An-Nahl • AR-TAFSIR-AL-TABARI
﴿ إِن تَحْرِصْ عَلَىٰ هُدَىٰهُمْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهْدِى مَن يُضِلُّ ۖ وَمَا لَهُم مِّن نَّٰصِرِينَ ﴾
“[As for those who are bent on denying the truth-] though thou be ever so eager to show them the right way, [know that,] verily, God does not bestow His guidance upon any whom He judges to have gone astray; and such shall have none to succour them [on Resurrection Day].”
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: إن تحرص يا محمد على هدى هؤلاء المشركين إلى الإيمان بالله واتباع الحق ( فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ )واختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامَّة قرّاء الكوفيين (فإنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يَضِلُّ ) بفتح الياء من يهدي، وضمها من يضلّ ، وقد اختلف في معنى ذلك قارِئوه كذلك، فكان بعض نحويي الكوفة يزعم أن معناه: فإن الله من أضله لا يهتدي، وقال: العرب تقول: قد هدى الرجل: يريدون قد اهتدى، وهدى واهتدى بمعنى واحد ، وكان آخرون منهم يزعمون أن معناه: فإن الله لا يهدي من أضله، بمعنى: أن من أضله الله فإن الله لا يهديه. وقرأ ذلك عامَّة قرّاء المدينة والشام والبصرة (فإنَّ اللَّهَ لا يُهْدَى) بضم الياء من يُهدى ومن يضل ، وفتح الدال من يُهدَى بمعنى: من أضله الله فلا هادي له.وهذه القراءة أولى القراءتين عندي بالصواب، لأن يهدي بمعنى يهتدي قليل في كلام العرب غير مستفيض، وأنه لا فائدة في قول قائل: من أضله الله فلا يهديه، لأن ذلك مما لا يجهله أحد ، وإذ كان ذلك كذلك، فالقراءة بما كان مستفيضا في كلام العرب من اللغة بما فيه الفائدة العظيمة أولى وأحرى.فتأويل الكلام لو كان الأمر على ما وصفنا: إن تحرص يا محمد على هداهم، فإن من أضله الله فلا هادي له ، فلا تجهد نفسك في أمره ، وبلغه ما أرسلت به لتتم عليه الحجة ( وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ ) يقول: وما لهم من ناصر ينصرهم من الله إذا أراد عقوبتهم، فيحول بين الله وبين ما أراد من عقوبتهم.وفي قوله ( إِنْ تَحْرِصْ ) لغتان: فمن العرب من يقول: حرَص، يحرَص بفتح الراء في فعَل وكسرها في يفعل ، وحرِص يحرَص بكسر الراء في فعِل وفتحها في يفعَل ، والقراءة على الفتح في الماضي ، والكسر في المستقبل، وهي لغة أهل الحجاز.