An-Nahl • AR-TAFSIR-AL-WASIT
﴿ قُلْ نَزَّلَهُۥ رُوحُ ٱلْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِٱلْحَقِّ لِيُثَبِّتَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَهُدًۭى وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ ﴾
“Say: "Holy inspiration has brought it down from thy Sustainer by stages, setting forth the truth, so that it might give firmness unto those who have attained to faith, and provide guidance and a glad tiding unto all who have surrendered themselves to God."”
ويبدو لنا أن الرأى الأول أقرب إلى الصواب ، لأن قوله - تعالى - بعد ذلك : ( قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ القدس مِن رَّبِّكَ . . . ) يدل دلالة واضحة على أن المراد بالآية ، الآية القرآنية .وقوله - سبحانه - : ( والله أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ ) جملة معترضة بين الشرط وجوابه للمسارعة إلى توبيخ المشركين وتجهيلهم .أى : والله - تعالى - أعلم من كل مخلوق بما هو أصلح لعباده ، وبما ينزله من آيات ، وبما يغير ويبدل من أحكام ، فكل من الناسخ والمنسوخ منزل حسبما تقتضيه الحكمة والمصلحة ، ( لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ) وقوله - تعالى - : ( قالوا إِنَّمَآ أَنتَ مُفْتَرٍ ) جواب الشرط ، وهو حكاية لما تفوهوا به من باطل وبهتان : وقوله ( مفتر ) من الافتراء وهو أشنع أنواع الكذب .أى : قال المشركون للنبى صلى الله عليه وسلم عند تبديل آية مكان آية : إنما أنت يا محمد تختلق هذا القرآن من عند نفسك ، وتفتريه من إنشائك واختراعك ..وقوله - تعالى - : ( بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ) تسلية للنبى صلى الله عليه وسلم عما أصابه منهم .أى : لا تهتم - أيها الرسول الكريم - بما قاله هؤلاء المشركون فى شأنك وفى شأن القرآن الكريم ، فإن أكثرهم جهلاء أغبياء ، لا يعلمون ما فى تبديلنا للآيات من حكمة ، ولا يفقهون من أمر الدين الحق شيئا .وقال - سبحانه - ( بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ) للإِشارة إلى أن هناك قلة منهم تعرف الحق وتدركه ، ولكنها تنكره عنادا وجحودا وحسدا لرسول الله صلى الله عليه وسلم على ما آتاه الله من فضله .ثم لقن الله - تعالى - رسوله صلى الله عليه وسلم الرد الذى يقذفه على باطلهم فيزهقه فقال :( قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ القدس مِن رَّبِّكَ بالحق لِيُثَبِّتَ الذين آمَنُواْ وَهُدًى وبشرى لِلْمُسْلِمِينَ ) وروح القدس : هو جبريل - عليه السلام - ، والإِضافة فيه إضافة الموصوف إلى الصفة . أى : الروح المقدس . ووصف بالقدس لطهارته وبركته . وسمى روحا لمشابهته الروح الحقيقى فى أن كلا منهما مادة الحياة للبشر ، فجبريل من حيث ما يحمل من الرسالة الإِلهية تحيا به القلوب ، والروح تحيا به الأجسام .والمعنى : قل - أيها الرسول الكريم - لهؤلاء الجاهلين ، إن هذا القرآن الذى تزعمون أننى افتريته ، قد نزل به الروح الأمين على قلبى من عند ربى ، نزولا ملتبسا بالحق الذى لا يحوم حوله باطل ، ليزيد المؤمنين ثباتا فى إيمانهم ، وليكون هداية وبشارة لكل من أسلم وجهه لله رب العالمين .وفى قوله ( من ربك ) تكريم وتشريف للرسول صلى الله عليه وسلم حيث اختص - سبحانه - هذا النبى الكريم بإنزال القرآن عليه ، بعد أن رباه برعايته ، وتولاه بعنايته .وقوله ( بالحق ) فى موضع الحال ، أى : نزله إنزالا ملتبسا بالحكمة المقتضية له ، بحيث لا يفارقها ولا تفارقه .وقوله : ( لِيُثَبِّتَ الذين آمَنُواْ وَهُدًى وبشرى لِلْمُسْلِمِينَ ) بيان للوظيفة التى من أجلها نزل القرآن الكريم ، وهى وظيفة تسعد المؤمنين وحدهم ، أما الكافرون فهم بعيدون عنها .