🕋 تفسير سورة السجدة
(As-Sajda) • المصدر: AR-TAFSIR-AL-WASIT
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ الم
📘 سورة السجدة من السور التى افتتحت ببعض حروف التهجى ، وقد سبق أن ذكرنا آراء العلماء فى لك بشئ من التفصيل عند تفسيرنا لسورة : البقرة ، وآل عمران ، والأعراف . .وقلنا : ما ملخصه : إن أقرب الأقوال إلى الصواب ، أن هذه الحروف المقطعة ، قد وردت فى افتتاح بعض السور ، على سبيل الإِيقاظ والتنبيه إلى إعجاز القرآن .فكأن الله - تعالى - يقول لأولئك الكافرين المعارضين فى أن القرآن من عند الله : هاكم القرآن ترونه مؤلفاً من كلام هو من جنس ما تؤلفون منه كلامكم ومنظوماً من حروف ، وهى من جنس الحروف الهجائية التى تنظمون منها حروفكم .فإن كنتم فى شك من كونه منزلاً من عند الله فهاتوا مثله ، وادعوا من شئتم من الخلق لكى يعاونكم فى ذلك ، أو هاتوا عشر سور من مثله ، أو سورة من مثله . .ومع كل هذا التساهل فى التحدى . فقد عجزوا وانقلبوا خاسرين ، وثبت بذلك أن القرآن من عند الله - تعالى - وحده .
وَقَالُوا أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ۚ بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ
📘 ثم حكى - سبحانه - شبهات المشركين ورد عليها ، وصور أحوالها الليمة عندما تقبض الملائكة أرواحهم ، فقال - تعالى - : ( وقالوا أَإِذَا ضَلَلْنَا . . . بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) .قال القرطبى : قوله - تعالى - : ( وقالوا أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الأرض ) هذا قول منكرى البعث أى : هلكنا وبطلنا وصرنا ترابا . وأصله من قول العرب : ضل الماء فى اللبن إذا ذهب ، والعرب تقول للشئ غلب عليه غيره حتى خفى فيه أثره : قد ضل . .أى : وقال الكافرون على سبيل الإِنكار ليوم القيامة وما فيه من حساب أئذا صارت أجسادنا كالتراب واختلطت به ، أنعاد إلى الحياة مرة أخرى ، ونخلق خلقاً جديداً . .وقوله - سبحانه - : ( هُم بِلَقَآءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ ) إضراب وانتقال من حكاية كفرهم بالبعث والحساب إلى حكاية ما هو أشنع من ذلك وهو كفرهم بلقاء الله - تعالى - الذى خلقهم ورزقهم وأحياهم وأماتهم . . أى : بل هم لانطماس بصائرهم ، واستيلاء العناد والجهل عليهم ، بلقاء ربهم يوم القيامة ، كافرون جاحدون ، لأنهم قد استبعدوا إعادتهم إلى الحياة بعد موتهم ، مع أن الله - تعالى - قد أوجدهم ولم يكونوا شيئاً مذكوراً .
۞ قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ
📘 ثم بين - سبحانه - بعد ذلك أن مردهم إليه لا محالة بعد أن يقبض ملك الموت أرواحهم فقال : ( قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الموت الذي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ ) .وقوله ( يَتَوَفَّاكُم ) من التوفى . وأصله أخذ الشئ وافيا تاما . يقال : توفاه الله ، أى : استوفى روحه وقبضها ، وتوفيت مالى بمعنى استوفيته والمراد بملك الموت : عزرائيل .أى : قل - أيها الرسول الكريم - فى الرد على هؤلاء الجاحدين : سيتولى قبض أرواحكم عند انتهاء آجالكم ملك الموت الذى كلفه الله - تعالى - بذلك ثم إلى ربكم ترجعون ، فيجازيكم بما تستحقونه من عقاب ، بسبب كفرهم وجحودكم .وأسند - سبحانه - هنا التوفى إلأى ملك الموت ، لأنه هو المأمور بقبض الأرواح . وأسنده إلى الملائكة فى قوله - تعالى - ( فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الملائكة ) لأنهم أعوان ملك الموت الذين كلفهم الله بذلك .وأسنده - سبحانه - إلى ذاته فى قوله : ( الله يَتَوَفَّى الأنفس حِينَ مِوْتِهَا ) لأن كل شئ كائنا ما كان ، لا يكون إلا بقضائه وقدره .
وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ
📘 ثم صور - سبحانه - أحوال هؤلاء الكافرين ، عندما يقفون للحاسب ، تصويراً مرعباً مخيفاً فقال : ( وَلَوْ ترى إِذِ المجرمون نَاكِسُواْ رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ ) .وجواب " لو " محذوف ، والتقدير : لرأيت شيئاً تقشعر من هوله الأبدان .وقوله : ( نَاكِسُواْ ) من النكس ، وهو قلب الشئ على راسه كالتنكيس . . وفعله من باب نصر - والخطاب يصح أن يكون للرسول صلى الله عليه وسلم - أو لكل من يصلح له .أى : ولو ترى - أيها الرسول الكريم - حال أولئك المجرمين الذين أنكروا البعث والجزاء ، وهم يقفون أمام خالقهم بذلة وخزى ، لحسابهم على أعمالهم . . لو ترى ذلك لرأيت شيئاً ترتعد له الفرائص ، وتهتز منه القلوب .وقوله : ( رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فارجعنا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ ) حكاية لما يقولونه فى هذا الموقف العصيب . أى : يقولونه بذلة وندم : يا ربنا نحن الآن نبصر مصيرنا ، ونسمع قولك ونندم على ما كنا فيه من كفر وضلال ، ( فارجعنا ) إلى الدنيا ، لكى ( نَعْمَلْ ) عملاً ( صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ ) الآن بأن ما جاءنا به رسولك هو الحق ، وأن البعث حق . وان الجزاء حق ، وأن الجنة حق ، وأن النار حق .
وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَٰكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ
📘 ولكن هذا الإِيقان والاعتراف منهم ، قد جاء فى غير أوانه ، ولذا لا يقبله - سبحانه - منهم ، ولذا عقب - سبحانه - على ما قالوه بقوله : ( وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا . . . ) . أى : ولو شئنا أن نؤتى كل نفس رشدها وهداها وتوفيقها إلى الإِيمان ، لفعلنا ، لأن إرادتنا نافذة ، وقدرتنا لا يعجزها شئ .( ولكن حَقَّ القول مِنِّي ) آى : ولكن ثبت وتحقق قولى .( لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجنة ) أى من الجن وسموا بذلك لاستتارهم عن الأنظار .ومن ( الناس أَجْمَعِينَ ) بسبب فسوقهم عن أمرنا ، وتكذيبهم لرسلنا .فالمقصود من الآية الكريمة بيان أن قدرة الله - تعالى - لا يعجزها شئ ، إلا أن حكمته - سبحانه - قد اقتضت أن الذين سبق فى علمه أنهم يؤثرون الضلالة على الهداية ، لسوء استعدادهم ، يكون مصيرهم إلى لانار ، وأما الذين آثروا الهداية على الضلالة لنقاء نفوسهم ، وكمال استعدادهم ، فيكون مصيرهم إلى جنة عرضها السماوات والأرض .كما أن حكمته - سبحانه - قد اقتضت أن يميز الإِنسان على غيره ، بأن يجعل له طبيعة خاصة يملك معها اختيار طريق الهدى أو طريق الضلال . كما قال - تعالى - ( إِنَّا خَلَقْنَا الإنسان مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً إِنَّا هَدَيْنَاهُ السبيل إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ) .
فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَٰذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ ۖ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ
📘 ثم بين - سبحانه - ما يقال لهؤلاء المجرمين عندما يلقى بهم فى جهنم فقال - تعالى - : ( فَذُوقُواْ بِمَا نَسِيتُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هاذآ إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُواْ عَذَابَ الخلد بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) .والذوق حقيقة إدراك المطعومات . والأصل فيه أن يكون فى أمر مرغوب فى ذوقه وطلبه . والتعبير به هنا عن ذوق العذاب من باب التهكم بهم .والفاء فى قوله : ( فَذُوقُواْ ) لترتيب الأمر بالذوق على ما قبله والباء للسببية . والمراد بالنسيان لازمه ، وهو الترك والإِهمال .أى : ويقال لهؤلاء المجرمين عندما يلقى بهم فى النار : ذوقوا لهيبها وسعيرها بسبب نسيانكم وإهمالكم وجحودكم ليوم القيامة وما فيه من حساب . وإننا من جانبنا قد أهملناكم وتركناكم . بسبب إصراركم على كفركم ، وذوقوا العذاب الذى أنتم مخلدون فيه بسبب أعمالكم القبيحة فى الدنيا " جزاء وفاقا " .وكرر - سبحانه - لفظ ( ذُوقُواْ ) على سبيل التأكيد ، وزيادة التقريع والتأنيب .
إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ ۩
📘 ثم تترك السورة الكريمة هؤلاء المجرمين يذوقون العذاب ، وتنتقل إلى الحديث عن مشهد آخر ، عن مشهد يشرح النفوس ، ويبهج القلوب ، إنه مشهد المؤمنين الصادقين ، وما أعد الله - تعالى - من ثواب قال - تعالى - : ( إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا . . . بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) .أى : ( إِنَّمَا يُؤْمِنُ ) ويصدق ( بِآيَاتِنَا ) الدالة على قدرتنا ووحدانيتنا ، أصحاب النفوس النقية الصافية ، الذين إذ ذكروا بها ، أى : بهذه الآيات .( خَرُّواْ سُجَّداً ) لله - تعالى - من غير تردد ( وَسَبَّحُواْ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ) أى : ونزهوه عن كل ما لا يليق به - عز وجل -( وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ ) عن طاعته - سبحانه - ، وعن الانقياد لأمره ونهيه .
تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ
📘 ثم صور - سبحانه - أحوالهم فى عبادتهم وتقربهم إلى الله ، تصويراً بديعاً فقال : ( تتجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ المضاجع يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً ) .والتجافى : التحرك إلى جهة أعلى . وأصله من جفا فلان السرج عن فرسه ، إذا رفعه . ويقال تجافى فلان عن مكانه ، إذا انتقل عنه .والجنوب : جمع جنب . وأصله الجارحة ، والمراد به الشخص .والمضاجع : جمع مضجع ، وهو مكان الاتكاء للنوم .والمعنى : أن هؤلاء المؤمنين الصادقين ، تتنحى وترتفع أجسامهم ، عن أماكن نومهم ، وراحتهم ، حالة كونهم يدعون ربهم بإخلاص وإنابة ( خَوْفاً ) من سخطه عليهم ، ( وَطَمَعاً ) فى رضاه عنهم .( وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ ) من فضلنا وخيرنا ( يُنفِقُونَ ) فى وجوه البر والخير .
فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ
📘 وقوله - سبحانه - : ( فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ . . ) بيان للعطاء الجزيل ، والثواب العظيم . أى : فلا تعلم نفس من النفوس سواء أكانت لملك مقرب ، أم لنبى مرسل ، ما أخفاه الله - تعالى - لهؤلاء المهتدين بالليل والناس نيام ، من ثواب تقر به أعينهم ، وتسعد به قلوبهم ، وتبتهج له نفوسهم . .وهذا العطاء الجزيل إنما هو بسبب أعمالهم الصالحة فى الدنيا .وهكذا نرى فى هذه الآيات الكريمة صورة مشرقة لعباد الله الصالحين ، وللثواب الذى لا تحيط به عبارة ، والذى أكرمهم الله - تعالى - به .وقد ساق الإِمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآيات ، عدداً من الأحاديث الواردة فى فضل قيام الليل ، منها ما رواه الإِمام أحمد " عن معاذ بن جبل - رضى الله عنه - قال : كنت مع النبى صلى الله عليه وسلم فى سفر ، فأصبحت يوماً قريباً منه . ونحن نسير ، فقلت : يا نبى الله ، أخبرنى بعمل يدخلنى الجنة ، ويباعدنى من النار . فقال : " لقد سألت عن عظيم ، وأنه ليسير على من يسره الله عليه ، تعبد الله ولا تشكر به شيئاً ، وتقيم الصلاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت . ثم قال : ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جنة ، والصدقة تطفئ الخطيئة ، وصلاة الرجل فى جوف الليل شعار الصالحين ، ثم قرأ صلى الله عليه وسلم : ( تتجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ المضاجع يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً ) " " .وعن أسماء بنت يزيد قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة ، جاء مناد فنادة بصوت يسمع الخلائق : سيعلم أهل الجمع اليوم من أولى بالكرم . ثم يرجع فينادى : ليقم الذين كانت تتجافى جنوبهم عن المضاجع " .وعن أبى هريرة - رضى الله عنه - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله - تعالى - قال : " أعددت لعبادى الصالحين ، ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر " .
أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا ۚ لَا يَسْتَوُونَ
📘 ثم بين - سبحانه - بعد ذلك أن عدالته قد اقتضت عدم التسوية بين الأخيار والأشرار ، وأن كل إنسان إنما يجازى يوم القيامة على حسب عمله فقال - تعالى - : ( أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً . . . المجرمين مُنتَقِمُونَ ) .والاستفهام فى قوله : ( أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً . . . ) للإِنكار ، والفسوق : الخروج عن طاعة الله .أى : أفمن كان فى هذه الدنيا مؤمناً بالله حق الإِيمان ، كمن كان فيها فاسقاً وخارجاً عن طاعة الله - تعالى - وعن دينه الذى ارتضاه لعباده؟كلا ، إنهم لا يستوون لا فى سلوكهم وأعمالهم ، ولا فى جزائهم الدنيوى أو الأخروى .وقد ذكروا أن هذه الآية نزلت فى شأن الوليد بن عقبة ، وعلى نب أبى طالب - رضى الله عنه - ، حيث قال الوليد لعلى : أنا أبسط منك لساناً ، وأحد سنانا ، وأملأ فى الكتيبة جسداً ، فقال له على : اسكت ، فإنما أنت فاسق ، فنزلت هذه الآية .
أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَىٰ نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ
📘 ثم فصل - سبحانه - حسن عاقبة المؤمنين ، وسوء عاقبة الفاسقين ، فقال : ( أَمَّا الذين آمَنُواْ ) بالله حق الإِيمان ( وَعَمِلُواْ ) الأعمال ( الصالحات ) .( فَلَهُمْ جَنَّاتُ المأوى ) أى : فلهم الجنات التى يأوون إليها ، ويسكنون فيها ( نُزُلاً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) والنزل : أصله ما يهيَّأ للضيف النازل من الطعام والشراب والصلة ، ثم عمم فى كل عطاء . أى : فلهم جنات المأوى ينزلون فيها نزولاً مصحوباً بالتكريم والتشريف جزاء أعمالهم الصالحة التى عملوها فى الدنيا .
تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ
📘 وقوله - تعالى - : ( تَنزِيلُ الكتاب لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ العالمين ) بيان لمصدر القرآن الكريم وأنه لا شك فى كونه من عند الله - عز وجل - .وقوله : ( تَنزِيلُ الكتاب ) مبتدأ . وخبره ( مِن رَّبِّ العالمين ) وجملة ( لاَ رَيْبَ فِيهِ ) معترضة بينهما ، أو حال من الكتاب . .أى : تنزيل هذا الكتاب عليك - أيها الرسول الكريم - كائن من رب العالمين ، وهذا أمر لا شك فيه ، ولا يخالطه ريب أو تردد عند كل عاقل .وعجل - سبحانه - بنفى الريب ، حيث جعله بين المبتدأ والخبر ، لبيان أن هذه القضية ليست محلاً للشك أو الريب ، وأن كل منصف يعلم أن هذا القرآن من رب العالمين .
وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ ۖ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ
📘 ( وَأَمَّا الذين فَسَقُواْ ) أى : خرجوا عن طاعتنا ، وعن دعوة رسولنا صلى الله عليه وسلم .( فَمَأْوَاهُمُ النار ) أى : فمنزلتهم ومسكنهم ومستقرهم النار وبئس القرار .( كُلَّمَآ أرادوا أَن يَخْرُجُواُ مِنْهَآ ) هرباً من لهيبها وسعيرها وعذابها .( أُعِيدُواْ فِيهَا ) مرغمين مكرهين ، وردوا إليها مهانين مستذلين .( وَقِيلَ لَهُمْ ) على سبيل الزجر والتأنيب وزيادة الحسرة فى قلوبهم .( ذُوقُواْ عَذَابَ النار الذي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ ) فى الدنيا ، وتستهزئون بمن ينذركم به ، ويخوفكم منه .
وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَىٰ دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ
📘 ( وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِّنَ العذاب الأدنى ) أى الأهون والأقرب والأقل وهو عذاب الدنيا ، من طريق ما ننزله بهم من أمراض وأسقام ومصائب متنوعة .( دُونَ العذاب الأكبر ) أى : الاشد والأعظم والأبقى ، وهو عذاب الآخرة .( لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) عما هم فهي من شرك وكفر وفسوق وعصيان .
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا ۚ إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ
📘 ثم بين - سبحانه - حال من يدعى إلى الهدى فيعرض عنه ، فقال : ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَآ ) .أى : لا أحد أشد ظلماً وكفراً ممن ذكره المذكر بالآيات الدالة على وحدانية الله - تعالى - وقدرته ، وعلى أن دين الإِسلام هو الحق ، ثم أعرض عنها جحوداً وعناداً .( إِنَّا مِنَ المجرمين مُنتَقِمُونَ ) أى : إنَّا من أهل الإِجرام والجحود لآياتنا منتقمون انتقاماً يذلهم ويهينهم .قال صاحب الكشاف : " ثم " فى قوله ( ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَآ ) للاستبعاد .والمعنى : أن الإِعراض عن مثل آيات الله ، فى وضوحها وإنارتها وإرشادها إلى سواء السبيل ، والفوز بالسعادة العظمى بعد التذكير بها مستبعد فى العقل والعدل . كما تقول لصاحبك : وجدت مثل تلك الفرصة ثم لم تنتهزها ، استبعاداً لتركه الانتهاز .ومنه " ثم " فى بيت الحماسة :لا يشكف الغماء إلا ابن حرة ... يرى غمرات الموت ثم يزورهااستبعد أن يزور غمرات الموت بعد أن رآها واستيقنها واطلع على شدتها .فإن قلت : هلا قيل : إنا منه منتقمون؟ قلت : لما جعله أظلم كل ظالم ، ثم توعد المجرمين عامة بالانتقام منهم ، فقد دل على إصابة الأظلم بالنصيب والأوفر من الانتقام ، ولو قاله بالضمير لم يفد هذه الإِفادة .
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ ۖ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ
📘 ثم أشارت السورة الكريمة بعد ذلك إلى ما أعطاه الله - تعالى - لنبيه موسى - عليه السلام - من نعم . وما منحه للصالحين من قومه من منن ، فقال - تعالى - : ( وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الكتاب . . . فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ) .والمراد بالكتاب فى قوله - تعالى - : ( وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الكتاب ) التوراة التى أنزلها سبحانه - لتكون هداية لبنى إسرائيل .قالوا : وإنما ذكر موسى لقربه من النبى صلى الله عليه وسلم ووجود من كان على دينه إلزاماً لهم . إنما لم يختر عيسى - عليه السلام - للذكر وللاستدلال ، لأن اليهود ما كانوا يوافقون على نبوته ، وأما النصارى فكانوا يعترفون بنبوة موسى - عليه السلام - .والضمير المجرور فى قوله : ( فَلاَ تَكُن فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَآئِهِ ) يعود إلى موسى على أرجح لأقوال - أو إلى الكتاب .أى : أتينا موسى الكتاب فلا تكن - أيها الرسول الكريم - فى مرية أو شك من لقاء وسى للكتاب الذى أوحيناه إليه ، بقبول ورضا وتحمل لتكاليف الدعوة به ، فكن مثله فى لك ، وبلغ ما أنزل إليك من ربك دون ان تخشى أحداً سواه .قال الآلوسى ما ملخصه : قوله : ( وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الكتاب ) أى : جنس الكتاب ( فَلاَ تَكُن فِي مِرْيَةٍ ) أى : شك ( مِّن لِّقَآئِهِ ) أى : من لقائه ذلك الجنس .وحمل بعضهم ( الكتاب ) على العهد ، أى الكتاب المعهود وهو التوراة .ونهيه صلى الله عليه وسلم عن أن يكون فى شك ، المقصود به أمته ، والتعريض بمن اتصف بذلك . وقيل الكتاب ، المراد به التوراة ، وضمير ، لقائه ، عائد إليه من غير تقدير مضاف . ولقاء صدر مضاف إلى مفعوله موسى . أى : فلا تكن فى مرية من لقاء موسى الكتاب ، ومضاف إلى فاعله ، ومفعوله موسى . أى : من لقاء الكتاب موسى ووصوله إليه . .وهذا الرأى الأخير الذى عبر عنه الآلوسى - رحمه الله - بقوله " وقيل " وهو فى رأينا رجح الآراء ، وأقربها إلى الصواب ، لبعده عن التكلف .قال الجمل فى حاشيته ، بعد أن ساق ستة أقوال فى عودة الضمير فى قوله ( مِّن لِّقَآئِهِ ) : وأظهرها أن الضمير إما لموسى وإما للكتاب . أى : لا ترتب فى أن موسى لقى الكتاب أنزل عليه .قال صاحب الكشاف : والضمير فى " لقائه " له - أى لموسى - ، ومعناه : إنا آتينا موسى - عليه السلام - مثل ما آتيناك من الكتب ، ولقيناه مثل ما لقيناك من الوحى ، فلا تكن فى شك من أنك لقيت مثله ، ولقيت نظيره كقوله - تعالى - : ( فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الذين يَقْرَءُونَ الكتاب مِن قَبْلِكَ ) .وقوله - تعالى - : ( وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لبني إِسْرَائِيلَ ) أى : وجعلنا الكتاب الذى أنزلناه على نبينا موسى - عليه السلام - هداية لبنى إسرائيل إلى طريق الحق والسداد .
وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ
📘 ( وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُواْ ) والأئمة : جمع إمام ، وهو من يقتدى به فى الأمور المختلفة . والمراد بهم هنا : من يقتدى بهم فى وجوه الخير والبر .أى : وجعلنا من بنى إسرائيل أئمة فى الخير والصلاح ، يهدون غيرهم إلى الطريق الحق ، بأمرنا وإرادتنا وفضلنا ، وقد وفقناهم لذلك حين صبروا على أداء ما كل فناهم به من عبادات ، وعلى مشاق الدعوة إلى الحق ، وعلى كل أم يستلزم الصبر وحبس النفس .وفى ذلك إرشاد وتعليم للمسلمين ، بأن يسلكوا طريق الأئمة الصالحين ، ممن كانوا قبلهم ، وأن يبلغوا دعوة الله إلى غيرهم بصبر ويقين .وقوله - سبحانه - ( وَكَانُواْ بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ) زيادة فى مدحهم ، وفى تقرير أنهم أهل للإِمامة فى الخير . أى : وكانوا بسبب إداركهم السليم لمعانى آياتنا : يوقنون إيقاناً جازماً بأنهم على الحق الذى لا يحوم حلوه باطل وبأنهم متبعون لشريعة الله - تعالى - التى لا يضل من اتبعها وسار على نهجها .
إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ
📘 ثم أشار - سبحانه - إلى أن بنى إسرائيل جميعاً لم يكونوا كذلك ، وإنما كان منهم الأخيار والأشرار ، وأنه - تعالى - سيحكم بين الجميع يوم القيامة بحكمه العادل ، فقال : ( إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ القيامة فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ) .أى : إن ربك - أيها الرسول الكريم - هو وحده الذى يتولى القضاء والحكم بين المؤمنين والكافرين يوم القيامة ، فيما كانوا يختلفون فيه فى الدنيا من أمور متنوعة . على رأسها ما يتعلق بالأمور الدينية .
أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ ۖ أَفَلَا يَسْمَعُونَ
📘 ثم يسوق - سبحانه - فى أواخر السورة ما من شأنه أن يهدى الضالين إلى الصراط المستقيم ، وما يرشدهم إلى مظاهر نعمه عليهم ، وما يزيد النبى صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم ثباتاً على ثباته ، ويقيناً على يقينة ، فيقول - عز وجل - ( أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا . . . إِنَّهُمْ مُّنتَظِرُونَ ) .والاستفهام فى قوله - تعالى - : ( أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا . . . ) لإِنكار عدم اهتدائهم إلى ما ينفعهم مع وضوح أسباب هذا الاهتداء . والواو للعطف على مقدر يقتضيه المقام . والخطاب للمشركين وعلى رأسهم كفار مكة . و " كم " خبرية بمعنى كثير . فى محل نصب لأهلكنا .والمعنى : أغفل هؤلاء المشركون عما أصاب الظالمين من قبلهم ، ولم يتبين لهم - لانطماس بصائرهم - أننا قد أهلكنا كثيراً من أهل الأزمان السابقة من قبلهم ، بسبب تكذيبهم لأنبيائهم ، وإيثارهم الكفر على الإِيمان .وقوله - تعالى - ( يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ ) حال من الضمير فى ( لَهُمْ ) ، لتسجيل أقصى أنواع الجهالة والعناد عليهم . أى : أبلغ بهم الجهل والعناد أنهم لم يعتبروا بالقرون المهلكة من قبلهم ، مع أنهم يمشون فى مساكن هؤلاء السابقين ، ويمرون على ديارهم مصبحين وممسين ، ويرون بأعينهم آثارهم الدارسة ، وبيوتهم الخاوية على عروشها .ثم ختم - سبحانه - الآية الكريمة بما يزيد فى تبكيتهم وتقريعهم فقال : ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ أَفَلاَ يَسْمَعُونَ ) .أى : إن فى ذلك الذى يرونه من مصارع الغابرين ، وآثار الماضين ، لآيات بينات ، وعظات بليغات ، فهلا تدبروا فى ذلك ، واستمعوا إلى صوت الحق بتعقل وتفهم؟فقوله - تعالى - : ( أَفَلاَ يَسْمَعُونَ ) حض لهم على الاستماع إلى الآيات الدالة على سوء عاقبة الظالمين ، بتدبر وتعقل واتعاظ ، وتحول من الباطل إلى الحق ، قبل أن يحل بهم ما حل بأهل الأزمنة الغابرة .
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ ۖ أَفَلَا يُبْصِرُونَ
📘 ثم نبههم - سبحانه - إلى نعمة من نعمه الكثيرة فقال : ( أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَسُوقُ المآء إِلَى الأرض الجرز فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنفُسُهُمْ أَفَلاَ يُبْصِرُونَ ) والأرض والجرز : هى الأرض اليابسة التى جرز نباتها وقطع ، إما لعدم نزول الماء عليها ، وإما لرعيه منها .قال القرطبى ما ملخصه : والأرض الجرز هى التى جرز نباتها أى : قطع ، إما لعدم الماء ، وإما لأنه رعى وأزيل ، ولا يقال للتى لا تنبت كالسباخ جرز .وهو مشتق من قولهم : رجل جروز إذا كان لا يبقى شيئاً إلا أكله ، وكذلك ناقة جروز : إذا كانت تأكل كل شئ تجده ، وسيف جراز ، أى : قاطع . .أى : أعموا ولم يشاهدوا بأعينهم ( أَنَّا نَسُوقُ ) بقدرتنا ورحمتنا ( المآء ) الذى تحمله السحب ( إِلَى الأرض الجرز ) أى : اليابسة الخالية من النبات ، فينزل عليها .( فَنُخْرِجُ بِهِ ) أى : فنخرج بهذا الماء النازل على الأرض القاحلة ( زَرْعاً ) كثيراً نافعاً ( تَأْكُلُ مِنْهُ ) أى : من هذا الزرع ( أَنْعَامُهُمْ ) أى : تأكل منه ما يصلح لأكلها كالأوراق والأغصان وما يشبه ذلك .وقوله ( وَأَنفُسُهُمْ ) معطوف على أنعامهم . أى : تأكل أنعامهم من الزرع ما يناسبها ، ويأكل منه الناس ما يناسبهم كالبقول والحبوب .وقدم - سبحانه - الأنعام على بنى آدم للترقى من الأدنى إلى الأشرف .وقوله - تعالى - ( أَفَلاَ يُبْصِرُونَ ) حض لهم على التأميل فى هذه النعم ، والحرص على شكر المنعم عليها ، وإخلاص العبادة له .
وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَٰذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ
📘 ثم حكى - سبحانه - ما كان عليه المشركون ، من غرور واستخفاف بالوعيد فقال : ( وَيَقُولُونَ متى هذا الفتح إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) .والمراد بالفتح : الحكم والقضاء والفصل فى الخصومة بين المتخاصمين ، ومنه قوله - تعالى - حكاية عن شعيب - عليه السلام - : ( رَبَّنَا افتح بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بالحق وَأَنتَ خَيْرُ الفاتحين ) أى : " احكم بيننا وبين قومنا بالحق ، وأنت خير الحاكمين " .أى : ويقول المشركون للنبى صلى الله عليه وسلم ولأصحابه على سبيل الاستهزاء ، واستعجال العقاب : متى هذا الذى تحدثوننا عنه من أن الله - تعالى - سيفصل بيننا وبينكم ، ويجعل لكم النصر ولنا الهزيمة؟لقد طال انتظارنا لهذا اليوم الذى يتم فيه الحكم بيننا وبينكم ، فإن كنتم صادقين فى قولكم ، فادعوا ربكم أن يعجل بهذا اليوم .
قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ
📘 وهنا يأمر الله - تعالى - نبيه صلى الله عليه وسلم - أن يرد عليهم بما يخرسهم فيقول : ( قُلْ يَوْمَ الفتح لاَ يَنفَعُ الذين كفروا إِيَمَانُهُمْ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ ) . أى : قل - أيها الرسول - فى الرد على هؤلاء الجاهلين المغرورين : إن يوم الفصل بيننا وبينكم قريب ، وهو آت لا محالة فى الوقت الذى يحدده الله - تعالى - ويختاره ، سواء أكان هذا اليوم فى الدنيا ، عندما تموتون على الكفر ، أم فى الآخرة عندما يحل بكم العذاب ، ولا ينفعكم إيمانكم ، ولا أنتم تمهلون أو تنظرون ، بل سينزل بكم العذاب سريعاً وبدون مهلة .
أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ۚ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ
📘 و " أم " فى قوله - تعالى - : ( أَمْ يَقُولُونَ افتراه ) هى المنقطعة التى بمعنى بل والهمزة . والاستفهام للتعجيب من قولهم وإنكاره .والافتراء : الاختلاق . يقال : فلان افترى الكذب ، أى : اختلقه . وأصله من الفرى بمعنى قطع الجلد . وأكثر ما يكون للإِفساد .والمعنى : بل أيقول هؤلاء المشركون ، إن محمدا صلى الله عليه وسلم ، قد افترى هذا القرآن ، واختلقه من عند نفسه . . . ؟وقوله - عز وجل - : ( بَلْ هُوَ الحق مِن رَّبِّكَ ) رد على أقوالهم الباطلة .أى : لا تستمع - أيها الرسول الكريم - إلى أقاويلهم الفاسدة ، فإن هذا القرآن هو الحق الصادر إليك من ربك - عز وجل - .ثم بين - سبحانه - الحكمة فى إرساله صلى الله عليه وسلم - وفى إنزال القرآن عليه فقال : ( لِتُنذِرَ قَوْماً مَّآ أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ ) .والإِنذار : هو التخويف من ارتكاب شئ تسوء عاقبته . و " ما " نافية .و " نذير " فاعل " أتاهم " و " من " مزيدة للتأكيد .أى : هذا القرآن - يا محمد - هو معجزتك الكبرى ، وقد أنزلناه إليك لتنذر قوماً لم يأتهم نذير من قبلك بما جئتهم به من هدايات وإرشادات وآداب .وقد فعلنا ذلك رجاء أن يهتدوا إلى الصراط المستقيم ، ويستقبلوا دعوتك بالطاعة والاستجابة لما تدعوهم إليه .ولا يقال : إن إسماعيل - عليه السلام - قد أرسل إلى آباء هؤلاء العرب الذين أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم إليهم ، لأن رسالة إسماعيل قد اندرست بطول الزمن ، ولم ينقلها الخلف عن السلف ، فكانت رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى قومه ، جديدة فى منهجها وأحكامها وتشريعاتها .
فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ
📘 وما داما لأمر كما ذكرنا لك - أيها الرسول الكريم - ( فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وانتظر إِنَّهُمْ مُّنتَظِرُونَ ) . أى : فأرعض عن هؤلاء المشركين ، وعن أقوالهم الفاسدة دون أن تلتفت إليها ، وامض فى طريقك أنت وأتباعك ، وانتظر النصرة عليهم بفضلنا وإرادتنا ، إنهم - أيضاً - منتظرون ما سيئول إليه أمرك ، وسيكون أمرك بخلاف ما يمكرون وما ينتظرون .وبعد : فهذا تفسير وسيط لسورة السجدة ، نسأل الله - تعالى - أن يجعله خالصاً لوجهه ، ونافعاً لعباده .وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۖ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ ۚ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ
📘 ثم أثنى - سبحانه - على ذاته ، بما يستحقه من إجلال وتعظيم وتقديس فقال : ( الله الذي خَلَقَ السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ) .والأيام جمع يوم ، واليوم فى اللغة : مطلق الوقت ، أى : فى ستة أوقات لا يعلم مقدارها إلا الله - تعالى - .وهو - سبحانه - قادر على أن يخلق السماوات والأرض وما بينهما فى لمحة أو لحظة ، ولكنه - عز وجل - خلقهن فى تلك الأوقات ، لكى يعلم عباده التأنى والتثبت فى الأمور .قال القرطبى : قوله - تعالى - : ( سِتَّةِ أَيَّامٍ ) قال الحسن : من أيام الدنيا . وقال ابن عباس : إن اليوم من الأيام الستة ، التى خلق الله فيها السماوات والأرض ، مقداره ألف سنة من سنى الدنيا .وقال بعض العلماء ما ملخصه : وليست هذه الأيام من أيام هذه الأرض التى نعرفها ، إذ أيام هذه الأرض ، مقياس زمنى ناشئ من دورة هذه الأرض حول نفسها أمام الشمس مرة ، تؤلف ليلاً ونهاراً على هذه الأرض . . وهو مقياس يصلح لنا نحن أبناء هذه الأرض الصغيرة الضئيلة . أما حقيقة هذه الأيام الستة المذكورة فى القرآن ، فعلمها عند الله . ولا سبيل لنا إلى تحديها وتعيين مقدارها ، فهى من ايام الله التى يقول عنها : ( وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ ) وقوله - سبحانه - : ( ثُمَّ استوى عَلَى العرش ) إشارة إلى استعلائه وهيمنته على شئون خلقه .وقال بعض العلماء : وعرش الله - تعالى - مما لا يعلمه البشر إلا بالاسم . . وقد ذكر فى إحدى وعشرين آية . وذكر الاستواء على العرش فى سبع آيات .أما الاستواء على العرش ، فذهب سلف الأمة ، إلى أنه صفة الله - تعالى - بلا كيف ولا انحصار ولا تشبيه ولا تمثيل ، لاستحالة اتصافه - سبحانه - بصفات المحدثين ، ولوجوب تنزيهه عما لا يليق به : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السميع البصير ) وأنه يجب الإِيمان بها كما وردت ، وتفويض العلم بحقيقتها إليه - تعالى - .قال الإِمام مالك : الكيف غير مقعول ، والاستهواء غير مجهول ، والإِيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة .وقال محمد بن الحسن : اتفق الفقهاء جميعاً على الإِيمان بالصفات ، من غير تفسير ولا تشبيه .وقال الإِمام الرازى : إن هذا المذهب هو الذى نقول به ونختاره ونعتمد عليه . .وقوله - سبحانه - : ( مَا لَكُمْ مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ شَفِيعٍ أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ ) أى : ليس لكم - أيها الناس - إذا تجاوزتم حدوده - عز وجل - ( مِن وَلِيٍّ ) أى : من ناصر ينصركم إذا أراد عقابكم ، ( وَلاَ شَفِيعٍ ) يشفع لكم عنده لكى يعفو عنكم ، أفلا تعقلون هذه المعانى الواضحة ، وتسمعون هذه المواعظ البليغة ، التى من شأنها أن تحملكم على التذكر والاعتبار والطاعة التامة لله رب العالمين .فالآية الكريمة جمعت فى توجيهاتها الحكيمة ، بين مظاهر قدرة الله - تعالى - ، وبين الترهيب من معصية ومخالفة أمره ، وبين الحض على التذكر والاعتبار .
يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ
📘 ثم أضاف - سبحانه - إلى ما سبق أن وصف به ذاته ، صفات أخرى تليق بجلاله ، فقال : ( يُدَبِّرُ الأمر مِنَ السمآء إِلَى الأرض ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ ) .وقوله - تعالى - : ( يُدَبِّرُ ) من التدبير بمعنى الإِحكام والإِتقان ، والمراد به هنا : إيجاد الأشياء علت هذا النحو البديع الحكيم الذى نشاهده ، وأصل التدبير : النظر فى أعقاب الأمور محمودة العاقبة .وقوله : ( يَعْرُجُ ) من العروج بمعنى الصعود والارتفاع والصيرورة إليه - تعالى - .والضمير فى " إليه " يعود إلى الأمر الذى دبره وأحكمه - سبحانه - .أى : أن الله - تعالى - هو الذى يحكم شئون الدنيا السماوية والأرضية إلا أن تقوم الساعة ، وهو الذى يجعلها على تلك الصورة البديعة المتقنة ، ثم تصعد إليه - تعالى - تلك الأمور والشئون المدبرة ، فى يوم ، عظيم هو يوم القيامة ( كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ ) من أيام الدنيا .قال الآلوسى ما ملخصه : وقوله : ( مِنَ السمآء إِلَى الأرض ) متعلقان بقوله : ( يُدَبِّرُ ) ومن ابتدائية ، وإلى انتهائية . أى : يريده - تعالى - على وجه الإِتقان ومراعاة الحكمة ، منزلاً له من السماء إلى الأرض . وإنزاله من السماء باعتبار أسبابه ، فإن أسبابه سماوية من الملائكة وغيرهم .وقوله ( ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ ) أى : ذلك الأمر بعد تدبيره . وهذا العروج مجاز عن ثوبته فى علمه . . أو عن كتابته فى صحف الملائكة بأمره - تعالى - .وقال بعض العلماء : وقد ذكر - سبحانه - هنا أنه ( يُدَبِّرُ الأمر مِنَ السمآء إِلَى الأرض ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ ) . وذكر فى سورة الحج ( وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ ) وذكر فى سورة المعارج ( تَعْرُجُ الملائكة والروح إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ) والجمع بين هذه الآيات من وجهين :الأول : ما جاء عن ابن عباس من أن يوم الألف فى سورة الحج ، هو أحد الأيام الستة التى خلق الله فيها السماوات والأرض .ويوم الألف فى سورة السجدة ، هو مقدار سير الأمر وعروجه إليه - تعالى - ، ويوم الخمسين ألفا - فى سورة المعارج - هو يوم القيامة .الثانى : أن المراد بجميعها يوم القيامة ، وأن الاختلاف باعتبار حال المؤمن والكافر ويدل لهذا الوجه قوله - تعالى - : ( فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ عَلَى الكافرين غَيْرُ يَسِيرٍ ) أى : أن يوم القيامة يتفاوت طوله بحسب اختلاف الشدة ، فهو يعادل فى حالة ألف سنة من سنى الدنيا ، ويعادل فى حالة أخرى خمسين ألف سنة .
ذَٰلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ
📘 واسم الإِشارة فى قوله ( ذلك عَالِمُ الغيب والشهادة العزيز الرحيم ) يعود إلى الله - تعالى - ، وهو مبتدأ ، وهو بعده أخبار له - عز وجل - .أى : ذلك الذى اتصف بتلك الصفات الجليلة ، وفعل تلك الأفعال المتقنة الحكيمة ، هو الله - تعالى - ، ( عَالِمُ الغيب والشهادة ) أى : عالم كل ما غاب عن الحسن ، وكل ما هو مشاهد له ، لا يخفى عليه شئ مما ظهر أو بطن ( العزيز ) الذى لاي غلبه غالب ( الرحيم ) بعباده .
الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ۖ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ
📘 ( الذي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ) أى : الذى أحكم وأتقن كل شئ خلقه وأوجده فى هذا الكون ، لأنه - سبحانه - أوجده على النحو الذى تقتضيه حكمته ، وتستدعيه مصلحة عباده .قال الشوكانى : وقرأ الجمهور ( خلَقه ) - بفتح اللام - على أنه فعل ماض صفة لشئ ، فهو فى محل جر . أو صفة للمضاف فيكون فى محل نصب .وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ابن عامر : ( خلْقه ) - بسكون اللام - وفى نصبه أوجه : الأول : أن يكون بدلاً من ( كُلَّ شَيْءٍ ) بدل اشتمال ، والضمير عائد على كل شئ ، وهذا هو المشهور . .والمراد بالإِنسان فى قوله - تعالى - : ( وَبَدَأَ خَلْقَ الإنسان مِن طِينٍ ) آدم - عليه السلام - ، أى وبدأ خلق أبيكم آدم من طين ، فصار على أحسن صورة ، وأبدع شكل.
ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ
📘 ( ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ ) أى : ذريته ، وسميت بذلك لأنها تنسل وتنفصل منه .( مِن سُلاَلَةٍ ) أى : من خلاصة ، وأصلها ما يسل ويخلص بالتصفية .( مِّن مَّآءٍ مَّهِينٍ ) أى : ممتهن لا يهتم بشأنه ، ولا يعتنى به ، والمقصود به : المنى الذى يخرج من الرجل .
ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ ۖ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۚ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ
📘 ( ثُمَّ سَوَّاهُ ) أى : هذا المخلوق الذى أوجده من طين ، أو من ماء مهين . والمراد : ثم عدل خلقه ، وسوى شكله ، وتناسب بين أعضائه ، وأتمه فى أحسن صورة . . .( وَنَفَخَ فِيهِ ) - سبحانه - ( مِن رُّوحِهِ ) أى : من قدرته ورحمته ، التى صار بها هذا الإِنسان إنساناً كاملا فى أحسن تقويم .وإضافة الروح إليه - تعالى - للتشريف والتكريم لهذا المخولق ، كما فى قولهم بيت الله .( وَجَعَلَ لَكُمُ ) بعد ذلك ( السمع ) الذى تسمعون به ( والأبصار ) التى تبصرون بها ، ( والأفئدة ) التى تعقلون بها ، وتحسون الأشياء بواسطتها .وقوله : ( قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ ) بيان لموقف بنى آدم من هذه النعم المتكاثرة والمتنوعة . ولفظ " قليلاً " منصوب على أنه صفة لمحذوف وقع معمولاً لتشكرون .أى : شكراً قليلاً تشكرون ، أو زماناً قليلاً تشكرون .وهكذا بنو آدم - إلا من عصم الله - ، أوجدهم الله - تعالى - بقدرته ، وسخر لمنفعتهم ومصلحتهم ما سخر من مخلوقات ، وصانهم فى كل مراحل خلقهم بأنواع من الصيانة والحفظ . . ومع ذلك فقليل منهم هم الذين يشكرونه - عز وجل - على نعمه . وصدق - ستبحانه - حيث يقول : ( وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشكور ) .