Yunus • AR-TAFSIR-AL-WASIT
﴿ وَلَا يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ ۘ إِنَّ ٱلْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا ۚ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ ﴾
“And be not grieved by the sayings of those [who deny the truth]. Behold, all might and glory belong to God alone: He alone is all-hearing, all-knowing.”
وبعد أن بين - سبحانه - ما عليه أولياؤه من سعادة دنيوية وأخروية ، أتبع ذلك بتسلية الرسول - صلى الله عليه وسلم - عما لقيه من أعدائه من أذى فقال : ( وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ العزة للَّهِ جَمِيعاً هُوَ السميع العليم ) .أى : ولا يحزنك يا محمد ما قاله أعداؤك فى شأنك ، من أنك ساحر أو مجنون ، لأن قولهم هذا إنما هو من باب حسدهم لك ، وجحودهم لدعوتك .والنهي عن الحزن - وهو أمر نفسي لا اختيار للإِنسان فيه - المراد به هنا النهي عن لوازمه ، كالإِكثار من محاولة تجديد شأن المصائب ، وتعظيم أمرها ، وبذلك تتجدد الآلام ، ويصعب نسيانها .وفي هذه الجملة الكريمة تسلية له - صلى الله عليه وسلم - وتأنيس لقلبه ، وإرشاد له إلى ما سيقع له من أعدائه من شرور ، حتى لا يتأثر بها عند وقوعها .وقوله : ( إِنَّ العزة للَّهِ جَمِيعاً هُوَ السميع العليم ) تعليل للنهي على طريقة الاستئناف ، فكأنه - صلى الله عليه وسلم - قد قال : وما لي لا أحزن وهم قد كذبوا دعوتي؟ فكان الجواب : إن الغلبة كلها ، والقوة كلها لله وحده لا لغيره ، فهو - سبحانه - القدير على أن يغلبهم ويقهرهم ويعصمك منهم ، وهو ( السميع ) ، لأقوالهم الباطلة ، ( العليم ) بأفعالهم القبيحة ، وسيعاقبهم على ذلك يوم القيامة عقاباً أليماً .ولا تعارض بين قوله - سبحانه - ( إِنَّ العزة للَّهِ جَمِيعاً ) وبين قوله فى آية أخرى ( وَلِلَّهِ العزة وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ) لأن كل عزة لغيره - سبحانه - فهي مستمدة من عزته ، وكل قوة من تأييده وعونه ، والرسول - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنون ، إنما صاروا أعزاء بفضل ركونهم إلى عزة الله - تعالى - وإلى الاعتماد عليه ، وقد أظهرها - سبحانه - على أيديهم تكريماً لهم .ولذا قال القرطبي - رحمه الله - قوله : ( إِنَّ العزة للَّهِ جَمِيعاً ) أى : القوة الكاملة ، والغلبة الشاملة ، والقدرة التامة لله وحده ، فهو ناصرك ومعينك ومانعك . و ( جميعاً ) نصب على الحال ، ولا يعارض هذا قوله :( وَلِلَّهِ العزة وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ) فإن كل عزة بالله فهي كلها لله ، قال - سبحانه - ( سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العزة عَمَّا يَصِفُونَ ).