🕋 تفسير سورة المرسلات
(Al-Mursalat) • المصدر: AR-TAFSIR-AL-BAGHAWI
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا
📘 ( والمرسلات عرفا ) يعني الرياح أرسلت متتابعة كعرف الفرس . وقيل : عرفا أي كثيرا . تقول العرب : الناس إلى فلان عرف واحد ، إذا توجهوا إليه فأكثروا ، هذا [ معنى ] قول مجاهد وقتادة . وقال مقاتل : يعني الملائكة التي أرسلت بالمعروف من أمر الله ونهيه ، وهي رواية مسروق عن ابن مسعود .
وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ
📘 "وإذا الجبال نسفت"، قلعت من أماكنها.
وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ
📘 ( وإذا الرسل أقتت ) قرأ أهل البصرة " وقتت " بالواو ، وقرأ أبو جعفر بالواو وتخفيف القاف ، وقرأ الآخرون بالألف وتشديد القاف ، وهما لغتان . والعرب تعاقب بين الواو والهمزة كقولهم : وكدت وأكدت ، وورخت وأرخت ، ومعناهما : جمعت لميقات يوم معلوم ، وهو يوم القيامة ليشهدوا على الأمم
لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ
📘 "لأي يوم أجلت"، أي أخرجت، وضرب الأجل لجمعهم فعجب العباد من ذلك اليوم.
لِيَوْمِ الْفَصْلِ
📘 ثم بين فقال: "ليوم الفصل"، قال ابن عباس رضي الله عنهما: يوم يفصل الرحمن عز وجل بين الخلائق.
وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ
📘 "وما أدراك ما يوم الفصل".
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ
📘 "ويل يومئذ للمكذبين".
أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ
📘 "ألم نهلك الأولين"، يعني الأمم الماضية بالعذاب في الدنيا حين كذبوا رسلهم.
ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ
📘 "ثم نتبعهم الآخرين"، السالكين سبلهم في الكفر والتكذيب يعني كفار مكة بتكذيبهم محمداً صلى الله عليه وسلم.
كَذَٰلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ
📘 "كذلك نفعل بالمجرمين".
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ
📘 "ويل يومئذ للمكذبين".
فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا
📘 "فالعاصفات عصفاً"، يعني الرياح الشديدة الهبوب.
أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ
📘 "ألم نخلقكم من ماء مهين"، يعني النطفة.
فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ
📘 "فجعلناه في قرار مكين"، يعني الرحم.
إِلَىٰ قَدَرٍ مَعْلُومٍ
📘 "إلى قدر معلوم"، وهو وقت الولادة.
فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ
📘 "فقدرنا"، قرأ أهل المدينة والكسائي: "فقدرنا" بالتشديد من التقدير، وقرأ الآخرون بالتخفيف من القدرة، لقوله: "فنعم القادرون"، وقيل: معناهما واحد، وقوله: "فنعم القادرون" أي المقدرون.
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ
📘 "ويل يومئذ للمكذبين".
أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا
📘 "ألم نجعل الأرض كفاتاً"، وعاءً، ومعنى الكفت: الضم والجمع، يقال: كفت الشيء: إذا ضمه وجمعه. وقال الفراء: يريد تكفتهم أحياء على ظهرها في دورهم ومنازلهم، وتكفتهم أمواتاً في بطنها، أي: تحوزهم.
أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا
📘 وهو قوله: "أحياءً وأمواتاً".
وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا
📘 "وجعلنا فيها رواسي"، جبالاً "شامخات"، عاليات، "وأسقيناكم ماءً فراتاً"، عذباً.
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ
📘 "ويل يومئذ للمكذبين"، قال مقاتل: وهذا كله أعجب من البعث.
انْطَلِقُوا إِلَىٰ مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ
📘 ثم أخبر أنه يقال لهم يوم القيامة: "انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون"، في الدنيا.
وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا
📘 "والناشرات نشراً"، يعني الرياح اللينة. وقال الحسن: هي الرياح التي يرسلها الله بشراً بين يدي رحمته. وقيل: هي الرياح التي تنشر السحاب وتأتي بالمطر. وقال مقاتل:هم الملائكة ينشرون الكتب.
انْطَلِقُوا إِلَىٰ ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ
📘 ( انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب ) يعني دخان جهنم إذا ارتفع انشعب وافترق ثلاث فرق . وقيل : يخرج عنق من النار فيتشعب ثلاث شعب ، أما النور فيقف على رءوس المؤمنين ، والدخان يقف على رءوس المنافقين ، واللهب الصافي يقف على رءوس الكافرين .
لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ
📘 ثم وصف ذلك الظل فقال - عز وجل - ( لا ظليل ) لا يظل من الحر ( ولا يغني من اللهب ) قال الكلبي : لا يرد لهب جهنم عنكم ، والمعنى أنهم [ إذا ] استظلوا بذلك الظل لم يدفع عنهم حر اللهب .
إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ
📘 ( إنها ) يعني جهنم ( ترمي بشرر ) وهو ما تطاير من النار ، واحدها شررة ( كالقصر ) وهو البناء العظيم ، قال ابن مسعود : يعني الحصون .وقال عبد الرحمن بن عياش سألت ابن عباس عن قوله تعالى : " إنها ترمي بشرر كالقصر " قال : هي الخشب العظام المقطعة ، وكنا نعمد إلى الخشب فنقطعها ثلاثة أذرع وفوق ذلك ودونه ندخرها للشتاء ، فكنا نسميها القصر .وقال سعيد بن جبير ، والضحاك : هي أصول النخل والشجر العظام ، واحدتها قصرة ، مثل تمرة وتمر ، وجمرة وجمر .وقرأ علي وابن عباس " كالقصر " بفتح الصاد ، أي أعناق النخل ، والقصرة العنق ، وجمعها قصر وقصرات .
كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ
📘 ( كأنه ) رد الكناية إلى اللفظ ( جمالة ) قرأ حمزة والكسائي وحفص : " جمالة " على جمع الجمل ، مثل حجر وحجارة ، وقرأ يعقوب بضم الجيم بلا ألف ، أراد : الأشياء العظام المجموعة ، وقرأ الآخرون : " جمالات " بالألف وكسر الجيم على جمع الجمال ، وقال ابن عباس رضي الله عنهما وسعيد بن جبير : هي حبال السفن يجمع بعضها إلى بعض ، حتى تكون كأوساط الرجال ، ( صفر ) جمع الأصفر ، يعني لون النار ، وقيل : " الصفر " معناه : السود ؛ لأنه جاء في الحديث : " إن شرر نار جهنم أسود كالقير " . والعرب تسمى سود الإبل صفرا ؛ لأنه يشوب سوادها شيء من صفرة كما يقال لبيض الظباء : أدم ؛ لأن بياضها يعلوه كدرة .
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ
📘 "ويل يومئذ للمكذبين".
هَٰذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ
📘 "هذا يوم لا ينطقون"، وفي القيامة مواقف، ففي بعضها يختصمون ويتكلمون، وفي بعضها يختم على أفواههم فلا ينطقون.
وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ
📘 "ولا يؤذن لهم فيعتذرون"، رفع عطف على قوله: "يؤذن"، قال الجنيد: أي لا عذر لمن أعرض عن منعمه وكفر بأياديه ونعمه.
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ
📘 "ويل يومئذ للمكذبين".
هَٰذَا يَوْمُ الْفَصْلِ ۖ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ
📘 "هذا يوم الفصل"، بين أهل الجنة والنار، "جمعناكم والأولين"، يعني مكذبي هذه الأمة والأولين الذين كذبوا أنبياءهم.
فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ
📘 "فإن كان لكم كيد فكيدون"، قال مقاتل: إن كانت لكم حيلة فاحتالوا لأنفسكم.
فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا
📘 "فالفارقات فرقاً"، قال ابن عباس، ومجاهد، والضحاك: يعني الملائكة تأتي بما يفرق بين الحق والباطل. وقال قتادة والحسن: هي آي القرآن تفرق بين الحلال والحرام. وروي عن مجاهد قال: هي الرياح تفرق السحاب وتبدده.
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ
📘 "ويل يومئذ للمكذبين".
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ
📘 "إن المتقين في ظلال"، جمع ظل أي في ظلال الشجر، "وعيون"، الماء.
وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ
📘 "وفواكه مما يشتهون".
كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ
📘 ويقال لهم: "كلوا واشربوا هنيئاً بما كنتم تعملون"، في الدنيا بطاعتي.
إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ
📘 "إنا كذلك نجزي المحسنين".
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ
📘 "ويل يومئذ للمكذبين".
كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ
📘 ثم قال لكفار مكة: "كلوا وتمتعوا قليلاً"، في الدنيا، "إنكم مجرمون"، مشركون بالله عز وجل مستحقون للعذاب.
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ
📘 "ويل يومئذ للمكذبين".
وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ
📘 "وإذا قيل لهم اركعوا" صلوا، "لا يركعون"، لا يصلون، وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: إنما يقال لهم هذا يوم القيامة حين يدعون إلى السجود فلا يستطيعون.
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ
📘 "ويل يومئذ للمكذبين".
فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا
📘 "فالملقيات ذكراً"، يعني الملائكة تلقي الذكر إلى الأنبياء، نظيرها: "يلقي الروح من أمره" (غافر- 15).
فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ
📘 "فبأي حديث بعده" بعد القرآن، "يؤمنون"، إذا لم يؤمنوا به.
عُذْرًا أَوْ نُذْرًا
📘 ( عذرا أو نذرا ) أي للإعذار والإنذار . وقرأ الحسن " عذرا " بضم الذال . واختلف فيه عن أبي بكر عن عاصم ، وقراءة العامة بسكونها ، وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وحفص " [ عذرا أو ] نذرا " ساكنة الذال فيهما ، وقرأ الباقون بضمها ، ومن سكن قال : لأنهما في موضع مصدرين بمعنى الإنذار والإعذار ، وليسا بجمع فينقلا [ وقال ابن كثير ونافع ، وابن عامر ، وأبو بكر عن عاصم ويعقوب برواية رويس بن حسان : " عذرا " سكون الذال و " نذرا " بضم الذال ، وقرأ روح بالضم في العذر والنذر جميعا ، وهي قراءة الحسن . والوجه فيهما أن العذر والنذر بضمتين كالأذن والعنق هو الأصل ، ويجوز التخفيف فيهما كما يجوز التخفيف في العنق والأذن ، يقال : عذر ونذر ، وعذر ونذر ، كما يقال : عنق وعنق ، وأذن وأذن ، والعذر والنذر مصدران بمعنى الإعذار والإنذار كالنكير والعذير والنذير ، ويجوز أن يكونا جمعين لعذير ونذير ، ويجوز أن يكون العذر جمع عاذر ، كشارف وشرف ، والمعنى في التحريك والتسكين واحد على ما بينا .
إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ
📘 إلى هاهنا أقسام ] ذكرها على قوله : ( إن ما توعدون ) ( إن ما توعدون ) من أمر الساعة والبعث ( لواقع ) [ لكائن ] ثم ذكر متى يقع .
فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ
📘 فقال "فإذا النجوم طمست"، محي نورها.
وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ
📘 "وإذا السماء فرجت"، شقت.