🕋 تفسير سورة البينة
(Al-Bayyina) • المصدر: AR-TAFSIR-AL-BAGHAWI
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ
📘 مكية( لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب ) وهم اليهود والنصارى ، ( والمشركين ) وهم عبدة الأوثان ، ( منفكين ) [ منتهين عن كفرهم وشركهم ، وقال أهل اللغة ] : زائلين منفصلين ، يقال : فككت الشيء فانفك ، أي : انفصل ، ( حتى تأتيهم البينة ) لفظه مستقبل ومعناه الماضي ، أي : حتى أتتهم البينة ، الحجة الواضحة ، يعني : محمدا - صلى الله عليه وسلم - ، أتاهم بالقرآن فبين لهم [ ضلالاتهم ] وجهالتهم ودعاهم إلى الإيمان . فهذه الآية فيمن آمن من الفريقين ، أخبر أنهم لم ينتهوا عن الكفر حتى أتاهم الرسول فدعاهم إلى الإيمان فآمنوا فأنقذهم الله من الجهل والضلالة
رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً
📘 ثم فسر البينة فقال : ( رسول من الله يتلو ) يقرأ ( صحفا ) كتبا ، يريد ما يتضمنه الصحف من المكتوب فيها ، وهو القرآن ; لأنه كان يتلو عن ظهر قلبه لا عن [ الكتاب ] ، قوله : ( مطهرة ) من الباطل والكذب والزور .
فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ
📘 "فيها"، أي في الصحف، "كتب"، يعني الآيات والأحكام المكتوبة فيها، "قيمة"، عادلة مستقيمة غير ذات عوج.
وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ
📘 ( وما تفرق الذين أوتوا الكتاب ) في أمر محمد - صلى الله عليه وسلم - ، ( إلا من بعد ما جاءتهم البينة ) أي البيان في كتبهم أنه نبي مرسل .قال المفسرون : لم يزل أهل الكتاب مجتمعين في تصديق محمد - صلى الله عليه وسلم - حتى بعثه الله ، فلما بعث تفرقوا في أمره واختلفوا ، فآمن به بعضهم ، وكفر آخرون .وقال بعض أئمة اللغة : معنى قوله " منفكين " : هالكين ، من قولهم : انفك [ صلا ] المرأة عند الولادة ، وهو أن ينفصل فلا يلتئم فتهلك .ومعنى الآية : لم يكونوا هالكين معذبين إلا من بعد قيام الحجة عليهم بإرسال الرسول وإنزال الكتاب ، والأول أصح .
وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ
📘 ثم ذكر ما أمروا به في كتبهم فقال : ( وما أمروا ) يعني هؤلاء الكفار ، ( إلا ليعبدوا الله ) يعني إلا أن يعبدوا الله ، ( مخلصين له الدين ) قال ابن عباس : ما أمروا في التوراة والإنجيل إلا [ بالإخلاص في ] العبادة لله موحدين ، ( حنفاء ) مائلين عن الأديان كلها إلى دين الإسلام ، ( ويقيموا الصلاة ) المكتوبة في أوقاتها ، ( ويؤتوا الزكاة ) عند محلها ، ( وذلك ) الذي أمروا به ، ( دين القيمة ) أي الملة والشريعة المستقيمة . أضاف الدين إلى القيمة وهي نعته ، لاختلاف اللفظين ، وأنث " القيمة " ردا بها إلى الملة .وقيل : الهاء فيه للمبالغة ، وقيل : " القيمة " هي الكتب التي جرى ذكرها ، أي وذلك دين الكتب القيمة فيما تدعو إليه وتأمر به ، كما قال : وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه ( البقرة 213 ) .قال النضر بن شميل : سألت الخليل بن أحمد عن قوله : " وذلك دين القيمة " ؟ فقال : " القيمة " : جمع القيم ، والقيم والقائم واحد ، ومجاز الآية : وذلك دين القائمين لله بالتوحيد .
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ أُولَٰئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ
📘 ثم ذكر ما للفريقين فقال : ( إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية ) قرأ نافع وابن عامر " البريئة " بالهمزة في الحرفين لأنه من قولهم : برأ الله الخلق وقرأ الآخرون مشددا بغير همز كالذرية ترك همزها في الاستعمال .
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ
📘 "إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية".
جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۖ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ
📘 ( جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه ) وتناهى عن المعاصي .وقيل : الرضا ينقسم إلى قسمين : رضا به ورضا عنه ، فالرضا به : ربا ومدبرا ، والرضا عنه : فيما يقضي ويقدر .قال السدي رحمه الله : إذا كنت لا ترضى عن الله فكيف تسأله الرضا عنك ؟أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا محمد بن بشار حدثنا غندر حدثنا شعبة قال : سمعت قتادة عن أنس بن مالك قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي : " إن الله تعالى أمرني أن أقرأ عليك : " لم يكن الذين كفروا " قال : وسماني ؟ قال : " نعم " فبكى .وقال همام عن قتادة : " أمرني أن أقرأ عليك القرآن " .