Muhammad • AR-TAFSIR-AL-TABARI
﴿ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا ٱلسَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةًۭ ۖ فَقَدْ جَآءَ أَشْرَاطُهَا ۚ فَأَنَّىٰ لَهُمْ إِذَا جَآءَتْهُمْ ذِكْرَىٰهُمْ ﴾
“Are, then, they [whose hearts are sealed] waiting for the Last Hour - [waiting] that it come upon them of a sudden? But it has already been foretold! And what will their remembrance [of their past sins] avail them, once it has come upon them?”
وقوله ( فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا ) يقول تعالى ذكره: فهل ينظر هؤلاء المكذّبون بآيات الله من أهل الكفر والنفاق إلا الساعة التي وعد الله خلقه بعثهم فيها من قبورهم أحياء, أن تجيئهم فجأة لا يشعرون بمجيئها. والمعنى: هل ينظرون إلا الساعة, هل ينظرون إلا أن تأتيهم بغتة. و ( أَنْ ) من قوله ( إِلا أَنْ ) في موضع نصب بالردّ على الساعة, وعلى فتح الألف من ( أَنْ تَأْتِيَهُمُ ) ونصب ( تأتيهم ) بها قراءة أهل الكوفة.وقد حُدثت عن الفرّاء, قال: حدثني أبو جعفر الرُّؤاسيّ, قال: قلت لأبي عمرو بن العلاء: ما هذه الفاء التي في قوله ( فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا ) قال: جواب الجزاء, قال: قلت: إنها إن تأتيهم, قال: فقال: معاذ الله, إنما هي " إنْ تَأْتِهِمْ "; قال الفرّاء: فظننت أنه أخذها عن أهل مكة, لأنه قرأ, قال الفرّاء: وهي أيضا في بعض مصاحف الكوفيين بسنة واحدة " تَأْتِهِمْ" ولم يقرأ بها أحد منهم.وتأويل الكلام على قراءة من قرأ ذلك بكسر ألف " إن " وجزم " تأتهم " فهل ينظرون إلا الساعة؟ فيجعل الخبر عن انتظار هؤلاء الكفار الساعة متناهيا عند قوله ( إِلا السَّاعَةَ ) , ثم يُبْتدأ الكلام فيقال: إن تأتهم الساعة بغتة فقد جاء أشراطها, فتكون الفاء من قوله ( فَقَدْ جَاءَ ) بجواب الجزاء.وقوله ( فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا ) يقول: فقد جاء هؤلاء الكافرين بالله الساعة وأدلتها ومقدماتها, وواحد الأشراط: شرط, كما قال جرير:تَـرَى شَـرَطَ المِعْـزَى مُهورَ نِسائِهموفـي شُـرَطِ المِعْـزَى لهُـنَّ مُهُـورُ (2)ويُروَى: " ترى قَزَم المِعْزَى ", يقال منه: أشرط فلان نفسه: إذا علمها بعلامة, كما قال أوس بن حجر:فأَشْـرَطَ فيهـا نَفْسَـهُ وَهْـوَ مُعْصِـمٌوألْقَــى بأسْــبابٍ لَــهُ وَتَــوَكَّلا (3)وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس ( فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا ) يعني: أشراط الساعة.حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله ( فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً ) قد دنت الساعة ودنا من الله فراغ العباد.حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله ( فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا ) قال: أشراطها: آياتها.وقوله ( فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ ) يقول تعالى ذكره: فمن أيّ وجه لهؤلاء المكذّبين بآيات الله ذكرى ما قد ضيَّعوا وفرّطوا فيه من طاعة الله إذا جاءتهم الساعة, يقول: ليس ذلك بوقت ينفعهم التذكر والندم, لأنه وقت مجازاة لا وقت استعتاب ولا استعمال.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله ( فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ ) يقول: إذا جاءتهم الساعة أنى لهم أن يتذكروا ويعرفوا ويعقلوا؟.حدثنا محمد بن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة ( فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ ) قال: أنى لهم أن يتذكروا أو يتوبوا إذا جاءتهم الساعة.حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله ( فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ ) قال: الساعة, لا ينفعهم عند الساعة ذكراهم, والذكرى في موضع رفع بقوله ( فَأَنَّى لَهُمْ ) لأن تأويل الكلام: فأنى لهم ذكراهم إذا جاءتهم الساعة.------------------------الهوامش:(2) البيت لجرير بن الخطفي الشاعر الإسلامي ( ديوانه 226 ) وفي روايته : " وفي قزم المعزي لهن مهور " . وهو من شواهد أبي عبيدة في مجاز القرآن ( الورقة 223 ) قال عند قوله تعالى : " فقد جاء أشراطها " : أعلامها . وإنما سمي الشرط فيما نرى ، أنهم أعلموا أنفسهم . وأشراط المال صغار الغنم وشراره . وقال جرير : " ترى شرط ... البيت " . وفي ( اللسان : شرط) : والشرط ( بالتحريك ) : رذال الواحد والجمع والمذكر والمؤنث في ذلك سواء . قال جرير :تسـاق مـن المعـزى مهـور نسائهمومـن شـرط المعـزى لهـن مهـوروشرط الناس : خشارتهم+ .(3) البيت لأوس بن حجر ( اللسان : شرط ) قال : الأصمعي : أشراط الساعة علاماتها . قال : ومنه الاشتراط الذي يشترط الناس بعضهم على بعض ، أي هي علامات يجعلونها بينهم . ولهذا سميت الشرط ، لأنهم جعلوا لأنفسهم علامة يعرفون بها . وحكى الخطابي عن بعض أهل اللغة أنه أنكر هذا التفسير وقال : أشراط الساعة : ما تنكره الناس من صغار أمورها ، قبل أن تقوم الساعة . وشرط السلطان : نخبة أصحابه الذين يقدمهم على غيرهم من جنده . وقول أوس بن حجر " فأشرط فيها ... البيت " أي جعل نفسه علمًا لهذا الأمر.