Al-Baqara • AR-TAFSIR-AL-WASIT
﴿ وَلَئِنْ أَتَيْتَ ٱلَّذِينَ أُوتُوا۟ ٱلْكِتَٰبَ بِكُلِّ ءَايَةٍۢ مَّا تَبِعُوا۟ قِبْلَتَكَ ۚ وَمَآ أَنتَ بِتَابِعٍۢ قِبْلَتَهُمْ ۚ وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍۢ قِبْلَةَ بَعْضٍۢ ۚ وَلَئِنِ ٱتَّبَعْتَ أَهْوَآءَهُم مِّنۢ بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلْعِلْمِ ۙ إِنَّكَ إِذًۭا لَّمِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ ﴾
“And yet, even if thou wert to place all evidence before those who have been vouchsafed earlier revelation, they would not follow thy direction of prayer; and neither mayest thou follow their direction of prayer, nor even do they follow one another's direction. And if thou shouldst follow their errant views after all the knowledge that has come unto thee thou wouldst surely be among the evildoers.”
ثم أخبر الله - تعالى - عن كفر اليهود وعنادهم ، وأنهم لن يتبعوا الحق ولو جاءهم الرسول صلى الله عليه وسلم بكل آية . فقال تعالى :( وَلَئِنْ أَتَيْتَ الذين أُوتُواْ الكتاب . . . )المعنى : ولئن جئت - يا محمد - اليهود ومن على طريقتهم في الكفر بكل برهان وحجة ، بأن الحق هو ما جئتهم به ، من فرض التحول من قبلة بيت المقدس في الصلاة إلأى قبلة المسجد الحرام ، ما صدقوا به ، لأن تركهم اتباعك ليس عن شبهة يزيلها الدليل ، وإنما هو عن مكابرة وعناد مع علمهم بما في كتبهم من أنك على الحق المبين .وما أنت - يا محمد - بتابع قبلتهم ، لأنك على الهدى وهم على الضلال وفي هذه الجملة الكريمة حسم لأطماعهم ، وتقرير لحقية القبلة إلى الكعبة ، بعد أن أشاعوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم لو ثبت على قبلتهم لكانوا يرجون أنهن النبي المنتظر ، فقطع القرآن الكريم آمالهم في رجوع النبي صلى الله عليه وسلم إلى قبلتهم ، وأخبر بأنه ليس يتابع لها .ثم ذكر القرآن الكريم اختلاف أهل الكتاب في القبلة ، وأن كل طائفة منهم لا تتبع قبلة الطائفة الأخرى فقال تعالى : ( وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ ) أي : ما اليهود بمتبعين لقبلة النصارى ولا النصارى بمتبعين لقبلة اليهود ، فهم مع اتفاقهم على مخالفتك ، مختلفون في باطلهم وذلك لأن اليهود تستقبل بيت المقدس ، والنصارى تستقبل مطلع الشمس .ثم ساق القرآن الكريم بعد ذلك تحذيراً للأمة كلها من اتباع أهل الكتاب ، وجاء هذا التحذير في شخص النبي صلى الله عليه وسلم فقال تعالى : ( وَلَئِنِ اتبعت أَهْوَاءَهُم مِّن بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ العلم إِنَّكَ إِذَاً لَّمِنَ الظالمين ) .أي : لئن اتبعت - يا محمد - قبلتهم - على سبيل الفرض ، والتقدير من بعد وضوح البرهان وإعلامي إياك بإقامتهم على الباطل ، إنك إذاً لمن الظالمين لأنفسهم ، المخالفين لأمري .فالآية الكريمة : وعيد وتحذير للأمة الإِسلامية من اتباع آراء اليهود المنبعثة عن الهوى والشهوة ، وسيق الوعيد والتحذير في صورة الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم الذي لا يتوقع منه أن يتبع أهواء أهل الكتاب ، تأكيداً للوعيد والتحذير ، فكأنه يقول :لو اتبع أهواءهم أفضل لخليقة ، وأعلاهم منزلة عندي ، لجازيته مجازاة الظالمين ، وأحق بهذه المجازاة وأولى من كانوا دونه في الفضل وعلو المنزلة إن اتبعوا أهواء المبطلين وهم اليهود ومن كان على شاكلتهم من المشركين .قال صاحب الكشاف : " فإن قلت : كيف قال وما أنت بتابع قبلتهم ولهم قبلتان ، لليهود قبلة وللنصارى قبلة؟قلت : كلتا القبلتين باطلة ، مخالفة لقبلة الحق ، فكانت بحكم الاتحاد في البطلان قبلة واحدة " .