🕋 تفسير سورة العاديات
(Al-Adiyat) • المصدر: AR-TAFSIR-AL-WASIT
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا
📘 العاديات : جمع عادية ، اسم فاعل من العدو ، وهو المشى السريع ، وأصل الياء فى العاديات واو ، فلما وقعت متطرفة بعد كسرة قلبت ياء ، مثل الغازيات من الغزو .والضَّبْح : اضطراب النَّفَسِ المتردد فى الحنجرة دون أن يخرج من الفم ، والمراد به هنا : صوت أنفاس الخيل عند جريها بسرعة . وقيل : الضج نوع من السير والعدو ، يقال : ضَبَحَتْ الخيل ، إذا عدَتْ بشدة . وهو مصدر منصوب بفعله المقدر ، أى : يضبحن ضحبا ، والجملة حال من " العاديات " .
وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ
📘 ( وَحُصِّلَ مَا فِي الصدور ) أى : وجمع ما فى القلوب من خير وشر وأظهر ما كانت تخفيه ، وأبرز ما كان مستورا فيها ، بحيث لا يبقى لها سبيل إلى الإِخفاء أو الكتمان .وأصل التحصيل : إخراج اللب من القشر ، والمراد به هنا : إظهار وإبراز ما كانت تخفيه الصدور ، والمجازاة على ذلك . ومفعول ( يعلم ) محذوف ، لتذهب النفس فيه كل مذهب ويجول الفكر فى استحضاره وتقديره .
إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ
📘 وقوله - تعالى - : ( إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ ) جملة مستأنفة لزيادة التهديد ووالوعيد .أى : إن رب المبعوثين للحساب والجزاء ، ليعلم علما تاما ً بأحوالهم الظاهرة والباطنة ، فى ذلك اليوم الهائل الشديد الذى يبعث فيه الناس من قبورهم ، وسيجازى - سبحانه - الذين أساؤوا بما عملوا ، وسيجازى الذين أحسنوا بالحسنى .نسأل الله - تعالى - أن يجعلنا من أهل طاعته ومثوبته .وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا
📘 والموريات : جمع مُورِيَة ، اسم فاعل من الإِيراء ، وهو إخراج النار ، تقول : أَوْرَى فلان ، إذا أخرج النار بزند ونحوه .والقَدْح : ضَرْب شىءٍ لكى يخرج من بينهما شرر النار .والمراد به هنا : النار التى تخرج من أثر احتكاك حوافر الخيل بالحجارة خلال عدوها بسرعة .
فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا
📘 و ( المغيرات) جمع مغيرة . وفعله أغار ، تقول : أغار فلان على فلان ، إذا باغته بفعل يؤذيه . و ( صبحا ) منصوب على الظرفية .
فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا
📘 وقوله : ( فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً ) أى : هيجن وأثرن " النقع " أى : الغبار من شدة الجرى . تقول : أثرت الغبار أثيره ، إذا هيجته وحركته . والنون فى " أثرن " ضمير العاديات .
فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا
📘 وقوله : ( فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً ) أى : فتوسطن فى ذلك الوقت جمعو الأعداء ، ففرقنها ، ومزقنها ، تقول : وسَطْتُ القومَ أسِطُهم وَسْطاً ، إذا صرت فى وسطهم .والمراد بالعاديات ، والموريات ، والمغيرات : خيل المجاهدين فى سبيل الله ، والكلام على حذف الموصوف . والمعنى : وحق الخيل التى يعتلى صهواتها المجاهدون من أجل إعلاء كلمة الله - تعالى - . والتى تجرى بهم فى ساحات القتال ، فيسمع صوت أنفاسها ، والتى تظهر شرر النار من أثر ضك حوافرها بالحجارة وما يشبهها والتى تغير على العدو فى وقت الصباح ، فتثير الغبار ، وتمزق جمعو الأعداء .وحق هذه الخيل الموصوفة بتلك الصفات . . ( إِنَّ الإنسان لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ ) .وقد أقسم - سبحانه - بالخيل المستعملة للجهاد فى سبيله ، للتنبيه على فضلها ، وفضل ربطها ، ولما فيها من المنافع الدينية والدنيوية ، ولما يترتب على استعمالها فى تلك الأغراض من أجر وغنيمة ، ومن ترويع لجموع المشركين ، وتمزيق لصفوفهم .وأسند - سبحانه - الإِغارة إليها - مع أنها فى الحقيقة لراكبيها - ، لأن الخيول هى عدة الإِغارة ، وهى على رأس الوسائل لبلوغ النصر على الأعداء .وقيل : المراد بالعاديات : الإِبل ، إلا أن الأوصاف فى الآيات الكريمة من الضج والإِغارة . . تؤيد أن المراد بها الخيل .قال صاحب الكشاف : أقسم - سبحانه - بخيل الغزاة تعدو فتضبح . والضبح : صوت أنفاسها إذا عدون .فإن قلت : علام عطف " فأثرن "؟ قلت : على الفعل الذى وضع اسم الفاعل موضعه ، وهو قوله ( فالمغيرات صُبْحاً ) وذلك لصحة عطف الفعل على الاسم الذى يشبه الفعل كاسم الفاعل - لأن المعنى : واللائى عدون ، فأورين ، فأغرن .فأثرن الغبار .والتعبير بالفاء فى قوله - تعالى - : ( فَأَثَرْنَ ) ( فَوَسَطْنَ ) . وبالفعل الماضى ، للإِشارة إلى أن إثارة الغبار ، وتمزيق صفوف الأعداء ، قد تحقق بسرعة ، وأن الظفر بالمطلوب قد تم على أحسن الوجوه .
إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ
📘 وقوله - سبحانه - : ( إِنَّ الإنسان لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ ) جواب القسم . والكنود : الجحود ، يقال : فلان كند النعمة - من باب دخل - ، إذا جحدها ولم يشكر الله عليها . وكند الحبل : أى قطعة ، وأصل الكنود : الأرض التى لا تنبت شيئا ، فشبه بها الإِنسان الذى يمنع الحق والخير ، ويجحد ما عليه من حقوق وواجبات .أى : إن فى طبع الإِنسان - إلا من عصمه الله - تعالى - الكنود لربه والكفران لنعمته ، والنسيان لمننه وإحسانه ، والغفلة عن المواظبة على شكره - تعالى - ، والتضرع إليه - سبحانه - عند الشدائد والضراء . . والتشاغل عن ذلك عند العافية والرخاء .فالمراد بالإِنسان هنا : جنسه ، إذ أن هذه الصفة غالبة على طبع الإِنسان بنسب متفاوتة ، ولا يسلم منها إلا من عصمه الله - تعالى - .وقيل : المراد بالإِنسان هنا : الكافر ، وأن المقصود به ، الوليد بن المغيرة .والأولى أن يكون المراد به الجنس ، ويدخل فيه الكافر دخولا أوليا .
وَإِنَّهُ عَلَىٰ ذَٰلِكَ لَشَهِيدٌ
📘 وقوله - تعالى - : ( وَإِنَّهُ على ذَلِكَ لَشَهِيدٌ ) أى : وإن الإِنسان على كنوده وجحوده لنعم ربه " لشهيد " أى : لشاهد على نفسه بذلك ، لظهور أثر هذه الصفة عليه ظهروا واضحا ، إذ هو عند لجاجه فى الطغيان يجحد الجلى من النعم ، ويعبد من دون خالقه أصناما ، مع أنه إذا سئل عن خالقه اعترف وأقر بأن خالقه هو الله - تعالى - ، كما قال - سبحانه - : ( وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ الله ) قال الإِمام الشيخ محمد عبده : قوله : ( وَإِنَّهُ على ذَلِكَ لَشَهِيدٌ ) أى : وإن الإِنسان لشهيد على كنوده ، وكفره لنعمة ربه ، لأنه يفخلر بالقسوة على من دونه ، وبقوة الحيلة على من فوقه ، وبكثرة ما فى يده من المال مع الحذق فى تحصيله ، وقلما يفتخر بالمرحمة ، وبكثرة البذل - اللهم إلا أن يريد غشا للسامع - وفى ذلك كله شهادة على نفسه بالكنود ، لأن ما يفتخر به ليس من حق شكر النعمة ، بل من آيات كفرها .ومنهم من يرى أن الضمير فى قوله - تعالى - هنا ( وأنه ) يعود على الخالق - سبحانه - أى : وإن الله - تعالى - لعليهم ولشهيد على ما يسلكه هذا الإِنسان من جحود ، فيكون المقصود من الآية الكريمة ، التهديد والوعيد .قالوا : والأول أولى ، لأنه هو الذى يتسق مع سياق الآيات ، ومع اتحاد الضمائر فيها .
وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ
📘 وقوله - تعالى - : ( وَإِنَّهُ لِحُبِّ الخير لَشَدِيدٌ ) أى : وإن هذا الإِنسان لشديد الحب لجمع المال ، ولكسبه من مختلف الوجوه بدون تفرقة - فى كثير من الأحيان - بين الحلال والحرام ، ولكنزه والتكثر منه ، وبالبخل به على من يستحقه .وصدق الله إذ يقول : ( قُل لَّوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لأمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإنفاق وَكَانَ الإنسان قَتُوراً ) .
۞ أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ
📘 وقوله - تعالى - : ( أَفَلاَ يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي القبور . وَحُصِّلَ مَا فِي الصدور . إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ ) تهديد لهذا الإِنسان الكنود . . وتحريض له على التفكر والاعتبار ، وتذكير له بأهوال يوم القيامة .أى : أيفعل ما يفعل هذا الإِنسان الجحود لنعم ربه . . فلا يعلم مآله وعاقبته ( إِذَا بُعْثِرَ ) . أى : إذا أثير وأخرج وقلب رأسا على عقب ( مَا فِي القبور ) من أموات حيث أعاد - سبحانه - إليهم الحياة ، وبعثهم للحساب والجزاء ، كما قال - تعالى - : ( وَإِذَا القبور بُعْثِرَتْ ) أى : أثيرت وأخرج ما فيها . يقال : بعثر فلان متاعه ، إذا جعل أسفله أعلاه .