وحيداً } مستأنفة استئنافاً ابتدائياً والمناسبة ظاهرة ، وإن كان قول الوليد هو سبب نزول السورة ، كان متصلاً بقوله :{ ولربّك فاصبر } [ المدثر : 7 ] على أنه تعليل للأمر بالصبر بأن الله يتولى جزاء هذا القائل ، وما بينهما اعتراض ، ويؤيد هذا أن ابتداء الوحي كان في رَمضان وأن فترة الوحي دامت أربعين يوماً على الأصح سواء نزل وحي بين بدء الوحي وفترته مدةَ أيام ، أوْ لم ينزل بعد بدئه شيء ووقعتْ فترته ، فيكون قد أشرف شهر ذي القعدة على الانصرام فتلك مدة اقتراب الموسم فأخذ المشركون في الاستعداد لما يقولونه للوفود إذا استخبروهم خبر النبي صلى الله عليه وسلموتصدير الجملة بفعل { ذرني } إيماء إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان مهتماً ومغتماً مما اختلقه الوليد بن المغيرة ، فاتصاله بقوله : { ولربّك فاصبر يزداد وضوحاً .وتقدم ما في نحو ذَرني } وكَذا ، من التهديد والوعيد للمذكور بعد واو المعية ، في تفسير قوله تعالى : { فذَرني ومن يكذّب بهذا الحديث } في سورة القلم ( 44 ) .وجيء بالموصول وصلته في قوله : ومن خلقت وحيداً } لإِدماج تسجيل كفران الوليد النعمة في الوعيد والتهديد .وانتصب { وحيداً } على الحال من { مَن } الموصولة .والوحيد : المنفرد عن غيره في مكان أو حال مما يدل عليه سياق الكلام ، أو شهرة أو قصة ، وهو فعيل من وحُد من باب كَرُم وعَلِم ، إذا انفرد .وكان الوليد بن المغيرة يلقب في قريش بالوحيد لتوحده وتفرده باجتماع مزايا له لم تجتمع لغيره من طبقته وهي كثْرةُ الولد وسعة المال ، ومجده ومجد أبيه مِن قبله ، وكان مرجعَ قريش في أمورهم لأنه كان أسنّ من أبي جهل وأبي سفيان ، فلما اشتهر بلقب الوحيد كان هذا الكلام إيماء إلى الوليد بن المغيرة المشتهر به . وجاء هذا الوصف بعد فعل { خلَقْت ، } ليصرف هذا الوصف عما كان مراداً به فينصرف إلى ما يصلح لأن يقارن فعل { خلقتُ } أي أوجدتُه وحيداً عن المال والبنين والبسطة ، فيغيَّر عن غرض المدح والثناء الذي كانوا يخصونه به ، إلى غرض الافتقار إلى الله الذي هو حالُ كل مخلوق فتكون من قبيل قوله : { والله أخرجكم من بطون أمهاتِكم لا تعلمون شيئاً } [ النحل : 78 ] الآية .

وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا

📘 وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا (12) وعطف على ذلك { وجعلتُ له مالاً } عطفَ الخاص على العام .والممدود : اسم مفعول من مَدَّ الذي بمعنى : أطال ، بأن شُبهت كثرة المال بسعة مساحة الجسم ، أو من مدّ الذي بمعنى : زَاد في الشْيءِ من مثله ، كما يقال : مَد الوادي النهرَ ، أي مالاً مزيداً في مقداره ما يكتسبه صاحبه من المكاسب . وكان الوليد من أوسع قريش ثراءً . وعن ابن عباس : كان مال الوليد بين مكة والطائف من الإِبل والغنم والعبيد والجواري والجِنان وكانت غلة ماله ألف دينار ( أي في السنة ) .وامتنّ الله عليه بنعمة البنين ووصَفهم بشهود جمع شاهد ، أي حاضر ، أي لا يفارقونه فهو مستأنس بهم لا يشتغل بالُه بمغيبهم وخوففِ معاطب السفر عليهم فكانوا بغنى عن طلب الرزق بتجارة أو غارة ، وكانوا يشهدون معه المحافل فكانوا فخراً له ، قيل : كان له عشرة بنين وقيل ثلاثة عشر ابناً ، والمذكور منهم سبعة ، وهم : الوليد بن الوليد ، وخالد ، وعمارة ، وهشام ، والعاصي ، وقيس أو أبو قيس ، وعبد شمس ( وبه يكنى ) .ولم يذكر ابن حزم في «جمهرة الأنساب» : العاصي . واقتصر على ستة .

وَبَنِينَ شُهُودًا

📘 وَبَنِينَ شُهُودًا (13)ليس لها تفسير فى كتاب التحرير والتنوير

وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا

📘 وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا (14) والتمهيدُ : مصدر مهّد بتشديد الهاء الدال على قوة المَهْد . والمَهْد : تسوية الأرض وإزالة ما يُقِضُّ جنب المضطجع عليها ، ومَهْدُ الصبي تسمية بالمصدر .والتمهيد هنا مستعار لتيسير أموره ونفاذ كلمته في قومه بحيث لا يعسر عليه مطلب ولا يستعصي عليه أمر .وأُكد { مهَّدْتُ } بمصدره على المفعولية المطلقة ليتوسل بتنكيره لإِفادة تعظيم ذلك التمهيد وليس يطرد أن يكون التأكيد لرفع احتمال المجاز .ووصف في هذه الآية بما له من النعمة والسعة لأن الآية في سياق الامتنان عليه توطئة لتوبيخه وتهديده بسوء في الدنيا وبعذاب النار في الآخرة ، فأما في آية سورة القلم فقد وصفه بما فيه من النقائص في قوله تعالى : { ولا تطع كل حلاّف مهين } [ القلم : 10 ] الخ بناء على قول من قال : إن المراد به الوليد بن المغيرة ( وقد علمت أنه احتمال ) لأن تلك الآية في مقام التحذير من شره وغدره .

ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ

📘 ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (15) و { ثم } في قوله : { ثم يطمع } للتراخي الرتبي ، أي وأعظم من ذلك أنه يطمع في الزيادة من تلك النعم وذلك بما يعرف من يُسر أموره . وهذا مشعر باستبعاد حصول المطموع فيه وقد صرح به في قوله : { كلا .والطمع : طلب الشيء العظيم وجعل متعلق طَمعه زيادة مما جعل الله له لأنهم لم يكونوا يسندون الرزق إلى الأصنام ، أو لأنّه طمع في زيادة النعمة غير متذكر أنها من عند الله فيكون إسناد الزيادة إلى ضمير الجلالة إدماجاً بتذكيره بأن ما طمع فيه هو من عند الذي كفر هو بنعمته فأشرك به غيره في العبادة .ولهذه النكتة عُدِل عن أن يقال : يطمع في الزيادة ، أو يطمع أن يُزاد .

كَلَّا ۖ إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا

📘 كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآَيَاتِنَا عَنِيدًا (16)وكلاّ } ردع وإبطال لطمعه في الزيادة من النّعم وقطع لرجائه .والمقصود إبلاغ هذا إليه مع تطمين النبي صلى الله عليه وسلم بأن الوليد سيقطع عنه مدد الرزق لئلا تكون نعمته فتنة لغيره من المعاندين فيغريهم حاله بأن عنادهم لا يضرهم لأنهم لا يحسبون حياة بعد هذه كما حكى الله من قول موسى عليه السلام : { ربّنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالاً في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربّنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم } [ يونس : 88 ] .وفي هذا الإِبطال والردع إيذان بأن كفران النعمة سبب لقطعها قال تعالى : { لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد } [ إبراهيم : 7 ] ، ولهذا قال الشيخ ابن عطاء الله : «من لم يشكر النعم فقد تعرَّض لزوالها ، ومن شكرها فقد قَيَّدها بعِقَالها» .يجوز أن تكون هذه الجملة تعليلاً للردع والإِبطال ، أي لأن شدة معاندته لآياتنا كانت كفراناً للنعمة فكانت سبباً لقطعها عنه إذ قد تجاوز حدّ الكفر إلى المناواة والمعاندة فإن الكافر يكون منعماً عليه على المختار وهو قول الماتريدي والمعتزلة خلافاً للأشعري ، واختار المحقّقون أنه خلاف لفظي .ويجوز أن تكون مستأنفة ويكون الوقف عند قوله تعالى : { كلاّ } .والعنيد : الشديد العناد وهو المخالفة للصواب وهو فَعيل من : عَنَدَ يعنِد كضرب ، إذا نازع وجادل الحق البين .وعناده : هو محاولته الطعن في القرآن وتحيله للتمويه بأنه سحر ، أو شعر ، أو كلام كهانة ، مع تحققه بأنه ليس في شيء من ذلك كما أعلن به لقريش ، قبل أن يلومَه أبو جهل ثم أخذه بأحد تلك الثلاثة ، وهو أن يقول : هو سحر ، تشبثاً بأن فيه خصائص السحر من التفريق بين المرء ومن هو شديد الصلة .

سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا

📘 سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا (17) جملة { سأُرهقه صعوداً } معترضة بين { إنه كان لآياتنا عنيداً } [ المدثر : 16 ] وبين { إنه فكر وقدَّر } ، قصد بهذا الاعتراض تعجيل الوعيد له مسَاءَة له وتعجيلُ المسرة للنبيء صلى الله عليه وسلموالصَّعود : العقبة الشديدة التَّصعد الشاقة على الماشي وهي فَعول مبالغة من صَعِد ، فإن العقبة صَعْدة ، فإذا كانت عقبة أشد تصعداً من العقبات المعتادة قيل لها : صَعُود .وكأنَّ أصل هذا الوصف أن العقبة وُصفت بأنها صاعدة على طريقة المجاز العقلي ثم جعل ذلك الوصف اسمَ جنس لها .وقوله : سأرهقه صعوداً } تمثيل لضد الحالة المجملة في قوله : { ومَهَّدت له تمهيداً } [ المدثر : 14 ] ، أي سينقلب حاله من حال راحة وتنعم إلى حالة سُوأى في الدنيا ثم إلى العذاب الأليم في الآخرة ، وكل ذلك إرهاق له .قيل : إنه طال به النزع فكانت تتصاعد نفسه ثم لا يموت وقد جعل له من عذاب النار ما أسفر عنه عذاب الدنيا .وقد وُزع وعيده على ما تقتضيه أعماله فإنه لما ذُكر عناده وهو من مقاصِدهِ السيئة الناشئة عن محافظته على رئاسته وعن حسده النبي صلى الله عليه وسلم وذلك من الأغراض الدنيوية عقّب بوعيده بما يشمل عذاب الدنيا ابتداء . ولما ذُكر طعنه في القرآن بقوله : { إنْ هذا إلاّ سحر يؤثر } وأنكر أنه وحي من الله بقوله : { إن هذا إلاّ قول البشر } أُردف بذكر عذاب الآخرة بقوله : { سأُصليه سَقر } [ المدثر : 26 ] .وعن النبي صلى الله عليه وسلم رأن صَعوداً جبل في جهنم يتصعد فيه سبعين خريفاً ثم يهوي فيه كذلك أبداً» ، رواه الترمذي وأحمد عن أبي سعيد الخدري . وقال الترمذي : هو حديث غريب . فجعل الله صفة صعود علَماً على ذلك الجبل في جهنم . وهذا تفسير بأعظم ما دل عليه قوله تعالى : { سأرهقه صعوداً .

إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ

📘 إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) وجملة إنه فكر وقدر } إلى آخرها بدل من جملة { إنه كان لآياتنا عنيداً } [ المدثر : 16 ] بدل اشتمال .وقد وصف حاله في تردده وتأمله بأبلغ وصف . فابتدىء بذكر تفكيره في الرأي الذي سيصدر عنه وتقديره .ومعنى { فكّر } أعمل فكره وكرّر نظر رأيه ليبتكر عذراً يموهه ويروّجه على الدهماء في وصف القرآن بوصف كلام الناس ليزيل منهم اعتقاد أنه وحي أوحي به إلى النبي صلى الله عليه وسلمو { قَدَّر } جعل قَدْراً لما يخطر بخاطره أن يصف به القرآن ليعرضه على ما يناسب ما يُنحله القرآنَ من أنواع كلام البشر أو ما يَسِم به النبي صلى الله عليه وسلم من الناس المخالفةِ أحوالهم للأحوال المعتادة في الناس مثال ذلك أن يقول في نفسه ، نقول : محمد مجنون ، ثم يقول : المجنون يُخنق ويتخالج ويوسوس وليس محمد كذلك ، ، ثم يقول في نفسه : هو شاعر ، فيقول في نفسه : لقد عرفتُ الشّعر وسمعت كلام الشّعراء فما يشبه كلام محمّد كلام الشّاعر ، ثم يقول في نفسه : كاهن ، فيقول في نفسه : ما كلامه بزمزمة كاهن ولا بسجعه ، ثم يقول في نفسه : نقول هو ساحر فإن السحر يفرق بين المرء وذويه ومحمد يفرق بين الرجل وأهله وولده ومواليه ، فقال للناس : نقول إنه ساحر .فهذا معنى { قَدَّر } .

فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ

📘 فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) وقوله : { فقُتل كيف قدّر } كلام معترض بين { فكّر وقدّر } وبين { ثم نظر } وهو إنشاء شتم مفرع على الإِخبار عنه بأنه فكر وقدّر لأن الذي ذكر يوجب الغضب عليه .فالفاء لتفريع ذمه عن سيّىء فعله ومثله في الاعتراض قوله تعالى : { وما أرسلنا من قبلك إلاّ رجالاً يوحى إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون بالبينات والزبر } [ النحل : 43 ، 44 ] .والتفريع لا ينافي الاعتراض لأن الاعتراض وضع الكلام بين كلامين متصلين مع قطع النظر عما تألف منه الكلام المعترض فإن ذلك يجري على ما يتطلبه معناه . والداعي إلى الاعتراض هو التعجيل بفائدة الكلام للاهتمام بها . ومن زعموا أن الاعتراض لا يكون بالفاء فقد توهموا .و { قُتِل } : دعاء عليه بأن يقتله قَاتل ، أي دعاء عليه بتعجيل مَوته لأن حياته حياة سيئة . وهذا الدعاء مستعمل في التعجيب من ماله والرثاءِ له كقوله : { قاتلهم الله } [ التوبة : 30 ] وقولهم : عَدِمْتُك ، وثَكلتْه أُمُّه ، وقد يستعمل مثله في التعجيب من حسن الحال يقال : قاتله الله ما أشجعه . وجعله الزمخشري كناية عن كونه بلغ مبلغاً يحسده عليه المتكلم حتى يتمنى له الموت . وأنا أحسب أن معنى الحسد غير ملحوظ وإنما ذلك مجرد اقتصار على ما في تلك الكلمة من التعجب أو التعجيب لأنها صارت في ذلك كالأمثال . والمقام هنا متعين للكناية عن سوء حاله لأن ما قَدره ليس مما يَغتبط ذوو الألباب على إصابته إذ هو قد ناقض قوله ابتداء إذ قال : ما هو بعَقْدِ السحرة ولا نفثهم وبَعد أن فكّر قال : { إن هذا إلاّ سحر يؤثر } فناقض نفسه .

قُمْ فَأَنْذِرْ

📘 قُمْ فَأَنْذِرْ (2)وأفادت فاء { فأنذر } تعقيب إفادة التحفز والشروع بالأمر بإيقاع الإِنذار .ففعل { قم } منزَّل منزلة اللازم ، وتفريع { فأنذر } عليه يبين المراد من الأمر بالقيام .والمعنى : يا أيها المدثر من الرعب لرؤية مَلَك الوحي لا تخف وأقبل على الإِنذار .والظاهر : أن هذه الآية أول ما نزل في الأمر بالدعوة لأن سورة العلق لم تتضمن أمراً بالدعوة ، وصدر سورة المزمل تضمن أنه مسبوق بالدعوة لقوله فيه { إِنا أرسلنا إليكم رسولاً شاهداً عليكم } [ المزمل : 15 ] ، وقوله : { وذَرني والمكذبين } [ المزمل : 11 ] . وإنما كان تكذيبهم بعد أن أبلغهم أنه رسول من الله إليهم وابتدىء بالأمر بالإنذار لأن الإنذار يجمع معاني التحذير من فعل شيء لا يليق وعواقبه فالإِنذار حقيق بالتقديم قبل الأمر بمحامد الفعال لأن التخلية مقدمة على التحلية ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح ، ولأن غالب أحوال الناس يومئذٍ محتاجة إلى الإِنذار والتحذير .ومفعول { أنذر } محذوف لإِفادة العُموم ، أي أنذر الناس كلهم وهم يومئذٍ جميع الناس ما عدا خديجة رضي الله عنها فإنها آمنت فهي جديرة بالبشارة .

ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ

📘 ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20). وقولُه : { ثم قُتل كيف قدّر } تأكيد لنظيره المفرّع بالفاء . والعطف ب { ثم } يفيد أن جملتها أرقى رتبة من التي قبلها فِي الغرض المسوق له الكلام . فإذا كان المعطوف بها عين المعطوف عليه أفادت أن معنى المعطوف عليه ذُو درجات متفاوتة مع أن التأكيد يكسب الكلام قوة . وهذا كقوله : { كَلاَّ سيعلمون ثم كلا سيعلمون } [ النبأ : 4 ، 5 ] .و { كَيف قدّر } في الموضعين متحد المعنى وهو اسم استفهام دال على الحالة التي يبينها متعلِّق { كيف } .والاستفهام موجه إلى سامع غير معيّن يستفهم المتكلم سامعه استفهاماً عن حالة تقديره ، وهو استفهام مستعمل في التعجيب المشوب بالإِنكار على وجه المجاز المرسل .و { كيف } في محل نصب على الحال مقدمة على صاحبها لأن لها الصدر وعاملها { قَدَّر } .

ثُمَّ نَظَرَ

📘 ثُمَّ نَظَرَ (21) وقوله : { ثم نظر ثم عبَس وبَسَر ثم أدبر واستكبر } عطف على { وقدّر } وهي ارتقاء متواللٍ فيما اقتضى التعجيب من حاله والإِنكار عليه . فالتراخي تراخي رتبة لا تراخي زمننٍ لأن نظره وعُبُوسه وبَسَره وإِدباره واستكباره مقارنة لتفكيره وتقديره .والنظر هنا : نظر العين ليكون زائداً على ما أفاده { فكَّر وقدَّر } . والمعنى : نظر في وجوه الحاضرين يستخرج آراءهم في انتحال ما يصفون به القرآن .

ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ

📘 ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22) و { عبس } : قطَّب وجهه لمَّا استعصى عليه ما يصف به القرآن ولم يجد مغمَزاً مقبولاً .و { بسَر } : معناه كلَح وجهُه وتغيَّر لونه خوفاً وكمداً حين لم يجد ما يشفي غليله من مطعن في القرآن لا ترده العقول ، قال تعالى : { ووجوه يومئذٍ باسرة تظنّ أن يفعل بها فاقرة } في سورة [ القيامة : 24 ، 25 ] .

ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ

📘 ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23) والإِدبار : هنا يجوز أن يكون مستعاراً لتغيير التفكير الذي كان يفكره ويقدّره يَأساً من أن يجد ما فكر في انتحاله فانصرف إلى الاستكبار والأنفة من أن يشهد للقرآن بما فيه من كمال اللفظ والمعنى .ويجوز أن يكون مستعاراً لزيادة إعراضه عن تصديق النبي صلى الله عليه وسلم كقوله تعالى : { ثم أدبر يسعى حكاية عن فرعون } في سورة النازعات ( 22 ) .وصفت أشكاله التي تشكَّل بها لما أجهد نفسه لاستنباط ما يصف به القرآن ، وذلك تهكم بالوليد .

فَقَالَ إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ

📘 فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) وصيغة الحصر في قوله : إِنْ هذا إلاّ سحر يؤثر } مشعرة بأن استقراء أحوال القرآن بعد السَبر والتقسيم أنتج له أنه من قبيل السحر ، فهو قصر تعيين لأحد الأقوال التي جالت في نفسه لأنه قال : ما هو بكلام شاعر ولا بكلام كاهن ولا بكلام مجنون ، كما تقدم في خبره .ووصَف هذا السحر بأنه مأثُور ، أي مروي عن الأقدمين ، يقول هذا ليدفع به اعتراضاً يرد عليه أن أقوال السحرة وأعمالهم ليست مماثلة للقرآن ولا لأحوال الرسول فزعم أنه أقوال سحرية غير مألوفة .

إِنْ هَٰذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ

📘 إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25)وجملة { إنْ هذا إلاّ قول البشر } بدل اشتمال من جملة { إن هذا إلاّ سحر يؤثر } بأن السحر يكون أقوالاً وأفعالاً فهذا من السحر القولي . وهذه الجملة بمنزلة النتيجة لما تقدم ، لأن مقصوده من ذلك كله أنّ القرآن ليس وحياً من الله .وعطف قوله : { فقال } بالفاء لأنّ هذه المقالة لما خطرت بباله بعد اكتداد فكره لم يتمالك أن نطق بها فكان نطقه بها حقيقاً بأن يعطف بحرف التعقيب .

سَأُصْلِيهِ سَقَرَ

📘 سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) جملة { سأُصليه سقر } مستأنفة استئنافاً بيانياً ناشئاً عن قوله : { إنه فكّر وقدّر } [ المدثر : 18 ] إلى آخر الآيات فذكر وعيده بعذاب الآخرة .ويجوز أن تكون بدلاً من جملة { سأرهق صعوراً } . والإِصلاء : جعل الشيء صالياً ، أي مباشراً حرَّ النار . وفعل صَلِيَ يطلق على إحساس حرارة النار ، فيكون لأجل التدَفّىء كقول الحارث بن حِلزة :فتنورتَ نارها من بعيد ... بخزازَى أيَّانَ منكَ الصلاءأي أنت بعيد من التدفىء بها وكما قال حُمَيد بن ثَوْر :لا تصطلي النارَ إلاّ مِجْمَرا أرِجَا ... قد كَسَّرت من يَلْنَجُوجٍ له وَقَصَاويطلق على الاحتراق بالنار قال تعالى : { سَيصلَى ناراً ذات لهب } في سورة أبي لهب ( 3 ) وقال : { فأنذرتكم ناراً تلظَّى لا يصلاَها إلاّ الأشقى } في سورة الليل ( 14 ، 15 ) ، وقال : وسيَصلون سعيراً في سورة النساء ( 10 ) ، والأكثر إذا ذكر لفعل هذه المادة مفعول ثان من أسماء النار أن يكون الفعل بمعنى الإِحراق كقوله تعالى : { فسوف نُصليه ناراً } في سورة النساءِ ( 30 ) . ومنه قوله هنا سأُصليه سقر .وسقر : علَم لطبقة من جهنم ، عن ابن عباس : أنه الطبق السّادس من جهنم . قال ابن عطية : سقر هو الدرك السادس من جهنم على ما روي ا ه . واقتصر عليه ابنُ عطية . وجرى كلام جمهور المفسرين بما يقتضي أنهم يفسّرون سقر بما يرادف جهنم .وسقر ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث لأنه اسم بُقعة من جهنم أو اسم جهنم وقد جرى ضمير سقر على التأنيث في قوله تعالى : لا تُبقي } إلى قوله : { عليها تسعة عشر . } وقيل سقر معرَّب نقله في «الإِتقان» عن الجواليقي ولم يذكر الكلمة المعرّبة ولا من أية لغة هو .

وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ

📘 وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27) و { ما أدراك ما سقر } جملة حالية من { سقر } ، أي سقر التي حالها لا ينبئك به مُنبىء وهذا تهويل لحالها .و { ما سقر } في محل مبتدإ وأصله سقر مَّا ، أي ما هي ، فقدّم { ما } لأنه اسم استفهام وله الصدارة .فإن { ما } الأولى استفهامية . والمعنى : أيُّ شيء يدريك ، أي يعلمك .و { ما } الثانية استفهامية في محل رفع خبر عن { سقر } .

لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ

📘 لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (28) وجملة { لا تبقي } بدل اشتمال من التهويل الذي أفادته جملة { وما أدراك ما سَقر ، } فإن من أهوالها أنها تهلك كل من يصلاها . والجملة خبر ثان عن سقر .وحذف مفعول { تبقي } لقصد العموم ، أي لا تبقي منهم أحداً أو لا تبقي من أجزائهم شيئاً .وجملة { ولا تذر } عطف على { لا تبقي } فهي في معنى الحال ، ومعنى { لا تذر ، } أي لا تترك من يلقَى فيها ، أي لا تتركه غير مصلي بعذابها . وهذه كناية عن إعادة حياته بعد إهلاكه كما قال تعالى : { كلما نَضِجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب } [ النساء : 56 ] .

لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ

📘 لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29) و { لوّاحة } : خبر ثالث عن { سقر } . و { لوّاحة } فعَّالة ، من اللّوح وهو تغيير الذات من ألممٍ ونحوه ، وقال الشاعر ، وهو من شواهد «الكشاف» ولم أقف على قائله :تقول ما لاحكَ يا مُسافِرْ ... يا ابنة عمي لاحني الهَواجِرْوالبشر : يكون جمع بشرة ، وهي جلد الإِنسان ، أي تغير ألوان الجلود فتجعلها سوداً ، ويكون اسم جمع للناس لا واحد له من لفظه .

وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ

📘 وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3)انتصب { ربّك } على المفعولية لفعل ( كَبِّر ) قُذم على عامله لإِفادة الاختصاص ، أي لا تكبر غيره ، وهو قصر إفراد ، أي دون الأصنام .والواو عطَفت جملة { ربَّك فكبر } على جملة { قم فأنذر } [ المدثر : 2 ] .ودخلت الفاء على ( كَبّر ) إيذاناً بشرطٍ محذوف يكون ( كَبِّر ) جوابه ، وهو شرط عام إذ لا دليل على شرط مخصوص وهُيِّىء لِتقدير الشرط بتقديم المفعول . لأن تقديم المعمول قد ينزل منزلة الشرط كقول النبي صلى الله عليه وسلم " ففيهما فجاهد " ( يعني الأبوين ) .فالتقدير : مهمْا يكن شيء فكبّرْ ربّك .والمعنى : أن لا يفتر عن الإِعلان بتعظيم الله وتوحيده في كُل زمان وكل حال وهذا من الإِيجاز . وجوز ابن جني أن تكون الفاء زائدة قال : هو كقولك زيداً فاضرب ، تُريد : زيداً اضرب .وتكبير الرب تعظيمه ففعل ( كبّر ) يفيد معنى نسبة مفعوله إلى أصل مادة اشتقاقه وذلك من معاني صيغة فَعَّل ، أي أخبر عنه بخبر التعظيم ، وهو تكبير مجازي بتشبيه الشيء المعظَّم بشيء كبير في نوعه بجامع الفضل على غيره في صفات مثله .فمعنى { وربَّك فكبِّر : } صِف ربّك بصفات التعظيم ، وهذا يشمل تنزيهه عن النقائص فيشمل توحيده بالإلهية وتنزيهه عن الولد ، ويشمل وصفه بصفات الكمال كلها .ومعنى ( كبِّر ) : كبره في اعتقادك : وكبره بقولك تسبيحاً وتعليماً . ويشمل هذا المعنى أن يقول : «الله أكبر» لأنه إذا قال هذه الكلمة أفاد وصف الله بأنه أكبر من كل كبير ، أي أجلّ وأنزه من كل جليل ، ولذلك جعلت هذه الكلمة افتتاحاً للصلاة .وأحسب أن في ذكر التكبير إيماء إلى شرع الصلاة التي أولها التكبير وخاصة اقترانه بقوله : { وثيابك فطهر } [ المدثر : 4 ] فإنه إيماء إلى شرع الطهارة ، فلعل ذلك إعداد لشرع الصلاة . ووقع في رواية معمر عن الزهري عند مسلم أن قال : وذلك قبل أن تفرض الصلاة . فالظاهر أن الله فرض عليه الصلاة عقب هذه السورة وهي غير الصلوات الخمس فقد ثبت أنه صلى في المسجد الحرام .

عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ

📘 عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ (30)وقوله : { عليها تسعة عشر } خبر رابع عن { سَقر } من قوله : { وما أدراك ما سقر .ومعنى عليها } على حراستها ، ف ( على ) للاستعلاء المجازي بتشبيه التصرف والولاية بالاستعلاء كما يقال : فلان على الشرطة ، أو على بيت المال ، أي يلي ذلك والمعنى : أن خزنة سقر تسعة عشر مَلَكاً .وقال جمع : إن عدد تسعة عشر : هُم نقباء الملائكة الموكلين بجهنم .وقيل : تسعة عشر صِنفاً من الملائكة وقيل تسعة عشر صفّاً . وفي «تفسير الفخر» : ذكر أرباب المعاني في تقدير هذا العدد وجوهاً : أحدها قول أهل الحكمة : إن سبب فساد النفس هو القُوى الحيوانية والطبيعية أما الحيوانية فهي الخمس الظاهرة والخمس الباطنة ، والشهوة والغضب ، فمجموعها اثنتا عشرة . وأما القوى الطبيعية فهي : الجاذبة ، والماسكة ، والهاضمة ، والدافعة ، والغاذية ، والنامية ، والمولِّدة ، فهذه سبعة ، فتلك تسعَ عشرة . فلما كان منشأ الآفات هو هذه التسع عشرة كان عدد الزبانية كذلك اه .والذي أراه أن الملائكة التسعة عشر موزَّعون على دركات سقر أو جهنمَ لكل دَرك مَلك فلعل هذه الدركات معيَّن كل درك منها لأهل شعبة من شُعب الكفر ، ومنها الدرك الأسفل الذي ذكره الله تعالى : { إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار } في سورة النساء ( 145 ) فإن الكفر أصناف منها إنكار وجود الله ، ومنها الوثنية ، ومنها الشرك بتعدد الإله ، ومنها عبادة الكواكب ، ومنها عبادة الشيطان والجن ، ومنها عبادة الحيوان ، ومنها إنكار رسالة الرسل ، ومنها المجوسية المانوية والمزدكية والزندقة ، وعبادة البشر مثل الملوك ، والإِباحيةُ ولو مع إثبات الإله الواحد .وفي ذكر هذا العدد تحدَ لأهل الكتابين يبعثهم على تصديق القرآن إذ كان ذلك مما استأثر به علماؤهم كما سيأتي قوله : { ليستيقن الذين أوتوا الكتاب } [ المدثر : 31 ] .وقرأ الجمهور { تسعة عَشر } بفتح العين من { عَشر . } وقرأ أبو جعفر { تسعة عشر } بسكون العين من { عشْر } تخفيفاً لتوالي الحركات فيما هو كالاسم الواحد ، ولا التفات إلى إنكار أبي حاتم هذه القراءة فإنها متواترة .

وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً ۙ وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا ۙ وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ ۙ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلًا ۚ كَذَٰلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ۚ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ ۚ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْبَشَرِ

📘 وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ (31){ عَشَرَ * وَمَا جَعَلْنَآ أصحاب } .روى الطبري عن ابن عباس وجابر بن زيد : «أن أبا جهل لما سمع قوله تعالى : { عليها تسعة عشر } [ المدثر : 30 ] قال لقريش : ثكلتكم أمهاتكم إن ابن أبي كبشة يخبركم أن خزنة النار تسعة عشر وأنتم الدَّهْم أفيعجز كل عشرة منكم أن يبطشوا برجل من خزنة جهنم؟ فقال الله تعالى : { وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة } ، أي ما جعلناهم رجالاً فيأخذ كل رجل رجلاً ، فمن ذا يغلب الملائكة اه .وفي «تفسير القرطبي» عن السدي : أن أبا الأشَدَّ بنَ كَلَدَة الجمحِي قال مستهزئاً : لا يَهُولَنَّكم التسعةَ عشر ، أنا أدفع بمنكبي الأيمننِ عشرة وبمنكبي الأيسر تسعة ثم تمرون إلى الجنة ، وقيل : قال الحارث بن كَلَدة : أنا أكفيكم سبعة عشر واكفوني أنتم اثنين ، يريد التهكم مع إظهار فرط قوته بين قومه .فالمراد مِن { أصحاب النار } خزنتها ، وهم المتقدم ذكرهم بقوله : { عليها تسعةَ عشر } [ المدثر : 30 ] .والاستثناء من عموم الأنواع ، أي ما جعلنا خزنة النار من نوع إلاّ من نوع الملائكة .وصيغة القصر تفيد قلب اعتقاد أبي جهل وغيره مَا توهموه أو تظاهروا بتوهمه أن المراد تسعة عشر رجلاً فطمع أن يخلص منهم هو وأصحابه بالقوة فقد قال أبو الأشدِّ بن أُسَيد الجُمحِي : لا يَبلغون ثوبي حتى أُجْهضَهم عن جهنم ، أي أنحِّيهم .وقوله تعالى : { وما جعلنا عدّتهم إلا فتنة للذين كفروا } تتميم في إبطال توهم المشركين حقارة عدد خزنة النار ، وهو كلام جار على تقدير الأسلوب الحكيم إذ الكلام قد أثار في النفوس تساؤلاً عن فائدة جعل خزنة جهنم تسعةَ عشر وهلاّ كانوا آلافاً ليكون مرآهم أشد هولاً على أهل النار ، أو هلاَّ كانوا ملكاً واحداً فإن قُوى الملائكة تأتي كل عمل يسخرها الله له ، فكان جواب هذا السؤال : أن هذا العدد قد أظهر لأصناف الناس مبلغ فَهم الكفار للقرآن . وإنما حصلت الفتنة من ذكر عددهم في الآية السابقة . فقوله : { وما جعلنا عدتهم } تقديره : وما جعلنا ذكر عدتهم إلاّ فتنة ، ولاستيقان الذين أوتوا الكتاب ، وازدياد الذين آمنوا إيماناً ، واضطراب الذين في قلوبهم مرض فيظهر ضلال الضالين واهتداء المهتدين . فالله جعل عدة خزنة النار تسعة عشر لحكمة أخرى غير ما ذكر هنا اقتضت ذلك الجعل يعلمها الله .والاستثناء مفرغ لمفعول ثان لفعل { جعلنا } تقديره جعلنا عدتهم فتنة لا غير ، ولما كانت الفتنة حالاً من أحوال الذين كفروا لم تكن مراداً منها ذاتها بل عروضها للذين كفروا فكانت حالاً لهم .والتقدير : ما جعلنا ذكر عدتهم لعلة وغرض إلاّ لغرض فتنة الذين كفروا؛ فانتصب { فتنة } على أنه مفعول ثان لفعل { جعلنا } على الاستثناء المفرغ ، وهو قصر قلب للردّ على الذين كفروا إذ اعتقدوا أن عدتهم أمر هيّن .وقوله : { ليستيقن الذين أُوتوا الكتاب } الخ . علة ثانية لفعل { وما جعلنا عدتهم إلا فتنة } . ولولا أن كلمة { فتنة } منصوبة على المفعول به لِفعل { جعلنا } . لكان حق { ليستيقن } أن يعطف على { فتنة } ولكنه جاء في نظم الكلام متعلقاً بفعل : { وما جعلنا عدتهم إلا فتنة .ويجوز أن يكون للذين كفروا } متعلقاً بفعل { جعلنا وب فتنة } ، على وجه التنازع فيه ، أي ما جعلنا عدتهم للذين كفروا إلاّ فتنةً لهم إذ لم يحصل لهم من ذكرها إلاّ فساد التأويل ، وتلك العِدة مجعولة لفوائد أخرى لغير الذين كفروا الذين يفوضون معرفة ذلك إلى علم الله وإلى تدبر مفيد .والاستيقان : قوة اليقين ، فالسين والتاء فيه للمبالغة . والمعنى : ليستيقنوا صدق القرآن حيث يجدون هذا العدد مصدقاً لما في كتبهم .والمراد ب { الذين أُوتوا الكتاب } اليهود حين يبلغهم ما في القرآن من مثل ما في كتبهم أو أخبارهم . وكان اليهود يترددون على مكة في التجارة ويتردد عليهم أهل مكة للميرة في خيبر وقريظة ويثرب فيسأل بعضهم بعضاً عما يقوله محمد صلى الله عليه وسلم ويودّ المشركون لو يجدون عند اليهود ما يكذبون به أخبار القرآن ولكن ذلك لم يجدوه ولو وجدوه لكان أيسر ما يطعنون به في القرآن .والاستيقان من شأنه أن يعقبه الإِيمان إذا صادف عقلاً بريئاً من عوارض الكفر كما وقع لعبد الله بن سَلاَم وقد لا يعقبه الإِيمان لمكابرة أو حسد أو إشفاق من فوات جاه أو مال كما كان شأن كثير من اليهود الذي قال الله فيهم { يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن كثيراً منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون } [ البقرة : 146 ] ولذلك اقتصرت الآية على حصول الاستيقان لهم .روى الترمذي بسنده إلى جابر بن عبد الله قال : قال ناس من اليهود لأناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هل يعلم نبيئكم عدد خزنة النار؟ ، قالوا : لا ندري حتى نسأل نبيئنا . فجاء رجل إلى النبي فقال : يا محمد غُلب أصحابكم اليوم ، قال : وبم غلبوا قال : سألهم يهودُ : هل يعلم نبيئكم عدد خزنة النار ، قال : فما قالوا؟ قال : قالوا لا ندري حتى نسأل نبيئنا ، قال : أفغُلب قوم سُئلوا عما لا يعلمون؟ فقالوا : لا نعلم حتى نسأل نبيئنا إلى أن قال جابر : فلما جاءوا قالوا : يا أبا القاسم كم عدد خزنة جهنم؟ قال . هكذا وهكذا في مرة عشرة وفي مرة عشرة وفي مرة تسع ( بإشارة الأصابع ) قالوا : نعم الخ . وليس في هذا ما يُلجىء إلى اعتبار هذه الآية نازلة بالمدينة كما روي عن قتادة لأن المراجعة بين المشركين واليهود في أخبار القرآن مألوفة من وقت كون النبي صلى الله عليه وسلم في مكة .قال أبوبكر ابن العربي في «العارضة» : حديث جابر صحيح والآية التي فيها{ عليها تسعةَ عشر } [ المدثر : 30 ] مكية بإجماع ، فكيف تقول اليهود هذا ويدعوهم النبي للجواب وذلك كان بالمدينة ، فيحتمل أن الصحابة قالوا : لا نعلم ، لأنهم لم يكونوا قرأوا الآية ولا كانت انتشرت عندهم ( أي لأنهم كانوا من الأنصار الذين لم يتلقوا هذه الآية من سورة المدثر لبعد عهد نزولها بمكة وكان الذين يجتمعون باليهود ويسألهم اليهود هم الأنصار . قال : ويحتمل أن الصحابة لم يمكنهم أن يعينوا أن التسعة عشر هم الخزنة دون أن يعيِّنهم الله حتى صرح به النبي صلى الله عليه وسلم اه . فقد ظهر مصداق قوله تعالى : { ليستيقن الذين أُوتوا الكتاب } بعد سنين من وقت نزوله .ومعنى { ويزداد الذين ءامنوا إيماناً } أنهم يؤمنون به في جملة ما يؤمنون به من الغيب فيزداد في عقولهم جُزئيّ في جزئيات حقيقة إيمانهم بالغيب ، فهي زيادة كمية لا كيفية لأن حقيقة الإِيمان التصديق والجزم وذلك لا يقبل الزيادة ، وبمثل هذا يكون تأويل كل ما ورد في زيادة الإِيمان من أقوال الكتاب والسنة وأقوال سلف الأمة .وقوله : { ولا يرتاب الذين أُوتوا الكتاب والمؤمنون } عطف على { ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ، } أي لينتفي عنهم الريب فلا تعتورهم شبهة من بعد علمه لأنه إيقان عن دليل . وإن كان الفريقان في العمل بعلمهم متفاوتين ، فالمؤمنون علموا وعَملوا ، والذين أُوتوا الكتاب علموا وعاندوا فكان علمهم حجة عليهم وحسرة في نفوسهم .والمقصود من ذكره التمهيد لذكر مكابرة الذين في قلوبهم مرض والكافرين في سوء فهمهم لهذه العِدة تمهيداً بالتعريض قبل التصريح ، لأنه إذا قيل { ولا يرتاب الذين أُوتوا الكتاب والمؤمنون } شعر الذين في قلوبهم مرض والكافرون بأنهم لما ارتابوا في ذلك فقد كانوا دون مرتبة الذين أوتوا الكتاب لأنهم لا ينازعون في أن الذين أوتوا الكتاب أرجح منهم عقولاً وأسد قولاً ، ولذلك عطف عليه { وليقولَ الذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلاً } ، أي ليقولوا هذا القول إعراباً عما في نفوسهم من الطعن في القرآن غير عالمين بتصديق الذين أوتوا الكتاب .واللام لام العاقبة مثل التي في قوله تعالى : { فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدواً وحزناً } [ القصص : 8 ] .والمرض في القلوب : هو سوء النية في القرآن والرسول صلى الله عليه وسلم وهؤلاء هم الذين لم يزالوا في تردد بين أن يسلموا وأن يبقوا على الشرك مثل الأخنس بن شَرِيق والوليد بن المغيرة ، وليس المراد بالذين في قلوبهم مرض المنافقون لأن المنافقين ما ظهروا إلاّ في المدينة بعد الهجرة والآية مكية .و { ماذا أراد الله } استفهام إنكاري فإن ( ما ) استفهامية ، و ( ذا ) أصله اسم إشارة فإذا وقع بعد ( ما ) أو ( مَن ) الاستفهاميتين أفاد معنى الذي ، فيكون تقديره : ما الأَمر الذي أراده الله بهذا الكلام في حال أنه مثل ، والمعنى : لم يرد الله هذا العدد الممثل به ، وقد كُنّي بنفي إرادة الله العدد عن إنكار أن يكون الله قال ذلك ، والمعنى : لم يرد الله العدد الممثل به فكنَّوا بنفي إرادة الله وصفَ هذا العددِ عن تكذيبهم أن يكون هذا العدد موافقاً للواقع لأنهم ينفون فائدته ، وإنما أرادوا تكذيب أن يكون هذا وحياً من عند الله .والإِشارة بهذا إلى قوله : { عليها تسعةَ عشر } [ المدثر : 30 ] .و { مثلاً } منصوب على الحال من هذا ، والمثل : الوصف ، أي بهذا العدد وهو تسعة عشر ، أي ما الفائدة في هذا العدد دون غيره مثل عشرين .والمثل : وصف الحالة العجيبة ، أي ما وصَفه من عدد خزنة النار كقوله تعالى : { مثل الجنّة التي وعد المتقون } [ محمد : 15 ] الآية .وتقدم نظير هذا عند قوله تعالى : { وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلاً } في سورة [ البقرة : 26 ] .اسم الإِشارة عائد إلى ما تضمنه الكلام المتقدم من قوله : { ليستيقن الذين أوتوا الكتاب } إلى قوله : { مثلاً } بتأويل ما تضمنه الكلام ، بالمذكور ، أي مثل ذلك الضلال الحاصل للذين في قلوبهم مرض وللكافرين ، والحاصل للذين أوتوا الكتاب بعد أن استيقنوا فلم يؤمنوا يُضل الله من يشاء أن يضله من عباده ، ومثل ذلك الهُدى الذي اهتداه المؤمنون فزادهم إيماناً مع إيمانهم يَهدي الله من يشاء .والغرض من هذا التشبيهِ تقريبُ المعنى المعقول وهو تصرف الله تعالى بخلق أسباب الأحوال العارضة للبشر ، إلى المعنى المحسوس المعروف في واقعة الحال ، تعليماً للمسلمين وتنبيهاً للنّظر في تحصيل ما ينفع نفوسهم .ووجه الشبه هو السببية في اهتداء من يهتدي وضَلال من يَضِل ، في أن كُلاًّ من المشبَّه والمشبه به جعله الله سبباً وإرادة لحكمة اقتضاها علمه تعالى فتفاوتَ الناسُ في مدى إفهامهم فيه بين مهتدٍ ومرتاببٍ مُختلف المرتبةِ في ريبه ، ومكابرٍ كافر وسَيّىءِ فهممٍ كافر .وهذه كلمة عظيمة في اختلاف تلقي العقول للحقائق وانتفاعهم بها أو ضده بحسب اختلاف قرائحهم وفهومهم وتراكيب جبلاتهم المتسلسلة من صواب إلى مثله ، أو من تردد واضطراب إلى مثله ، أو من حَنق وعناد إلى مثله ، فانطوى التشبيه من قوله : { كذلك } على أحوال وصور كثيرة تظهر في الخارج .وإسناد الإِضلال إلى الله تعالى باعتبار أنه موجِد الأسباب الأصلية في الجبلات ، واقتباس الأهواء وارتباط أحوال العالم بعضها ببعض ، ودعوة الأنبياء والصلحاء إلى الخير ، ومقاومة أيمة الضلال لتلك الدعوات . تلك الأسباب التي أدت بالضالين إلى ضلالهم وبالمهتدين إلى هداهم . وكلٌّ من خلق الله . فما على الأنفس المريدة الخير والنجاة إلاّ التعرض لأحد المهيعين بعد التجرد والتدبر { لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت } [ البقرة : 286 ] .ومشيئة الله ذلك تعلق علمه بسلوك المهتدين والضالّين .ومحل { كذلك } نصب بالنيابة عن المفعول المطلق لأن الجار والمجرور هنا صفة لمصدر محذوف دلّت عليه الصفة ، والتقدير : يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء إضلالاً وهدياً كذلك الإِضلال والهدي .وليس هذا من قبيل قوله تعالى : { وكذلك جعلناكم أمة وسطاً } [ البقرة : 143 ] .وقدم وصف المفعول المطلق للاهتمام بهذا التشبيه لما يرشد إليه من تفصيل عند التدبر فيه ، وحصل من تقديمه محسّن الجمع ثم التقسيم إذ جاء تقسيمه بقوله { يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء .كلمة جامعة لإِبطال التخرصَات التي يتخرصها الضالون ومرضى القلوب عند سماع الأخبار عن عالم الغيب وأمور الآخرة من نحو : ما هَذَا به أبو جهل في أمر خزنة جهنم يشمل ذلك وغيره ، فلذلك كان لهذه الجملة حكم التذييل .والجنودُ : جمع جند وهو اسم لجماعة الجيش واستعير هنا للمخلوقات التي جعلها الله لتنفيذ أمره لمشابهتها الجنود في تنفيذ المراد .وإضافة رب إلى ضمير النبي صلى الله عليه وسلم إضافة تشريف ، وتعريض بأن من شأن تلك الجنود أن بعضها يكون به نصرُ النبي صلى الله عليه وسلم ونفي العلم هنا نفي للعلم التفصيلي بأعدادها وصفاتها وخصائصها بقرينة المقام ، فإن العلم بعدد خزنة جهنم قد حصل للناس بإعلام من الله لكنهم لا يعلمون ما وراء ذلك .فيه معان كثيرة أعلاها أن يكون هذا تتمة لقوله : { وما جعلنا عدتهم إلاّ فتنة للذين كفروا } على أن يكون جارياً على طريقة الأسلوب الحكيم ، أي أن النافع لكم أن تعلموا أن الخبر عن خزنة النار بأنهم تسعة عشر فائدته أن يكون ذكرى للبشر ليتذكروا دار العقاب بتوصيف بعض صفاتها لأن في ذكر الصفة عوناً على زيادة استحضار الموصوف ، فغرض القرآن الذكرى ، وقد اتخذه الضالّون ومرضى القلوب لهواً وسخرية ومِراء بالسؤال عن جعلهم تسعة عشر ولِمَ لم يكونوا عشرين أو مئات أو آلافاً .وضمير { هي } على هذا الوجه إلى { عدتهم .ويجوز أن يرجع الضمير إلى الكلام السابق وتأنيث ضميره لتأويله بالقصّة أو الصفة أو الآيات القرآنية .والمعنى : نظير المعنى على الاحتمال الأول .ويحتمل أن يرجع إلى { سَقَر } [ المدثر : 26 ] وإنما تكون { ذِكْرى } باعتبار الوعيد بها وذكرِ أهوالها .والقصرُ متوجه إلى مضاف محذوف يدل عليه السياق تقديره : وما ذكرها أو وصفها أو نحو ذلك .ويحتمل أن يرجع ضمير { هي } إلى { جنود ربّك } والمعنَى المعنى ، والتقديرُ التقديرُ ، أي وما ذكرها أو عِدة بعضها .وجوّز الزجاج أن يكون الضمير راجعاً إلى نار الدنيا ، أي أنها تذكر للناس بنار الآخرة ، يريد أنه من قبيل قوله تعالى : { أفرأيتم النار التي تورون أأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون نحن جعلناها تَذْكرة } [ الواقعة : 71 73 ] . وفيه محسن الاستخدام .وقيل : المعنى : وما عدتهم إلاّ ذكرى للناس ليعلموا غنى الله عن الأعوان والجند فلا يظلوا في استقلال تسعة عشر تجاه كثرة أهل النار .وإنما حَمَلَت الآية هذه المعانيَ بحسن موقعها في هذا الموضع وهذا من بلاغة نظم القرآن . ولو وقعت إثر قوله : { لواحة للبشر } [ المدثر : 29 ] لتمحض ضمير { وما هي إلاّ ذكرى } للعود إلى سقر ، وهذا من الإعجاز بمواقع جمل القرآن كما في المقدمة العاشرة من مقدمات هذا التفسير .وبين لفظ البشر المذكور هنا ولفظ البشَر المتقدم في قوله : { لوّاحة للبشر } التّجنيس التام .

كَلَّا وَالْقَمَرِ

📘 كَلَّا وَالْقَمَرِ (32) { كلاّ } .{ لِلْبَشَرِ } حرف ردع وإبطال . والغالب أن يقع بعد كلام من متكلم واحد أوْ من متكلم وسامععٍ مثل قوله تعالى : { قال أصحاب موسى إنا لمُدْرَكون قال كلا إن معي ربي سيهدين } [ الشعراء : 61 ، 62 ] فيفيد الردع عما تضمنه الكلام المحكي قبله . ومنه قوله تعالى : { كلا سنكتب ما يقول } في سورة مريم ( 79 ) ، ويجوز تقديمه على الكلام إذا أريد التعجيلُ بالردع والتشويقُ إلى سماع ما بعده ، وهو هنا محتمل لأن يكون إبطالاً لما قبله من قولهم : فإذا أراد الله بهذا مثلاً ، فيكون ما بينهما اعتراضاً ويكون قوله والقمرِ } ابتداء كلام فيحسن الوقف على { كلاّ } . ويحتمل أن يكون حرف إبطال مقدماً على الكلام الذي بعده من قوله : { إنها لإِحدى الكبر نذيراً للبشر } تقديم اهتمام لإِبطال ما يجيء بعده من مضمون قوله : { نذيراً للبشر ، } أي من حقهم أن ينتذروا بها فلم ينتذر أكثرهم على نحو معنى قوله : { وأنَّى له الذكرى } [ الفجر : 23 ] فيحسن أن توصل في القراءة بما بعدها .الواو المفتتح بها هذه الجملة واو القسم ، وهذا القسم يجوز أن يكون تذييلاً لما قبله مؤكِّداً لما أفادته { كَلاّ } من الإِنكار والإِبطال لمقالتهم في شأن عدة خزنة النار ، فتكون جملة { إِنها لإِحدى الكبر } تعليلاً للإِنكار الذي أفادته { كَلاّ } ويكون ضمير { إنها } عائداً إلى { سقَر } [ المدثر : 26 ] ، أي هي جديرة بأن يتذكر بها فلذلك كان من لم يتذكر بها حقيقاً بالإِنكار عليه وردعه .وجملة القسم على هذا الوجه معترضة بين الجملة وتعليلها ، ويحتمل أن يكون القسم صدراً للكلام الذي بعده وجملة { إنها لإِحدى الكبر } جواب القسم والضمير راجع إلى { سقَر ، أي أن سقر لأعظم الأهوال ، فلا تجزي في معاد ضمير إنها } جميع الاحتمالات التي جرت في ضمير { وما هي إلاّ ذكرى } [ المدثر : 31 ] .وهذه ثلاثة أيمان لزيادة التأكيد فإن التأكيد اللفظي إذا أكد بالتكرار يكرر ثلاث مرات غالباً ، أقسم بمخلوق عظيم ، وبحالين عظيمين من آثار قدرة الله تعالى .ومناسبة القَسَم ب { القمر والليل إذ أدبر والصبحُ إذا أسفر } أن هذه الثلاثة تظهر بها أنوار في خلال الظلام فناسبت حالي الهدى والضلال من قوله : { كذلك يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء } [ المدثر : 31 ] ومن قوله : { وما هي إلاّ ذكرى للبشر } [ المدثر : 31 ] ففي هذا القسَم تلويح إلى تمثيل حال الفريقين من الناس عند نزول القرآن بحال اختراق النور في الظلمة .

وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ

📘 وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (33) وإدبار الليل : اقتراب تقضيه عند الفجر ، وإسفار الصبح : ابتداء ظهور ضوء الفجر .وكل من { إذْ } و { إذَا } واقعان اسمي زمان منتصبان على الحال من الليل ومن الصبح ، أي أُقسم به في هذه الحالة العجيبة الدالة على النظام المحكم المتشابه لمحو الله ظلمات الكفر بنور الإِسلام قال تعالى : { كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور } [ إبراهيم : 1 ] .وقد أجريت جملة { إنها لإِحدى الكبر } مجرى المثل .ومعنى { إحدى } أنها المتوحدة المتميزة من بين الكبر في العظم لا نظيرة لها كما يقال : هو أحدَ الرجال لا يراد : أنه واحد منهم ، بل يراد : أنه متوحد فيهم بارز ظاهر ، كما تقدم في قوله : { ذرني ومن خلقت وحيداً } [ المدثر : 11 ] ، وفي المثل «هذه إحدى حُظَيَّات لقمان» .وقرأ نافع وحمزة وحفص ويعقوب وخلف { إذْ أدبر } بسكون ذال { إذ } وبفتح همزة { أدبر } وإسكان داله ، أقسم بالليل في حالة إدباره التي مضت وهي حالة متجددة تَمضي وتَحْضُر وتُستْقبل ، فأي زمن اعتبر معها فهي حقيقة بأن يُقسم بكونها فيه ، ولذلك أقسم بالصبح إذَا أسفر مع اسم الزمن المستقبل . وقرأه ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو وأبو بكر عن عاصم والكسائيّ وأبو جعفر { إِذَا دَبَر } بفتح الذال المعجمة من { إذا } بعدها ألف ، وبفتح الدّال المهملة من دَبَر على أنه فعل مضي مجرد ، يقال : دَبَر ، بمعنى : أدبر ، ومنه وصفه بالدّابر في قولهم : أمسسِ الدّابرِ ، كما يقال : قبل بمعنَى أقبل ، فيكون القسم بالحالة المستقبلة من إدبار الليل بعد نزول الآية

وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ

📘 وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ (34) على وزان { إذَا أسفر } في قراءة الجميع ، وكل ذلك مستقيم فقد حصل في قراءة نافع وموافقيه تفنن في القسم .

إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ

📘 إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ (35) و { الكُبَر } : جمع الكبرى في نوعها ، جمعوه هذا الجمع على غير قياسسِ بابه لأن فُعْلى حقها أن تجمع جمع سلامة على كبريات ، وأما بنية فُعل فإنها جمع تكسير لفُعْلة كغُرفة وغُرف ، لكنهم حملوا المؤنث بالألف على المؤنث بالهاء لأنهم تأولوه بمنزلة اسم للمصيبة العظيمة ولم يعتبروه الخصلة الموصوفة بالكِبر ، أي أُنثى الأكبر فلذلك جعلوا ألف التأنيث التي فيه بمنزلة هاء التأنيث فجمعوه كجمع المؤنث بالهاء من وزن فعلة ولم يفعلوا ذلك في إخواته مثل عظمى .

نَذِيرًا لِلْبَشَرِ

📘 نَذِيرًا لِلْبَشَرِ (36) ، وانتصب { نذيراً } على الحال من ضمير { إِنها } ، أي إنها لعُظمَى العظائم في حال إنذارها للبشر وكفى بها نذيراً .والنذير : المُنذر ، وأصله وصف بالمصدر لأن { نذيراً } جاء في المصادر كما جاء النكير ، والمصدر إذا وصف به أو أخبر به يلزم الإِفرادَ والتذكيرَ ، وقد كثر الوصف ب ( النذير ) حتى صار بمنزلة الاسم للمُنذر .

لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ

📘 لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ (37)وقوله : { لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر } بدل مفصل من مجمل من قوله { للبشر } ، وأعيد حرف الجر مع البدل للتأكيد كقوله تعالى : { قال الملأ الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن آمن منهم } [ الأعراف : 75 ] ، وقوله : { إن هو إلاّ ذكر للعالمين لمن شاء منكم أن يستقيم } [ التكوير : 27 ، 28 ] وقوله تعالى : { تكون لنا عيداً لأوَّلنا وآخِرِنا } [ المائدة : 114 ] . والمعنى : إنها نذير لمن شاء أن يتقدم إلى الإِيمان والخير لينتذر بها ، ولمن شاء أن يتأخر عن الإيمان والخير فلا يرعوي بنذارتها لأن التقدّم مشي إلى جهة الإمام فكأنَّ المخاطب يمشي إلى جهة الداعي إلى الإِيمان وهو كناية عن قبول ما يدعو إليه ، وبعكسه التأخر ، فحذف متعلق { يتقدم ويتأخّر } لظهوره من السياق .ويجوز أن يقدر : لمن شاء أن يتقدم إليها ، أي إلى سَقَر بالإِقدام على الأعمال التي تُقدمه إليها ، أو يتأخر عنها بتجنب ما من شأنه أن يقربه منها .وتعليق { نذيراً } بفعل المشيئة إنذار لمن لا يتذكر بأن عدم تذكره ناشىء عن عدم مشيئته فتبعتُه عليه لتفريطه على نحو قول المثل «يَداك أوكَتا وفُوك نفخ» ، وقد تقدم في سورة المزمل ( 19 ) قوله : { إنَّ هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربّه سبيلاً وفي ضمير منكم } التفات من الغيبة إلى الخطاب لأن مقتضى الظاهر أن يقال : لمن شاء منهم ، أي من البشر .

كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ

📘 كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) استئناف بياني يبين للسامع عقبى الاختيار الذي في قوله : { لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر } [ المدثر : 37 ] أي كل إنسان رَهْن بما كسب من التقدم أو التأخر أو غير ذلك فهو على نفسه بصيرة ليكسب ما يفضي به إلى النعيم أو إلى الجحيم .و { رهينة } : خبر عن { كل نفس } وهو بمعنى مرهونة .والرهن : الوثاق والحبس ومنه الرهن في الدَيْن ، وقد يطلق على الملازمة والمقارنة ، ومنه : فَرَسا رِهَاننٍ ، وكِلا المعنيين يصح الحمل عليه هنا على اختلاف الحال ، وإنما يكون الرهن لتحقيق المطالبة بحق يخشى أن يتفلت منه المحْقوق به ، فالرهن مشعر بالأخذ بالشدة ومنه رهائن الحرب الذين يأخذهم الغالب من القوم المغلوبين ضماناً لئلا يخيس القومُ بشروط الصلح وحتى يعطوا ديات القتلى فيكون الانتقام من الرهائن .وبهذا يكون قوله : { كل نفس } مراداً به خصوص أنفس المنذَرين من البشر فهو من العام المراد به الخصوص بالقرينة ، أي قرينة ما تعطيه مادة رَهينة من معنى الحَبس والأسر .والباء للمصاحبة لا للسببية .وظاهر هذا أنه كلام منصف وليس بخصوص تهديدِ أهل الشر .و { رهينة } : مصدر بوزن فَعِيلة كالشَّتيمة فهو من المصادر المقترنة بهاء كهاء التأنيث مثل الفُعولة والفعالة ، وليس هو من باب فعيل الذي هو وصف بمعنى المفعول مثيل قتيلة ، إذ لو قصد الوصف لقيل رعين لأن فعيلاً بمعنى مفعول يستوي فيه المذكر والمؤنث إذا جرى على موصوفه كما هنا ، والإِخبار بالمصدر للمبالغة على حد قول مِسْوَر بن زيادة الحارثي :أبَعْدَ الذي بالنَّعْففِ نَعْففِ كُوَيكِبٍ ... رهينةِ رَمْس ذي تراب وجندلألا تراه أثبت الهاء في صفة المذكر وإلاّ لما كان موجب للتأنيث .

إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ

📘 إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ (39) والاستثناء في قوله : { إلاّ أصحابَ اليمين } استثناء منقطع .و { أصحاب اليمين } : هم أهل الخير جعلت علاماتهم في الحشر بجهات اليمين في مناولة الصحف وفي موقف الحساب وغير ذلك . فاليمين هو جهة أهل الكرامة في الاعتبار كجهة يمين العرش أو يمين مَكان القُدُس يوم الحشر لا يحيط بها وصفنا وجعلت علامة أهل الشر الشمال في تناول صحف أعمالهم وفي مواقفهم وغير ذلك .

وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ

📘 وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4)هو في النظم مثل نظم { وربّك فكبر } [ المدثر : 3 ] أي لا تترك تطهير ثيابك .وللثياب إطلاق صريح وهو ما يلبسه اللابس ، وإطلاق كنائي فيكنى بالثياب عن ذات صاحبها ، كقول عنترة :فشكَكْت بالرمح الأصم ثيابه ... كناية عن طعنه بالرمح .وللتطهير إطلاق حقيقي وهو التنظيف وإزالة النجاسات وإطلاق مجازي وهو التزكية قال تعالى : { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويُطهركم تطهيراً } [ الأحزاب : 33 ] .والمعنيان صالحان في الآية فتحمل عليهما معاً فتحصل أربعةُ معان لأنه مأمور بالطهارة الحقيقية لثيابه إبطالاً لما كان عليه أهل الجاهلية من عدم الاكتراث بذلك . وقد وردت أحاديث في ذلك يقوّي بعضها بعضاً وأقواها مَا رواه الترمذي «إِن الله نظيف يحب النظافة» . وقال : هو غريب .والطهارة لجسده بالأولى .ومناسبة التطهير بهذا المعنى لأن يعطف على { وربَّك فكبر } لأنه لما أمر بالصلاة أُمر بالتطهر لها لأن الطهارة مشروعة للصلاة .وليس في القرآن ذكر طهارة الثوب إلاّ في هذه الآية في أحد محاملها وهو مأمور بتزكية نفسه .والمعنى المركب من الكنائي والمجازي هو الأعلق بإضافة النبوءة عليه . وفي كلام العرب : فلان نقي الثياب . وقال غيلان بن سلمة الثقفي :وإِنِّي بحمد الله لا ثوب فاجر ... لبست ولا من غدرة أتقنّعوأنشدوا قول أبي كبشة وينسب إلى امرىء القيس :ثيابُ عوف طَهارَى نقية ... وأوْجُهُهُمْ بيضُ المَسَافِرِ غُرَّانودخول الفاء على فعل { فطهر } كما تقدم عند قوله : { وربّك فكبّر } [ المدثر : 3 ] .وتقديم { ثيابك } على فعل ( طهِّرْ ) للاهتمام به في الأمر بالتطهير .

فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ

📘 فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ (40) وقوله : { في جنّات } يجوز أن يكون متعلقاً بقوله : { يتساءلون } قدّم للاهتمام ، و { يتساءلون } حال من { أصحاب اليمين } وهو مناط التفصيل الذي جيء لأجله بالاستثناء المنقطع .ويجوز أن يكون { في جنات } خبر مبتدأ محذوف تقديره : هم في جنات . والجملة استئناف بياني لمضمون جملة الاستثناء ويَكون { يتساءَلون } حالاً من الضمير المحذوف .ومعنى { يتساءلون } يجوز أن يكون على ظاهر صيغة التفاعل للدلالة على صدور الفعل من جانبين ، أي يسأل أصحاب اليمين بعضُهم بعضاً عن شأن المجرمين ، وتكون جملة { ما سلككم في سقر } بياناً لجملة { يتساءلون . } وضمير الخطاب في قوله : { سلككم } يؤذن بمحذوف والتقدير : فيسألون المجرمين ما سلككم في سقر ، وليس التفاتاً ، أو يقول بعض المسؤولين لأصحابهم جواباً لسائليهم قلنا لهم : ما سلككم في سقر .ويجوز أن يكون صيغة التفاعل مستعملة في معنى تكرير الفعل أي يكثر سؤال كل أحد منهم سؤالاً متكرراً أو هو من تعدد السؤال لأجل تعدد السائلين .قال الزمخشري في تفسير قوله تعالى : { واتقوا الله الذي تسَّاءَلون به } في أول سورة النساء ( 1 ) هو كقولك تَداعينا . ونقل عنه أيضاً أنه قال هنا : إذا كان المتكلم مفرداً يقال : دعوت ، وإذا كان المتكلم متعدّداً يقال : تداعينا ، ونظيره ، رميتُه وتراميناه ورأيت الهلال وتَراءيناه ولا يكون هذا تفاعلاً من الجانبين اه . ذكره صاحب الكشّاف } في سورة النساء ، أي هو فعل من جانب واحد ذي عدد كثير ، وعلى هذا يكون مفعول { يتساءَلون }

عَنِ الْمُجْرِمِينَ

📘 عَنِ الْمُجْرِمِينَ (41) محذوفاً يدلّ عليه قوله { عن المجرمين } .والتقدير : يتساءلون المجرمين عنهم ، أي عن سبب حصولهم في سقر ، ويدل عليه بيان جملة { يتساءلون }

مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ

📘 مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) بجملة { ما سلككم في سقر ، } فإن { ما سلككم } في بيان للتساؤل .وأصل معنى سلكه أدخله بين أجزاء شيء حقيقة ومنه جاء سِلْك العِقد ، واستعير هنا للزج بهم ، وتقدم في سورة الحجر ( 12 ) قوله تعالى : { كذلك نَسْلُكْهُ في قلوب المجرمين } وفي قوله : { نُسْلِكْه عذاباً صعداً } في سورة الجن ( 17 ) . والمعنى : ما زجَّ بكم في سقر .فإن كان السؤال على حقيقته والاستفهام مستعملاً في أصل معناه كان الباعث على السؤال :إِمَّا نسيان الذي كانوا عَلِموه في الدنيا من أسباب الثواب والعقاب فيبقى عموم يتساءلون } الراجع إلى أصحاب اليمين وعموم المجرمين على ظاهره ، فكل من أصحاب اليمين يشرف على المجرمين من أعالي الجنة فيسألهم عن سبب ولوجهم النار فيحصل جوابهم وذلك إلهام من الله ليحمده أهل الجنّة على ما أخذوا به من أسباب نجاتهم ممّا أصاب المجرمين ويفرحوا بذلك .وإما أن يكون سؤالاً موجهاً من بعض أصحاب اليمين إلى ناس كانوا يَظنونهم من أهل الجنة فرأوهم في النار من المنافقين أو المرتدين بعد موت أصحابهم ، فيكون المراد بأصحابه اليمين بعضهم وبالمجرمين بعضهم وهذا مثل ما في قوله تعالى : { وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون قالوا إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين } الآيات في سورة الصافات ( 27 ، 28 ) وقوله فيها : { قال قائل منهم إني كان لي قرين يقول أئنك لمن المصدقين } إلى قوله { في سواء الجحيم } [ الصافات : 51 55 ] .وإن كان السؤال ليس على حقيقته وكان الاستفهام مستعملاً في التنديم ، أو التوبيخ فعموم أصحاب اليمين وعموم المجرمين على حقيقته .وأجاب المجرمون بذكر أسباب الزج بهم في النار لأنهم ما ظنوا إلاّ ظاهر الاستفهام ، فذكروا أربعة أسباب هي أصول الخطايا وهي : أنهم لم يكونوا من أهل الصلاة فحرموا أنفسهم من التقرب إلى الله .وأنهم لم يكونوا من المطعمين المساكين وذلك اعتداء على ضعفاء الناس بمنعهم حقهم في المال .وأنهم كانوا يخوضون خوضهم المعهود الذي لا يعدُو عن تأييد الشرك وأذى الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين .وأنهم كذبوا بالجزاء فلم يتطلبوا ما ينجيهم . وهذا كناية عن عدم إيمانهم ، سلكوا بها طريق الإِطناب المناسبَ لمقام التحسر والتلهف على ما فات ، فكأنهم قالوا : لأنا لم نكن من المؤمنين لأن أهل الإِيمان اشتهروا بأنهم أهل الصلاة ، وبأنهم في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم ، وبأنهم يؤمنون بالآخرة وبيوم الدين ويصدقون الرسل وقد جمعها قوله تعالى في سورة البقرة ( 2 4 ) { هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون }وأصل الخوض الدخول في الماء ، ويستعار كثيراً للمحادثة المتكررة ، وقد اشتهر إطلاقه في القرآن على الجدال واللجاج غير المحمود قال تعالى : { ثم ذرهم في خوضهم يلعبون } [ الأنعام : 91 ] وغيرَ ذلك ، وقد جمع الإِطلاقين قوله تعالى : { وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره } [ الأنعام : 68 ] .وباعتبار مجموع الأسباب الأربعة في جوابهم فضلاً عن معنى الكناية ، لم يكن في الآية ما يدل للقائلين بأن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة .

قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ

📘 قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) ليس لها تفسير فى كتاب التحرير والتنوير

وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ

📘 وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) ليس لها تفسير فى كتاب التحرير والتنوير

وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ

📘 وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) ليس لها تفسير فى كتاب التحرير والتنوير

وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ

📘 وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) ويوم الدين : يوم الجزاء والجزاء .

حَتَّىٰ أَتَانَا الْيَقِينُ

📘 حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ (47) و { اليقين } : اسم مصدر يَقِن كفَرِح ، إذا علم علماً لا شك معه ولا تردد .وإتيانه مستعار لحصوله بعد أن لم يكن حاصلاً ، شبه الحُصول بعد الانتفاء بالمجيء بعد المغيب .والمعنى : حتى حصل لنا العلم بأن ما كنا نكذب به ثابت ، فقوله : { حتى أتانا اليقين } على هذا الوجه غاية لجملة { نكذب بيوم الدين .ويطلق اليقين أيضاً على الموت لأنه معلوم حصوله لكل حيّ فيجوز أن يكون مراداً هنا كما في قوله تعالى : { واعبد رَبّك حتى يأتيك اليقين } [ الحجر : 99 ] . فتكون جملة { حتى أتانا اليقين } غاية للجمل الأربع التي قبلها من قوله : { لم نَكْ من المصلين } إلى { بيوم الدين .والمعنى : كنا نفعل ذلك مدة حياتنا كلها .وفي الأفعال المضارعة في قوله : لم نك ، ونخوض ، ونكذب } إيذان بأن ذلك ديدنهم ومتجدد منهم طول حياتهم .وفي الآية إشارة إلى أن المسلم الذي أضاع إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة مستحق حظّاً من سقر على مقدار إضاعته وعلى ما أراد الله من معادلة حسناته وسيئاته ، وظواهره وسرائره ، وقبل الشفاعة وبعدها .وقد حَرَم الله هؤلاء المجرمين الكافرين أن تنفعهم الشفاعة فعسى أن تنفع الشفاعةُ المؤمنين على أقدارهم .

فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ

📘 فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (48)وفي قوله : { فما تنفعهم شفاعة الشافعين } إيماء إلى ثبوت الشفاعة لغيرهم يوم القيامة على الجملة وتفصيلها في صحاح الأخبار .وفاء { فما تنفعهم شفاعة الشافعين } تفريع على قوله : { كلّ نفس بما كسبت رهينة ، } أي فهم دائمون في الارتهان في سقر .

فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ

📘 فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (49) تفريع للتعجيب من إصرارهم على الإِعراض عن ما فيه تذكرة على قوله : { وما هي إلاّ ذِكْرى للبشر } [ المدثر : 31 ] .وجيء باسم التذكرة الظاهر دون أن يؤتى بضمير نحو : أن يقال : عنها معرضين ، لئلا يختص الإِنكار والتعجيب بإعراضهم عن تذكرة الإِنذار بسقَر ، بل المقصود التعميم لإِعراضهم عن كل تذكرة وأعظمها تذكرة القرآن كما هو المناسب للإِعراض قال تعالى : { إنْ هو إلاّ ذِكْر للعالمين } [ التكوير : 27 ] .و { ما لهم } استفهام مستعمل في التعجيب من غرابة حالهم بحيث تجدر أن يستفْهِم عنها المستفهِمُون وهو مجاز مرسل بعلاقة الملازمة ، و { لهم } خبر عن ( ما ) الاستفهامية . والتقدير : ما ثبت لهم ، و { معرضين } حال من ضمير { لهم } ، أي يستفهم عنهم في هذه الحالة العجيبة .وتركيب : ما لَكَ ونحوهُ ، لا يخلو من حال تلحق بضميره مفردةٍ أو جملة نحو { ما لك لاَ تأمنّا على يوسف } في سورة يوسف ( 11 ) . وقوله تعالى : { فما لهم لا يؤمنون } في سورة الانشقاق ( 20 ) . وقوله : { ما لكم كيف تحكمون } في سورة الصافات ( 154 ) وسورة القلم ( 36 ) . و { عن التذكرة } متعلق ب { معرضين .وشُبهتْ حالة إعراضهم المتخيَّلة بحالة فرار حُمُر نافرة مما ينفرها .

وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ

📘 وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5){ الرجز } : يقال بكسر الراء وضمها وهما لغتان فيه والمعنى واحد عند جمهور أهل اللغة . وقال أبو العالية والربيع والكسائي : الرّجز بالكسر العذاب والنجاسة والمعصية ، وبالضم الوثن . ويحمل الرجز هنا على ما يشمل الأوثان وغيرها من أكل الميتة والدم .وتقديم { الرجز } على فعل ( اهجر ) للاهتمام في مهيع الأمر بتركه .والقول في { والرجز فاهجر } كالقول في { وربّك فكبّر .والهجر : ترك المخالطة وعدم الاقتراب من الشيء . والهجر هنا كناية عن ترك التلبس بالأحوال الخاصة بأنواع الرجز لكل نوع بما يناسبه في عرف الناس .والأمر بهجر الرجز يستلزم أن لا يعبد الأصنام وأن ينفي عنها الإلهية .

كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ

📘 كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (50) والحُمر : جمع حمار ، وهو الحمار الوحشي ، وهو شديد النفار إذا أحس بصوت القانص وهذا من تشبيه المعقول بالمحسوس .وقد كثر وصف النفرة وسرعة السير والهَرب بالوحش من حُمرٍ أو بقرِ وحش إذا أحسسنَ بما يرهبنه كما قال لبيد في تشبيه راحلته في سرعة سيرها بوحشية لحقها الصياد :فتوجَّسَت رِزّ الأنيس فراعَها ... عَنْ ظَهْرِ غَيْببٍ والأنيسُ سَقَامهاوقد كثر ذلك في شعر العرب في الجاهلية والإِسلام كما في معلقة طرفة ، ومعلقة لبيد ، ومعلقة الحارث ، وفي أراجيز الحجَّاج ورؤيَة ابنهِ وفي شعر ذي الرمة .والسين والتاء في مستنفرة } للمبالغة في الوصف مثل : استكمل واستجاب واستعجب واستسخر واستخرج واستنبط ، أي نافرة نفاراً قوياً فهي تعدو بأقصى سرعة العدو .وقرأ نافع وابن عامر وأبو جعفر { مستنفَرة } بفتح الفاء ، أي استنفرها مستنفر ، أي أنفرها ، فهو من استنفره المتعدي بمعنى أنفره . وبناء الفعل للنائب يفيد الإِجمال ثم التفصيل بقوله : { فَرَّت من قَسْوَرة .وقرأها الجمهور بكسر الفاء ، أي استنفرت هي مثل : استجاب ، فيكون جملة فرّت من قسورة } بياناً لسبب نفورها .وفي «تفسير الفخر» عن أبي علي الفارسي قال محمد بن سلام : سألت أبا سوار الغَنَوِي وكان أعرابياً فصيحاً فقلت : كأنهم حُمُر مَاذا فقال : مستنفَرة : بفتح الفاء فقلت له : إنما هو فَرَّت من قسورة . فقال : أفرَّتْ؟ قلت : نعم ، قال : فمستنفِرة إِذَنْ فكسَرَ الفاء .

فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ

📘 فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (51)و { قسورة } قيل هو اسم جمع قسْوَر وهو الرامي ، أو هو جمع على خلاف القياس إذ ليس قياس فَعْلَل أن يجمع على فَعْلَلة . وهذا تأويل جمهور المفسرين عن ابن عباس وعكرمة ومجاهد وغيرهما فيكون التشبيه جارياً على مراعاة الحالة المشهورة في كلام العرب .وقيل : القسورة مُفرد ، وهو الأسد ، وهذا مروي عن أبي هريرة وزيد بن أسلم وقال ابن عباس : إنه الأسد بالحبشية ، فيكون اختلاف قول ابن عباس اختلافاً لفظياً ، وعنه : أنه أنكر أن يكون قَسْور اسمَ الأسد ، فلعله أراد أنه ليس في أصل العربية . وقد عدّه ابن السبكي في الألفاظ الواردة في القرآن بغير لغة العرب في أبيات ذكر فيها ذلك ، قال ابن سيده : القسور الأسد والقسورة كذلك ، أنثوه كما قالوا : أُسامة ، وعلى هذا فهو تشبيه مبتكر لحالة إِعراض مخلوط برُعْب مما تضمنته قوارع القرآن فاجتمع في هذه الجملة تمثيلان .وإيثار لفظ { قسورة } هنا لصلاحيته للتشبيهين مع الرعاية على الفاصلة .

بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَىٰ صُحُفًا مُنَشَّرَةً

📘 بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً (52)إضراب انتقالي لذكر حالة أخرى من أحوال عنادهم إذ قال أبو جهل وعبد الله بن أبي أُمية وغيرهما من كفار قريش للنبيء صلى الله عليه وسلم لا نؤمن لك حتى يأتي إلى كل رجل منا كتاب فيه من الله إلى فلاننٍ بن فلان ، وهذا من أفانين تكذيبهم بالقرآن أنه منزل من الله .وجُمِع ( صُحُف ) إما لأنهم سألوا أن يكون كل أمر أو نهي تأتي الواحدَ منهم في شأنه صحيفةٌ ، وإِمّا لأنهم لما سألوا أن تأتي كل واحد منهم صحيفة باسمه وكانوا جماعة متفقين جمع لذلك فكأنّ الصحف جميعها جاءت لكل امرىء منهم .والمنشَّرة : المفتوحة المقرؤة ، أي لا نكتفي بصحيفة مطوية لا نعلم ما كتب فيها و { منشَّرة } مبالَغَة في مَنْشُورة . والمبالغة واردة على ما يقتضيه فعل ( نَشَر ) المجرد من كون الكتاب مفتوحاً واضحاً من الصحف المتعارفة . وفي حديث الرجم فنشروا التوراة .

كَلَّا ۖ بَلْ لَا يَخَافُونَ الْآخِرَةَ

📘 كَلَّا بَلْ لَا يَخَافُونَ الْآَخِرَةَ (53){ كَلاَّ } إبطال لظاهر كلامهم ومرادِهم منه وردع عن ذلك ، أي لا يكون لهم ذلك .ثم أضرب على كلامهم بإبطال آخر بحرف الإِضراب فقال : { بل لا يخافون الآخرة } أي ليس ما قالوه إلاّ تنصلاً فلو أنزل عليهم كتاب ما آمنوا وهم لا يخافون الآخرة ، أي لا يؤمنون بها فكُني عن عدم الإِيمان بالآخرة بعدم الخوف منها ، لأنهم لو آمنوا بها لخافوها إذ الشأن أن يُخاف عذابها إذ كانت إحالتهم الحياة الآخرة أصلاً لتكذيبهم بالقرآن .

كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ

📘 كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ (54) { كلا } ردع ثان مؤكِّد للردع الذي قبله ، أي لا يُؤتون صحفاً منشورة ولا يُوزَعون إلاّ بالقرآن .وجملة { إنه تذكرة } تعليل للردع عن سؤالهم أنْ تنزل عليهم صحف منشَّرة ، بأن هذا القرآن تذكرة عظيمة ، وهذا كقوله تعالى : { وقالوا لولا أنزل عليه ءايات من ربّه قل إنما الآيات عند الله وإنما أنا نذير مبين أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إنَّ في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون } [ العنكبوت : 50 ، 51 ] . فضمير { إنه } للقرآن ، وهو معلوم من المقام ، ونظائر ذلك كثيرة في القرآن . وتنكير { تذكرة } للتعظيم .

فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ

📘 فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (55) وقوله : { فمن شاء ذكره } تفريع على أنه تذكرة ونظيره قوله تعالى : { إنّ هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربّه سبيلاً } في سورة المزمل ( 19 ) .وهذا تعريض بالترغيب في التذكر ، أي التذكر طوعُ مشيئتكم فإن شئتم فتذكروا .والضمير الظاهر في ذكره } يجوز أن يعود إلى ما عاد إليه ضمير { إِنه } وهو القرآن فيكون على الحذف والإِيصال وأصله : ذَكَر به .ويجوز أن يعود إلى الله تعالى وإن لم يتقدم لاسمه ذكر في هذه الآيات لأنه مستحضَر من المقام على نحو قوله : { إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربّه سبيلاً } [ المزمل : 19 ] .وضمير { شاء } راجع إلى ( مَنْ ) ، أي من أراد أن يتذكر ذَكَر بالقرآن وهو مثل قوله آنفاً { لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر } [ المدثر : 37 ] وقوله في سورة المزمل ( 19 ) { فمن شاء اتخذ إلى ربّه سبيلاً }وهو إنذار للناس بأن التذكر بالقرآن يحصلُ إذا شاؤوا التذكر به . والمشيئة تستدعي التأمل فيما يخلصهم من المؤاخذة على التقصير وهم لا عذر لهم في إهمال ذلك ، وقد تقدم في سورة المزمل .

وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ۚ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَىٰ وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ

📘 وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ (56)وجملة { وما تذْكُرون إلاّ أن يشاء الله } معترضة في آخر الكلام لإِفادة تعلمهم بهذه الحقيقة ، والواو اعتراضية .والمعنى : أن تذكُّر من شَاءوا أن يتذكروا لا يقع إلاّ مشروطاً بمشيئة الله أن يتذكروا ، وقد تكرر هذا في القرآن تكرراً ينبه على أنه حقيقة واقعة كقوله : { وما تشاءون إلاّ أن يشاء الله } [ التكوير : 29 ] وقال هنا { كلا إنه تذكرة فمن شاء ذكره } فعلمنا أن للناس مشيئة هي مناط التكاليف الشرعية والجزاءِ في الدنيا والآخرة وهي المعبر عنها عند أهل التحقيق من المتكلمين بالكسب كما حققه الأشعري ، وعند المعتزلة بالقدرة الحادثة ، وهما عبارتان متقاربتان ، وأن لله تعالى المشيئة العظمى التي لا يمانعها مانع ولا يقسرها قاسر ، فإذا لم يتوجه تعلقها إلى إرادة أحد عباده لم يحصل له مراد .وهذه المشيئة هي المعبر عنها بالتوفيق إذا تعلقت بإقدار العبد على الداعية إلى الطاعة وامتثال الوصايا الربانية ، وبالخِذلان إذا تعلقت بتركه في ضلاله الذي أوْبَقَتْهُ فيه آراؤه الضالة وشهواته الخبيثة الموبقة له في الإِعراض عن شرائع الله ودعوة رسله ، وإذا تعلقت بانتشال العبد من أوْحَال الضلال وبإنارَة سبيل الخير لبصيرته سميت لُطفاً مثل تعلقها بإيمان عُمر بن الخطاب وصلاحه بعد أن كان في عناد ، وهذا تأويل قوله تعالى :{ فمن يُرد الله أن يهديه يشرح صدره للإِسلام ومن يُرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً كأنما يَصَّعَّدُ في السماء } [ الأنعام : 125 ] .هذا حاصل ما يتمخض من الجمع بين أدلة الشريعة المقتضية أن الأمر لله ، والأدلةِ التي اقتضت المؤاخذة على الضلال ، وتأويلُها الأكبرُ في قوله تعالى : { وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كلّ من عند الله فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك } [ النساء : 78 ، 79 ] وَلله في خلقه سرّ جَعل بينهم وبين كنهه حجاباً ، ورَمَزَ إليه بالوعد والوعيد ثواباً وعقاباً .وقرأ نافع ويعقوب { وما تذكُرون } بمثناة فوقية على الالتفات ، وقرأه الجمهور بتحتية على الغيبة ، فالمعنى أنهم يغلب عليهم الاستمرار على عدم الذكرى بهذه التذكرة إلاّ أن يشاء الله التوفيق لهم ويلطف بهم فيخلق انقلاباً في سجيّة من يشاء توفيقه واللطفَ به . وقد شاء الله ذلك فيمن آمنوا قبل نزول هذه الآية ومَن آمنوا بعد نزولها .جملة واقعة موقع التعليل لمضمون جملة { فمن شاء ذكره } تقويةً للتعريض بالترغيب في التذكر والتذكر يفضي إلى التقوى .فالمعنى : فعليكم بالتذكر واتقوا الله تعالى لأن الله هو أهل للتقوى .وتعريف جزأي الجملة في قوله : { هو أهل التقوى } يفيد قصر مستحق اتقاء العِبادِ إياه على الله تعالى وأن غيره لا يستحق أن يُتَّقى . ويتجنب غضبه كما قال : { والله أحق أن تخشاه } [ الأحزاب : 37 ] .فإما أن يكون القصر قصراً إضافياً للرد على المشركين الذين يخشون غضب الأصنام ويطلبون رضاها أو يكون قصراً ادعائياً لتخصيصه تعالى بالتقوى الكاملة الحق وإلاّ فإن بعض التقوَى مأمور بها كتقوى حقوق ذوي الأرحام في قوله تعالى : { واتقوا الله الذي تسَّاءَلون به والأرحامَ } [ النساء : 1 ] وقد يقال : إن ما ورد الأمر به من التقوى في الشريعة راجع إلى تقوى الله ، وهذا من متممات القصر الادعائي .وأهل الشيء : مستحقه .وأصله : أنه ملازم الشيء وخاصته وقرابته وزوجُه ومنه { فأسرِ بأهلك } [ هود : 81 ] .ومعنى { أهل المغفرة } : أن المغفرة من خصائصه وأنه حقيق بأن يَغفر لفرط رحمته وسعة كرمه وإحسامه ومنه بيت «الكشاف» في سورة المؤمنين :أَلا يَا ارْحَمُونِي يَا إله مُحَمَّدفإن لم أكُنْ أهْلاً فأنت له أهلوهذا تعريض بالتحريض للمشركين أن يقلعوا عن كفرهم بأن الله يغفر لهم ما أسلفوه قال تعالى : { قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف } [ الأنفال : 38 ] ، وبالتحريض للعصاة أن يقلعوا عن الذنوب قال تعالى { قل يا عباديَ الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنَطُوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم } [ الزمر : 53 ] .روى الترمذي عن سهيل عن ثابت عن أنس بن مالك «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في هذه الآية : قال الله تعالى : «أنا أهل أن أُتقى فمن اتقاني فلم يجعل معي إلها فأنا أهل أن أغفر له» قال الترمذي : حسن غريب ، وسهيل ليس بالقوي ، وقد انفرد بهذا الحديث عن ثابت .وأعيدت كلمة { أهل } في الجملة المعطوفة دون أن يقال : والمغفرة ، للإِشارة إلى اختلاف المعنى بين أهل الأول وأهل الثاني على طريقة إعادة فعل وأطيعوا في قوله تعالى : { يا أيّها الذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول } [ النساء : 59 ] .

وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ

📘 وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6)مناسبة عطف { ولا تمنن تستكثر } على الأمر بهجر الرجز أن المنّ في العطية كثير من خُلق أهل الشرك فلما أمره الله بهجر الرجز نهاه عن أخلاق أهل الرجز نهياً يقتضي الأمر بالصدقة والإِكثار منها بطريق الكناية فكأنه قال : وتصدق وأُكثر من الصدقة ولا تمنن ، أي لا تعدّ ما أعطيته كثيراً فتمسك عن الازدياد فيه ، أو تتطرق إليك ندامة على ما أعطيت .والسين والتاء في قوله : { تستكثر } للعدّ ، أي بعد ما أعطيته كثيراً .وهذا من بديع التأكيد لحصول المأمور به جعلت الصدقة كالحاصلة ، أي لأنها من خلقه صلى الله عليه وسلم إذ كان أجود الناس وقد عرف بذلك من قبل رسالته لأن الله هيأه لمكارم الأخلاق فقد قالت له خديجة في حديث بدء الوحي «إنك تحمل الكل وتكسب المعدوم» . ففي هذه الآية إيماء إلى التصدق ، كما كان فيها إيماء إلى الصلاة ، ومن عادة القرآن الجمع بين الصلاة والزكاة .والمنّ : تذكير المنعِم المنعَمَ عليه بإنعامه .والاستكثار : عدّ الشيء كثيراً ، أي لا تستعظم ما تعطيه .وهذا النهي يفيد تعميم كل استكثار كيفما كان ما يعطيه من الكثرة . وللأسبقين من المفسرين تفسيرات لمعنى { ولا تمنن تستكثر } ليس شيء منها بمناسب ، وقد أنهاها القرطبي إلى أحد عشر .و { تستكثر } جملة في موضع الحال من ضمير { تمنن } وهي حال مقدرة .

وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ

📘 وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (7)تثبيت للنبيء صلى الله عليه وسلم على تحمل ما يلقاه من أذى المشركين وعلى مشاقّ الدعوة .والصبر : ثبات النفس وتحملها المشاق والآلام ونحوها .ومصدر الصبر وما يشتق منه يتضمن معنى التحمّل للشيء الشاقّ .ويعدّى فعل الصبر إلى اسم الذي يتحمله الصابر بحرف ( على ) ، يقال : صبر على الأذى . ويتضمن معنى الخضوع للشيء الشاق فيعدى إلى اسم ما يتحمله الصابر باللام . ومناسبة المقام ترجح إحدى التعديتين ، فلا يقال : اصبر على الله ، ويقال : اصبر على حكم الله ، أو لحكم الله . فيجوز أن تكون اللام في قوله { لربّك } لتعدية فعل الصبر على تقدير مضاف ، أي اصبر لأمره وتكاليف وحيه كما قال : { واصبر لحكم ربّك فإنك بأعيننا } في سورة الطور ( 48 ) وقوله : { فاصبر لحكم ربّك ولا تطع منهم آثماً أو كفوراً } في سورة الإِنسان ( 24 ) فيناسب نداءه ب { يا أيها المدثر } [ المدثر : 1 ] لأنه تدثر من شدة وقع رؤية المَلك ، وتركُ ذكر المضاف لتذهب النفس إلى كل ما هو من شأن المضاف إليه مما يتعلق بالمخاطب .ويجوز أن تكون اللام للتعليل ، وحذف متعلق فعل الصبر ، أي اصبر لأجل ربّك على كل ما يشق عليك .وتقديم { لربّك } على « ( اصبر ) للاهتمام بالأمور التي يصبر لأجلها مع الرعاية على الفاصلة ، وجَعل بعضهم اللام في { لربّك } لام التعليل ، أي اصبر على أذاهم لأجله ، فيكون في معنى : إنه يصبر توكلاً على أن الله يتولى جزاءهم ، وهذا مبني على أن سبب نزول السورة ما لحق النبي صلى الله عليه وسلم من أذى المشركين .والصبر تقدم عند قوله تعالى : { واستعينوا بالصبر والصلاة في } [ البقرة : 45 ] .وفي التعبير عن الله بوصف ( ربّك ) إيماء إلى أن هذا الصبر برّ بالمولى وطاعة له .فهذه ست وصايا أوصى الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم في مبدإ رسالته وهي من جوامع القرآن أراد الله بها تزكية رسوله وجعلها قدوة لأمته .

فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ

📘 فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (8) الفاء لتسبب هذا الوعيد عن الأمر بالإِنذار في قوله { فأنذر } [ المدثر : 2 ] ، أي فأنذر المنذَرين وأنذرهم وقتَ النقر في الناقور وما يقع يومئذٍ بالذين أُنذروا فأعرضوا عن التذكرة ، إذ الفاء يجب أن تكون مرتبطة بالكلام الذي قبلها .ويجوز أن يكون معطوفاً على { فاصبر } [ المدثر : 7 ] بناء على أنه أمر بالصبر على أذى المشركين .و { الناقور } : البوق الذي ينادى به الجيش ويسمى الصُّور وهو قرن كبير ، أو شبهُه ينفخ فيه النافخ لنداء ناس يجتمعون إليه من جيش ونحوه ، قال خُفاف بن نَدْبَةَ :إذا نَاقورُهم يوماً تَبَدَّى ... أجاب الناسُ من غرب وشَرقووزنه فاعول وهو زنة لما يقع به الفعل من النقْر وهو صوت اللسان مثل الصفير فقوله نُقر ، أي صُوِّت ، أي صوَّت مُصَوِّتٌ . وتقدم ذكر الصور في سورة الحاقة .

فَذَٰلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ

📘 فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (9) و ( إذا ) اسم زمان أضيف إلى جملة { نقر في الناقور } وهو ظرف وعامله ما دل عليه قوله : { فَذلك يومئذٍ يوم عسير } لأنه في قوة فِعْل ، أي عَسُر الأمرُ على الكافرين .وفاء { فذلك } لجزاء ( إذا ) لأن ( إذا ) يتضمن معنى شرط .والإِشارة إلى مدلول ( إذا نُقر ) ، أي فذلك الوقت يوم عسير .و { يومئذٍ } بدل من اسم الإِشارة وقع لبيان اسم الإشارة على نحو ما يبين بالاسم المعرف ب«أل» في نحو { ذلك الكتابُ لا ريب فيه } [ البقرة : 2 ] .ووصف اليوم بالعسير باعتبار ما يحصل فيه من العسر على الحاضرين فيه ، فهو وصف مجازي عقلي . وإنما العسير ما يقع فيه من الأحداث .