🕋 تفسير سورة العصر
(Al-Asr) • المصدر: AR-TAFSIR-AL-WASIT
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ وَالْعَصْرِ
📘 للعلماء أقوال متعددة فى المقصود بالعصر هنا فمنهم من يرى أن المقصود به : الدهر كله ، لما فيه من العبر التى تدل دلالة واضحة على عظيم قدرة الله - تعالى - ، ولما فيه من الأحداث التى يراها الناس بأعينهم ، ويعرفونها عن غيرهم . .فهم يرون ويسمعون كم من غنى قد صار فقيرا ، وقوى قد صار ضعيفا ، ومسرور قد أصبح حزينا . . ورحم الله القائل :أشاب الصغير وأفنى الكبير ... كر الغداة ومر العشىقال القرطبى : قوله - تعالى - : ( والعصر ) أى : الدهر ، قال ابن عباس وغيره فالعصر مثل الدهر . . وأقسم به - سبحانه - لما فيه من التنبيه بتصرف الأحوال وتبدلها .ومنهم من يرى أن المقصود به : وقت صلاة العصر ، وقد صدر صاحب الكشاف تفسيره لهذه الآية بهذا الرأى فقال : أقسم - سبحانه - بصلاة العصر لفضلها ، بدليل قوله - تعالى - : ( حَافِظُواْ عَلَى الصلوات والصلاة الوسطى ) - وهى صلاة العصر - ، وقوله صلى الله عليه وسلم : " من فاتته صلاة العصر فكأنما وَتِرَ أهله وماله " ولأن التكليف فى أدائها أشق لتهافت الناس فى تجاراتهم ومكاسبهم آخر النهار . .ومنهم من يرى أن المراد بالعصر هنا : عصر النبوة . لأفضليته بالنسبة لما سبقه من عصور .وقد رجح الإِمام ابن جرير القول الأول فقال : والصواب من القول فى ذلك أن يقال : إن ربنا أقسم بالعصر ، والعصر اسم الدهر ، وهو العشى ، والليل والنهار . .
إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ
📘 وقوله - سبحانه - : ( إِنَّ الإنسان لَفِى خُسْرٍ . . . ) جواب القسم ، والمراد بالإِنسان : جنسه ويدخل فيه الكافر دخولا أوليا . والخسر مثل الخسران ، كالكفر بمعنى الكفران . .أى : إن جنس الإِنسان لا يخلو من خسران ونقصان وفقدان للربح فى مساعيه وأعماله طوال عمره ، وإن هذا الخسران يتفاوت قوة وضعفا .فأخسر الأخسرين هو الكافر الذى أشرك مع خالقه إلها آخر فى العبادة ، وأقل الناس خسارة هو المؤمن الذى خلط عملا صالحا بآخر سيئا ثم تاب إلى الله - تعالى - توبة صادقة .وجاء الكلام بأسلوب القسم ، لتأكيد المقسم عليه ، وهو أن جنس الإِنسان فى خسر .وقال - سبحانه - ( لَفِى خُسْرٍ ) للإِشعار بأن الإِنسان كأنه مغمور بالخسر ، وأن هذا الخسران قد أحاط به من كل جانب ، وتنكير لفظ " خسر " للتهويل . أى : لفى خسر عظيم .
إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ
📘 وقوله - سبحانه - : ( إِلاَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات . . . ) استثناء مما قبله ، والمقصود بهذه الآية الكريمة تسلية المؤمنين الصادقين . . وتبشيرهم بأنهم ليسوا من هذا الفريق الخاسر .وقوله - تعالى - : ( وَتَوَاصَوْاْ ) فعل ماض ، من الوصية وهى تقديم النصح للغير مقرونا بالوعظ .و " الحق " : هو الأمر الذى ثبتت صحته ثبوتا قاطعا . .و " الصبر " : قوة فى النفس تعينها على احتمال المكاره والمشاق ..أى : أن جميع الناس فى خسران ونقصان . . إلا الذين آمنوا بالله - تعالى - إيمانا حقا ، وعملوا الأعمال الصالحات ، من صلاة وزكاة وصيام وحج . . وغير ذلك من وجوه الخير ، وأوصى بعضهم بعضا بالتمسك بالحق ، الذى على رأسه الثبات على الإِيمان وعلى العمل الصالح . . وأوصى بعضهم بعضا كذلك بالصبر على طاعة الله - تعالى - ، وعلى البلايا والمصائب والآلام . . التى لا تخلو عنها الحياة .فهؤلاء المؤمنون الصادقون ، الذين أوصى بعضهم بعضا بهذه الفضائل ليسوا من بين الناس الذين هم فى خسران ونقصان ، لأن إيمانهم الصادق وعملهم الصالح . . قد حماهم من الخسران . .قال بعض العلماء : وقد اشتملت هذه السورة الكريمة على الوعيد الشديد ، وذلك لأنه - تعالى - حكم بالخسارة على جميع الناس ، إلا من كان متصفا بهذه الأشياء الأربعة ، وهى : الإِيمان ، والعمل الصالح ، والتواصى بالحق ، والتواصى بالصبر ، فدل ذلك على أن النجاة معلقة بمجموع هذه الأمور ، وأنه كما يجب على الإِنسان أن يأتى من الأعمال ما فيه الخير والنفع ، يجب عليه - أيضا - أن يدعو غيره إلى الدين ، وينصحه بعمل الخير والبر ، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، ويحب لأخيه ما يحب لنفسه ، وأن يثبت على ذلك ، فلا يحيد عنه ، ولا يزحزحه عن الدعوة إليه ما يلاقيه من مشاق .نسأل الله - تعالى - أن يجعلنا من أصحاب هذه الصفات .وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .