slot qris slot gacor terbaru slot gacor terbaik slot dana link slot gacor slot deposit qris slot pulsa slot gacor situs slot gacor slot deposit qris slot qris bokep indo xhamster/a> jalalive/a>
| uswah-academy
WhatsApp Book A Free Trial
القائمة

🕋 تفسير سورة فاطر

(Fatir) • المصدر: AR-TAFSIR-AL-WASIT

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۚ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ

📘 افتتحت سورة " فاطر " كما سبق أن ذركنا عند تفسيرنا لسورة " سبأ " بتقرير الحقيقة الأولى فى كل دين ، وهى أن المستحق للحمد المطلق ، والثناء الكامل ، هو الله رب العالمين .و " أل " فى الحمد للاستغراق . بمعنى أن المستحق لجميع المحامد ، ولكافة ألوان الثناء هو الله - تعالى - .وقوله : ( فَاطِرِ السماوات والأرض ) أى خالقهما وموجدهما على غير مثال يحتذى ، إذ لامراد بالفطر هنا : والاختراع للشئ الذى لم يوجد ما يشبهه من قبل .قال القرطبى : والفاطر : الخالق ، والفَطْر - بفتح الفاء - : الشق عن الشئ . يقال فطرته فانفطر . ومنه : فطر ناب البعير ، أى : وتفطر الشئ ، أى : تشقق . .والفطر : الابتداء والاختراع . قال ابن عباس : كنت لا أدرى ما ( فَاطِرِ السماوات والأرض ) حتى أتى أعرابيان يختصمان فى بئر ، فقال أحدهما : أنا فطرتهما ، أى : أنا ابتدأتها . .والمراد بذكر السماوات والأرض : العالم كله . ونبه بهذا على أن من قدر على الابتداء ، قادر على الإِعادة .والمعنى : الحمد المطلق والثناء التام الكامل لله - تعالى - وحده ، فهو - سبحانه الخالق للسموات والأرض ، ولهذا الكون بأسره ، دون أن يسبقه إلى ذلك سابق ، أو يشاركه فيما خلق وأوجد مشارك .وقوله - تعالى - : ( جَاعِلِ الملائكة رُسُلاً أولي أَجْنِحَةٍ مثنى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ ) بيان لمظهر آخر من مظاهر قدرته - تعالى - التى لا يعجزها شئ .والملائكة : جمع ملك . والتاء لتأنيث الجمع ، وأصله ملاك . وهم جند من خلق الله - تعالى - وقد وصفهم - سبحانه - بصفات متعددة ، منها : أنهم ( يُسَبِّحُونَ الليل والنهار لاَ يَفْتُرُونَ ) وأنهم ( عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ ) ( لاَّ يَعْصُونَ الله مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) قال الجمل : وقوله : جاعل الملائكة ، أى : بعضهم . إذ ليس كلهم رسلا كما هو معلوم . وقوله : ( أولي أَجْنِحَةٍ ) نعت لقوله ( رُسُلاً ) ، وهو جيد لفظا لتوافقهما تنكيرا . أو هو نعت للملائكة ، وهو جيد معنى إذ كل الملائكة لها أجنحة ، فهى صفة كاشفة . .وقوله : ( مثنى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ ) أسماء معدول بها عن اثنين اثنين ، وثلاثة ثلاثة ، وأربعة أربعة ، وهى ممنوعة من الصرف ، للوصفية والعدل عن المكرر وهى صفة لأجنحة .أى : الحمد لله الذى خلق السماوات والأرض بقدرته ، والذى جعل الملائكة رسلا إلى أنبيائه . وإلى من يشاء من عباده ، ليبلغوهم ما يأمرهم - سبحانه - بتبليغه إليهم . .وهؤلاء الملائكة المكرمون ، ذوو أجنحة عديدة ، ذوو أجنحة عديدة . منهم من له جناحان ومنهم من له ثلاثة ، ومنهم من له أربعة ، ومنهم من له أكثر من ذلك ، لأن المراد بهذا الوصف ، بيان كثرة الأجنحة لا حصرها .قال الآلوسى ما ملخصه قوله : ( جَاعِلِ الملائكة رُسُلاً . . . ) معناه : جاعل الملائكة وسائط بينه وبين أنبيائه والصالحين من عباده ، يبلغون إليهم رسالته بالوحى والإِلهام والرؤيا الصادقة ، أو جاعلهم وسائط بينه وبين خلقه يوصلون إليهم آثار قدرته وصنعه ، كالأمطار والرياح وغيرهما .وقوله : ( مثنى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ ) معناه : أن من الملائكة من له جناحان ومنهم من له ثلاثة ، ومنهم من له أربعة ، ولا دلالة فى الآية على نفى الزائد ، وما ذكر من عد للدلالة على التكثير والتفاوت ، لا للتعيين ولا لنفى النصان عن اثنين . .فقد أخرج الشيخان عن ابن مسعود فى قوله - تعالى - ( لَقَدْ رأى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الكبرى ) أن الرسول صلى الله عليه سولم رأى جبريل وله ستمائة جناح . .وقوله - تعالى - : ( يَزِيدُ فِي الخلق مَا يَشَآءُ ) استئناف مقرر لمضمون ما قبله ، من كمال قدرته ، ونفاذ إرادته .أى يزيد - سبحانه - فى خلق كل ما يزيد خلقه ما يشاء أن يزيده من الأمور التى لا يحيط بها الوصف ، ومن ذلك أجنحة الملائكة فيزيد فيها ما يشاء ، وكذلك ينقص فى الخلق ما يشاء ، والكل جاء على مقتضى الحكمة والتدبير .قال صاحب الكشاف : قوله ( يَزِيدُ فِي الخلق مَا يَشَآءُ ) أى : يزيد فى خلق الأجنحة ، وفى غيره ما تقتضيه مشيئته وحكمته .والآية مطلقة تتناول كل زيادة فى الخلق : من طول قامة ، واعتدال صورة ، وتمام الأعضاء ، وقوة فى البطش ، وحصافة فى العقل ، وجزالة فى الرأى ، وجرأة فى القلب ، وسماحة فى النفس ، وذلاقة فى اللسان ، ولباقة فى التكلم ، وحسن تأن فى مزاولة الأمور ، وما أشبه ذلك مما لا يحيط به الوصف . .ثم ختم - سبحانه - الآية الكريمة بقولهك ( إِنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) أى : إن الله - تعالى - لا يعجزه شيئ يريده ، لأنه قدير على فعل كل شئ ، فالجملة الكريمة تعليل لما قبلها من كونه - سبحانه - يزيد فى الخلق ما يشاء ، وينقص منه ما يشاء .

مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا ۚ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ۚ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ۖ وَمَكْرُ أُولَٰئِكَ هُوَ يَبُورُ

📘 ثم بين - سبحانه - أن العزة الكاملة إنما هى لله - تعالى - وحده فقال : ( مَن كَانَ يُرِيدُ العزة فَلِلَّهِ العزة جَمِيعاً . . . ) .والمراد بالعزة : الشرف والمنعة والاستعلاء ، من قولهم : أرض عَزاز ، أى : صلبة قوية . و ( مَن ) شرطية ، وجواب الشرط محذوف . وقوله : ( فَلِلَّهِ العزة جَمِيعاً ) تعليل للجواب المحذوف .والمعنى من كان من الناس يريد العزة التى لا ذلة معها . فليطع الله وليعتمد عليه وحده فالله - تعالى - العزة كلها فى الدنيا والآخرة ، وليس لغيره منها شئ .وفى هذا رد على المشركين وغيرهم من يطلبون العزة من الأصنام أو من غيرها من المخلوقات قال - تعالى - : ( واتخذوا مِن دُونِ الله آلِهَةً لِّيَكُونُواْ لَهُمْ عِزّاً كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً ) وقال - سبحانه - : ( الذين يَتَّخِذُونَ الكافرين أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ المؤمنين أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ العزة فَإِنَّ العزة للَّهِ جَمِيعاً ) قال القرطبى ما ملخصه : يريد - سبحانه فى هذه الآية ، أن ينبه ذوى الأقدار والهمم ، من يان تنال العزة ومن أين تستحق ، فمن طلب العزة من الله - تعالى وجدها عنده ، - إن شاء الله - ، غير ممنوعة ولا محجوبة عنه . . ومن طلبها من غيره وكلَه إلى من طلبها عنده . وقال صلى الله عليه وسلم مفسرا لهذه الآية : " من أراد عز الدارين فليطع العزيز " ، ولقد أحسن القائل :وإذا تذللت الرقاب تواضعا ... منا إليك فعزها فى ذلهافمن كان يريد العزة لينال الفوز الأكبر ، فليعتز بالله - تعالى - ، فإن منا عتز بغير الله ، أذله الله ، ومن اعتز به - سبحانه أعزه .ولا تنافى بين هذه الآية وبين قوله - تعالى - : ( وَلِلَّهِ العزة وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ولكن المنافقين لاَ يَعْلَمُونَ ) لأن العزة الكاملة لله - تعالى - وحده ، أما عزة الرسول صلى الله عليه وسلم فمستمدة من قربه من الله - تعالى - ، كما أن عزة المؤمنين مستمدة من إيمانهم بالله - تعالى - وبرسوله صلى الله عليه وسلم .والخلاصة أن هذه الآية الكريمة ترشد المؤمنين إلى الطريق الذى يوصلهم إلى السعادة الدنيوية والأخروية . ألا وهو طاعة الله - تعالى - ، والاعتماد عليه والاعتزاز به .وقوله - سبحانه - : ( إِلَيْهِ يَصْعَدُ الكلم الطيب والعمل الصالح يَرْفَعُهُ ) حض لمؤمنين على النطق بالكلام الحسن ، وعلى الإِكثار من العمل الصالح .و ( يَصْعَدُ ) من الصعود بمعنى الارتفاع إلى أعلى والعروج من مكان منخفض إلى مكان مرتفع . يقال صعد فى السلم ويصعد صعودا إذا ارتقاه وارتفع فيه .و ( الكلم ) اسم جنس جمعى واحده كلمة .والمراد بالكلمة الطيب : كل كلام يرضى الله - تعالى - من تسبيح وتحميد وتكبيره . وأمره بالمعروف ، ونهى عن المنكر ، وغير ذلك من الأقوال الحسنة .والمراد بصعوده : قبوله عند الله - تعالى - ورضاه عن صاحبه ، أو صعود صحائف هذه الأقوال الطيبة .والمعنى : إليه - تعالى - وحده ، لا إلى غيره يصعد الكلم الطيب ، أى : يقبل عنده ، ويكون مرضيا لديه ، أو إليه - وحده - ترفع صحائف أعمال عباده ، الصادقين فيجازيهم بما يستحقون من ثواب ، والعمل الصالح الصادر عن عباده المؤمنين يرفعه الله - تعالى - إليه ، ويقبله منهم ، ويكافئهم عليه .فالفاعل لقوله ( يَرْفَعُهُ ) ضمير يعود على الله - تعالى - العمل الصالح إليه ، ويقبله من أصحابه .ومنهم من يرى أن الفاعل لقوله ( يَرْفَعُهُ ) هو العمل الصالح . والضمير المنصوب يعود إلى الكلم الطيب . أى : أن العمل الصالح هو الذى يرفع الكلم الطيب . بأنه يجعله مقبولا عند الله - تعالى - .ومنهم من يرى العكس . أى : أن الكلم الطيب هو الذى يرفع العمل الصالح .قال الشوكانى ما ملخصه : ومعنى : ( والعمل الصالح يَرْفَعُهُ ) أن العمل الصالح يرفع الكلم الطيب . كما قال الحسن وغيره . ووجهه أنه لا يقبل الكلم الطيب إلا من العمل الصلاح وقيل : إن فاعل ( يَرْفَعُهُ ) هو الكلم الطيب ، ومفعوله العمل الصالح . ووجه أن العمل الصالح لا يقبل إلا مع التوحيد والإِيمان وقيل : إن فاعل ( يَرْفَعُهُ ) ضمير يعود إلى الله - تعالى - .والمعنى : أن الله - تعالى - يرفع العمل الصلاح على الكلم الطيب ، لأن العمل يحقق الكلام . وقيل : العمل الصالح هو الذى يرفع صاحبه .ويبدو لنا أن أرجح هذه الأقوال ، أن يكون الفاعل لقوله ( يَرْفَعُهُ ) هو الله - تعالى - ، وأن الضمير المنصوب عائد إلى العمل الصالح لأن الله - تعالى - هو الذى يقبل الأقوال الطيبة ، وهو - سبحانه - الذى يرفع الأعمال الصالحة ويقبلها عنده من عباده المؤمنين .ثم بين - تعالى - بعد ذلك سوء عاقبة الذين يمكرون السوء فقال : ( والذين يَمْكُرُونَ السيئات لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ ) .والمكر : التدبير المحكم . أو صرف غيرك عما يريده بحيلة . وهو مذموم إن تحرى به صاحبه الشر والسوء - كما فى الآية الكريمة ، ومحمود إن تحرى به صاحبه الخير والنفع و ( السيئات ) جمع سيئة وهى صفة لموصوف محذوف .وقوله ( يَبُورُ ) أى : يبطل ويفسد ، من البوار : يقال : بار المتاع بوارا إذا كسد وصار فى حكم الهالك .أى : والذين يمكرون المكرات السيئات من المشركين والمنافقين وأشباههم ، لهم عذاب شديد من الله - تعالى - ، ومكر أولئك الماكرين المفسدين ، مصيره إلى الفساد والخسران ، لأن المكر السيئ لا يحيق إلا بأهله .ويدخل فى هذا المكر السيئ ما فعله المشركون مع الرسول صلى الله عليه وسلم فى دار الندوة ، حيث بيتوا قتله ، ولكن الله - تعالى - نجاه من شرورهم ، كما دخل فيه غير ذلك من أقوالهم القبيحة ، وأفعالهم الذميمة ، ونياتهم الخبيثة .

وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا ۚ وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَىٰ وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ ۚ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ

📘 ثم ساق - سبحانه - بعد ذلك دليلا آخر على صحة البعث والنشور ، وعلى كمال قدرته - تعالى - فقال : ( والله خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ ) أى : خلقكم ابتداء فى ضمن خلق أبيكم آدم من تراب ( ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ) وأصلها الماء الصافى أو الماء القليل الذى يبقى فى الدلو أو القربة ، وجمعها : نطف ونطاف . يقال : نطفت القربة إذا قطرت .والمراد بها هنا : المنى الذى هو مادة التلقيح من الرجل للمرأة .( ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجاً ) أى : أصنافا ذكرانا وإناثا ، كما قال - تعالى - : ( أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً ) أو المراد : ثم جعلكم تتزاوجون ، فالرجل يتزوج المرأة ، والمرأة تتزوج الرجل . ( وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أنثى وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ ) أى : لا يحصل من الأنثى حمل ، كما لا يحصل منها وضع لما فى بطنها ، إلا والله - تعالى - عالم به علما تاما لأنه - سبحانه - لا يخفى عليه شئ .( وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ ) والمراد بالمعمر الشخص الذى يطيل الله - تعالى - عمره .والضمير فى قوله ( مِنْ عُمُرِهِ ) يعود إلى شخص آخر ، فيكون المعنى : ما يمد - سبحانه - فى عمر أحد من الناس ، ولا ينقص من عمر أحد آخر ، إلا وكل ذلك كائن وثابت فى كتاب عنده - تعالى - وهذا الكتاب هو اللوح المحفوظ ، أو صحائف أعمال العباد أو علم الله الأزلى .ومنهم من يرى أن الضمير فى قوله ( مِنْ عُمُرِهِ ) يعود إلى الشخص ذاته وهو المعمر فيكون المعنى : وما يمد الله - تعالى - فى عمر إنسان ، ولا ينقص من عمره بمضى أيام حياته ، إلا وكل ذلك ثابت فى علمه - سبحانه - .قال بعض العلماء : وقد أطال بعضهم الكلام فى ذلك ومحصله : أنه اختلف فى معنى ( مُّعَمَّرٍ ) فقيل : هو المزاد عمره بدليل ما يقابله من قوله ولا ينقص ، وقيل : المراد بقوله ( مُّعَمَّرٍ ) من يجعل له عمر . وهل هو شخص واحد أو شخصان؟فعلى رأى من قال بان المعمر ، هو من يجعل له عمر يكون شخصا واحدا بمعنى انه يكتب عمره مائة سنة - مثلا - ، ثم يكتب تحته مضى يوم ، مضى يومان ، وهكذا فكتابة الأصل هى التعمير . . والكتابة بعد ذلك هو النقص كما قيل :حياتك أنفاس تُعَدّ فكلما ... مضى نفس منها انتقصَت به جزءاوالضمير حينئذ راجع إلى المذكور . والمعمر على هذا هو الذى جعل الله - تعالى - له عمرا طال هذا العمر أو قصر .وعلى رأى من قال بأن المعمر هو من يزاد فى عمره ، يكون من ينقص فى عمره غير الذى يزاد فى عمره فهما شخصان . والضمير فى " عمره " على هذا الرأى يعود إلى شخص آخر ، إذ لا يكون المزيد فى عمره منقوصا من عمره . .وقد رجح ابن جرير - رحمه - الله الرأى الأول وهو أن الضمير فى قوله ( مِنْ عُمُرِهِ ) يعود إلى شخص آخر - فقال : وأولى التأويلين فى ذلك عندى بالصواب ، التأويل الأول ، وذلك أن ذلك هو أظهر معنييه ، وأشبههما بظاهر التنزيل .واسم الإِشارة فى قوله ( إِنَّ ذَلِكَ عَلَى الله يَسِيرٌ ) يعود إلى الخلق من تراب وما بعده .أى : إن ذلك الذى ذكرناه لكم من خلقكم من تراب ، ثم من نطفة . . يسيروهن على الله - تعالى - لأنه - سبحانه - لا يعجزه شئ على الإِطلاق .

وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَٰذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَٰذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ ۖ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا ۖ وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ

📘 ثم ذكر - سبحانه - نوعا آخر من أنواع بديع صنعه ، وعجيب قدرته ، فقال : ( وَمَا يَسْتَوِي البحران هذا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَآئِغٌ شَرَابُهُ وهذا مِلْحٌ أُجَاجٌ . . . ) .والماء العذب الفرات : هو الماء السائغ للشرب ، الذى يشعر الإِنسان عند شربه باللذة وهو ماء الأنهار . وسمى فراتا لأنه يفرت العطش ، أى : يقطعه ويزيله ويسكره .ولاماء الملح الأجاج : هو الشديد الملوحة والمرارة وهو ماء البحار . سمى أجاجا من الأجيج وهو تهلب النار ، لأن شربه يزيد العطشان عطشا وتعبا .قالوا : والآية الكريمة مثل للمؤمن والكافر . فالبحر العذب : مثل للمؤمن ، والبحر الملح : مثل للكافر .فكما أن البحرين اللذين أحدهما عذب فرات سائغ شرابه . والآخر ملح أجاج . لا يتساويان فى طعمهما ومذاقهما . وإن اشتركا فى بعض الفوائد - فكذلك المؤمن والكافر ، لا يتساويان فى الخاصية العظمى التى خلقا من أجلها ، وهى إخلاص العبادة لله الواحد القهار ، وإن اشتركا فى بعض الصفات الأخرى كالسخاء والشجاعة - لأن المؤمن استجاب لفطرته فآمن بالحق ، أما الكافر فقد عاند فطرته ، فاصر على الكفر .وقوله : ( وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً ) بيان لبعض النعم التى وهبها - سبحانه - لعباده من وجود البحرين .أى : ومن كل واحد منهما تأكلون لحماً طريا ، أى : غضا شهيا مفيداً لأجسادكم ، عن طريق ما تصطادونه منهما من أسماء وما يشبهها .قال بعض العلماء . وفى وصفه بالطراوة ، تنبيه إلى أن ينبغى المسارعة إلى أكله ، لأنه يسرع إليه الفاسد والتغيير . وقد أثبت الطب أن تناوله بعد ذهاب طراوته من أضر المأكولات فسبحان الخبير بشئون خلقه . .وفيه - أيضاً - إيماء إلى كمال قدرته - تعالى- حيث أوجد هذا اللحم الطرى النافع فى الماء الملح الأجاج الذى لا يشرب .وقد كره العلماء أكل الطافى منه على وجه الماء ، وهو الذى يموت حتف أنفه فى الماء فيطفو على وجهه ، لحديث جابر بن عبد الله ، عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ما نضب عنه الماء فكلوه . وما لفظ الماء فكلوه ، وما طفا - على وجه الماء -فلا تأكلوه " .فالمراد من ميتة البحر فى حديث : " هو الطهور ماؤه الحل ميتته " ما لفظه البحر لا مامات فيه من غير آفة .وقوله - تعالى - : ( وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا ) بيان لنعمة ثانية من النعم التى تصل إلى الناس عن طريق البحرين .والحلية - بكسر الحاء - : اسم لما يتجلى به الناس ، ويتزينون بلبسه ، وجمع حلية : حِلًى وحُلًى - بسكر الحاء وضمها - يقال : تحلت المراة إذا لبست الحلى .أى : ومن النعم التى تصل إليكم عن طريق البحرين ، استخراجكم منهما ما ينفعكم ، وما تتحلى به نساؤكم ، كاللؤلؤ والمرجان وغيرهما .والتعبير بقوله : ( وَتَسْتَخْرِجُونَ ) يشير إلى كثرة الإِخراج . فالسين والتاء للتأكيد . كما يشير بأن من الواجب على المسلمين ، أن يباشروا بأنفسهم استخراج ما فى البحرين من كنوز نافعة ، وأن لا يتركوا ذلك لأعدائهم .وأسند - سبحانه - لباس الحلية إلى ضمير جمع الذكرو ، فقال ( تَلْبَسُونَهَا ) على سبيل التغليب ، وإلا فإن هذه الحلية يلبسها النساء فى الأعم الأغلب من الأحوال .قال الآلوسى ما ملخصه : وقوله : ( تَلْبَسُونَهَا ) أى : تلبسها نساؤكم وأسند الفعل إلى ضمير الرجال ، لاختلاطهم بهن ، وكونهم متبوعين ، أو لأنهم سبب لتزينهن فإن النساء يتزين - فى الغالب - ليحسن فى أعين الرجال . .وقال بعض العلماء : وفى الآية دليل قرآن واضح على بطلان دعوى بعض العلماء من أن اللؤلؤ والمرجان ، لا يستخرجان إلا من البحر الملح خاصة .وقوله - تعالى - ( وَتَرَى الفلك فِيهِ مَوَاخِرَ ) بيان لنعمة ثالثة من نعمه - تعالى - عن طريق وجود البحار فى الأرض .وأصل المخر : الشق . يقال مخرت السفينة البحر إذا شقته وسارت بين أمواجه ، ومخر الماء الأرض إذا شقها .أى : وترى - أيها العاقل - ببصرك السفن فى كل من البحرين ( مَوَاخِرَ ) أى تشق الماء بمقدوماتها ، وتسرع السير فيه من جهة إلى جهة . .والضمير فى قوله ( فِيهِ ) يعود إلى البحر الملح ، لأن أمر الفلك فيه أعظم من أمرها فى البحر العذب ، وإن كانت السفن تجرى فى البحرين .ويجوز أن يكون الضمير فى قوله ( فِيهِ ) يعود إلى جنس البحر . أى : وترى السفن تشق كل بحر ، لتسير فيه من مكان إلى مكان . .واللام فى قوله - تعالى - : ( لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) متعلقة بمحذوف دل عليه الكلام السابق .أى : أوجدنا البحرين ، وسخرناهما لمنفعتكم ، لتطلبوا أرزاقكم فيهما ، وهذه الأرزاق هى من فضل الله - تعالى - عليكم ، ومن رحمته بكم ، ولعلكم بعد ذلك تشكروننا على آلائنا ونعمنا ، فإن من شكرنا زدناه من خيرنا وعطائنا .

يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ۚ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ ۚ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ

📘 ثم بين - سبحانه - نعما أخرى تتجلى فى الليل وفى النهار ، وفى الشمس والقمر ، فقال : ( يُولِجُ الليل فِي النهار وَيُولِجُ النهار فِي الليل وَسَخَّرَ الشمس والقمر كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى ) .أى : ومن مظاهر فضله عليكم ، ورحمته بكم ، أنه أوجد لكم الليل والهار بهذا النظام البديع ، بأن أدخل أحدهما فى الآخر ، وجعلهما متعاقبين ، مع زيادة أحدهما عن الآخر فى الزمان ، على حسب اختلاف المطالع ، والمغارب ، وأوجد - أيضا - بفضله ورحمته الشمس والقمر لمنعتكم ، وكل واحد منهما يسير بنظام بديع محكم ، إلى الأجل والوقت الذى حدده الله - تعالى - لانتهاء عمر هذه الدنيا .والإِشارة فى قوله : ( ذَلِكُمُ الله رَبُّكُمْ لَهُ الملك . . ) تعود إلى الخالق والموجد لتلك الكائنات العجيبة البديعة ، وهو الله - عز وجل - .أى : ذلكم الذى أوجد كل هذه المخلوقات لمنفعتكم ، هو الله - تعالى - ربكم وهو وحده الذى له ملك هذا الكون ، لا يشاركه فيه مشارك ، ولا ينازعه فى ملكيته منازع ( والذين تَدْعُونَ مِن دُونِهِ ) أى : والذين تعبدونهم من دون الله - تعالى - ، وتصفونهم بأنهم آلهة .( مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ ) والقطمير : القشرة البيضاء الرقيقة الملتفة على النواة .أو هو النقطة فى ظهر النواة ، ويضرب مثلاً لأقل شئ وأحقره .أى : والذين تعبدونهم من دون الله - تعالى - لا يملكون معه - سبحانه - شيئاً . ولو كان هذا الشئ فى نهاية القلة والحقارة والصغر ، كالنكتة التى تكون فى ظهر النواة .

إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ ۚ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ

📘 ثم أكد - سبحانه - هذا المعنى وقرره فقال : ( إِن تَدْعُوهُمْ لاَ يَسْمَعُواْ دُعَآءَكُمْ . . . ) .أى : إن هذه المعبودات الباطلة لا تملك من شئ مع الله - تعالى - ، بدليل أنكم إن تدعوهم لنفعكم ، لن يسمعوا دعاءكم ، وإن تستغيثوا بهم عند المصائب والنوائب ، لمن يلبوا استغاثتكم . .( وَلَوْ سَمِعُواْ ) على سبيل الفرض والتقدير ( مَا استجابوا لَكُمْ ) لأنهم لا قدرة لهم على هذه الاستجابة لعجزهم عن ذلك .( وَيَوْمَ القيامة ) الذى تتجلى فيه الحقائق ، وتنكشف الأمور ( يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ ) .أى : يتبرأون من عبادتكم لهم ، ومن إشراككم إياهم العبادة مع الله - تعالى - ، فضلاً عن عدم استجابتهم لكم إذا دعوتموهم لنصرتكم .( وَلاَ يُنَبِّئُكَ ) أى : ولا يخبرك بهذه الحقائق التى لا تقبل الشك أو الريب .( مِثْلُ خَبِيرٍ ) أى : مثل من هو خبير بأحوال النفوس وبظواهرها وببواطنها . وهو الله - عز وجل - فإنه - سبحانه - هو الذى يعلم السر وأخفى .وبهذا نرى الآيات الكريمة ، قد طوفت بنا فى ٍأرجاء هذا الكون ، وساقت لنا ألوانا من نعم الله - تعالى - على الناس ، كالرياح ، والسحاب ، والأمطار والبحار ، والليل والنهار ، والشمس والقمر . . وهى نعم تدل على وحدانية المنعم بها ، وعلى قدرته - عز وجل - وفى كل ذلك هداية إلى الحق لكل عبد منيب .

۞ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ

📘 ثم وجه - سبحانه - نداء ثالثاً إلى الناس ، نبههم فيه إلى فقرهم إليه - سبحانه - ، وإلى غناه عنهم ، وإلى مسئولية كل إنسان عن نفسه ، وإلى وظيفة الرسول صلى الله عليه وسلم الذى أرسله إليهم ، وإلى الفرق الشاسع بين الإِيمان والكفر ، وإلى سوء مصير المكذبين ، فقال - تعالى - : ( ياأيها الناس أَنتُمُ الفقرآء . . . فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ ) .وقوله - تعالى - : ( ياأيها الناس أَنتُمُ الفقرآء إِلَى الله . . . ) نداء منه - سبحانه - للناس ، يعرفهم فيه حقيقة أمرهم ، ولأنهم لا غنى لهم عن خالقهم - عز وجل - .أى : يأيها الناس أنتم المحتاجون إلى الله - تعالى - فى كل شئونكم الدنيوية والأخروية ( والله ) - تعالى - وحده هو الغنى ، عن كل مخلوق سواه ، وهو ( الحميد ) أى : المحمود من جميع الموجودات ، لأنه هو الخالق لكل شئ ، وهو المنعم عليكم وعلى غيركم بالنعم التى لا تحصى .قال صاحب الكشاف : فإن قلت : لم عرف الفقراء؟ قلت : قصد بذلك أن يريهم أنه لشدة افتقارهم إليه هم جنس الفقراء ، وإن كانت الخلائق كلهم مفترقين إليه من الناس وغيرهم ، لأن الفقر مما يتبع الضعف ، ولكما كان الفقير أضعف كان أفقر ، وقد شهد الله - سبحانه - على الإِنسان بالضعف فى قوله : ( وَخُلِقَ الإنسان ضَعِيفاً ) ولو نكر لكان المعنى : أنتم بعض الفقراء .وجمع - سبحانه - فى وصف ذاته بين الغنى والحميد ، للإِشعار بأنه - تعالى - بجانب غناه عن خلقه ، هو الذى يفيض عليهم من نعمه ، وهو الذى يعطيهم من خيره وفضله ، ما يجعلهم يحمدونه بألسنتهم وقلوبهم .قال الآلوسى : قوله ( الحميد ) أى : المنعم على جميع الموجودات ، المستحق بإنعامه للحمد ، وأصله المحمود ، وأريد به ذلك عن طريق الكناية ، ليناسب ذكره بعد فقرهم ، إذ الغنى لا ينفع الفقير إلا إذا كان جواداً منعماً ، ومثله مستحق للحمد ، وهذا كالتكميل لما قبله . .

إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ

📘 وقوله - سبحانه - : ( إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ ) بيان لمظهر من مظاهر غناه عن الناس .أى : إن يشأ - سبحانه - يهلككم ويزيكم من هذا الوجود ، ويأت بأقوام آخرين سواكم ، فوجودكم فى هذه الحياة متوقف على مشيئته وإرادته .

وَمَا ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ

📘 واسم الإِِشارة فى قوله ( وَمَا ذَلِكَ عَلَى الله بِعَزِيزٍ ) يعود على الإِذهاب بهم ، والإِتيان بغيرهم .وما ذلك الذى ذكرناه لكم من إفنائكم والإِتيان بغيركم ، بعزيز ، أى : بصعب أو عسير أو متنع على الله - تعالى - ، لأن قدرته - تعالى لا يعجزها شئ .

وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۚ وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَىٰ حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ ۗ إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ ۚ وَمَنْ تَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا يَتَزَكَّىٰ لِنَفْسِهِ ۚ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ

📘 ثم بين - سبحانه - أن كل نفس تتحمل نتائج أعمالها وحدها فقال : ( وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى ) .وقوله : ( تَزِرُ ) من الوزر بمعنى الحمل . يقال : فلان وزر هذا الشئ إذا حمله . وفعله من باب " وعد " ، وأكثر ما يكون استعمالاً فى حمل الآثم .وقوله ( وَازِرَةٌ ) : صفة لموصوف محذوف . أى : ولا تحمل نفس آثمة ، إثم نفس أخرى ، وإنما كل نفس مسئولة وحدها عن أفعالها وأقوالها التى باشرتها ، أو تسببت فيها .وقوله : ( وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إلى حِمْلِهَا لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قربى ) مؤكد لضممون ما قبله ، من مسئولية كل نفس عن أفعالها .وقوله : ( مُثْقَلَةٌ ) صفة لموصوف محذوف ، والمفعول محذوف - أيضاً - للعلم به .وقوله ( حِمْلِهَا ) أى : ما تحمله من الذنوب والآثام ، إذ الحمل - بكسر الحاء - ما يحمله الإِنسان من أمتعة على ظهره أو رأسه أو كتفه .والمعنى : لا تحمل نفس آثمة إثم نفس أخرى ، وإن تنطلب نفس مثقلة بالذنوب من نفس أخرى ، أن تحمل عنها شيئاً من ذنوبها التى أثقلتها ، لا تجد استجابة منها ، ولو كانت تلك النفس الأخرى من أقربائها وذوى رحمها .قال - تعالى - : ( ياأيها الناس اتقوا رَبَّكُمْ واخشوا يَوْماً لاَّ يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلاَ مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئاً . . . ) .وقال - سبحانه - : ( يَوْمَ يَفِرُّ المرء مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وصاحبته وَبَنِيهِ لِكُلِّ امرىء مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ) قال صاحب الكشاف : فإن قلت : هلا قيل : ولا تزر نفس وزر أخرى؟ قلت : لأن المعنى أن النفوس الوازرات لا ترى واحدة منهن إلا حاملة وزرها ، ولا وزر غيرها .فإن قلت : كيف توفق بين هذا ، وبين قوله : ( وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ ) قلت : تلك الآية فى الضالين المضلين ، وأنهم يحملون أثقال إضلالهم لغيرهم ، مع أثقالهم ، وذلك كله أوزارهم ، ما فيها شئ من وزر غيرهم .فإن قلت : فما الفرق بين معنى ( وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى ) وبين معنى : ( وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إلى حِمْلِهَا لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ . . ) ؟قلت : الأول فى الدلالة على عدل الله - تعالى - فى حكمه ، وأنه - تعالى - لا يؤاخذ نفساً بغير ذنبها .والثانى : فى أنه لا غياث يومئذ لمن استغاث . . وإن كان المستغاث به بعض قرابتها من أب أو ولد أو أخ . . فإن قلت : إلام أسند كان فى قوله ( وَلَوْ كَانَ ذَا قربى ) ؟ قلت : إلى المدعو المفهوم من قوله : ( وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ ) .فإن قلت : فلم ترك ذكر المدعو؟ قلت : " ليعم ويشمل كل مدعو " .وقوله - تعالى - : ( إِنَّمَا تُنذِرُ الذين يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بالغيب وَأَقَامُواْ الصلاة ) .كلام مستأنف مسوق لبيان من هم أهل للاتعاظ والاستجابة للحق .أى : أنت - أيها الرسول الكريم - إنما ينفع وعظك وإنذارك . أولئك العقلاء الذين يخشون ربهم - عز وجل - دون أن يروه ، أو يروا عذابه ، والذين يؤدون الصلاة فى مواقيتها بإخلاص وخشوع واطمئنان .ثم حض - سبحانه - على تزكية النفوس وتطهيرها فقال : ( وَمَن تزكى فَإِنَّمَا يتزكى لِنَفْسِهِ وَإِلَى الله المصير ) أى : ومن تظهر من دنس الكفر والفسوق والعصيان . وحض نفسه بالإِيمان ، والعمل الصالح ، والتوبة النصوح ، فإن ثمرة تطهره إنما تعود إلى نفسه وحدها ، وإليها يرجع الأجر والثواب ، والله - تعالى - إليه وحده مصير العباد لا إلى غيره .فالجملة الكريمة دعوة من الله - تعالى - للناس ، إلى تزيكة النفوس وتطهيرها من كل سوء ، بعد بيان أن كل نفس مسئولية وحدها عن نتائج أفعالها ، وأن أحداً لن يبلى طلب غيره فى أن يحمل شيئاً عنه من أوزاره .

وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ

📘 ثم ساق - سبحانه - أمثلة ، لبيان الفرق الشاسع بين المؤمن والكافر ، وبين الحق والباطل ، وبين العلم والجهل . . فقال - تعالى - : ( وَمَا يَسْتَوِي الأعمى والبصير وَلاَ الظلمات وَلاَ النور وَلاَ الظل وَلاَ الحرور وَمَا يَسْتَوِي الأحيآء وَلاَ الأموات . . . ) .والحرور : هو الريح الحارة التى تلفح الوجوه من شدة حرها ، فهو فعول من الحر .أى : وكما أنه لا يستوى فى عرف أى عاقل الأعمى والبصير ، كذلك لا يستوى الكافر والمؤمن ، وكما لا تصلح المساواة بين الظلمات والنور ، كذلك لا تصلح المساواة بين الكفر والإِيمان ، وكما لا يتاسوى المكان الظليل مع المكان الشديد الحرارة ، كذلك لا يستوى أصحاب الجنة وأصحاب النار .فأنت ترى أن الآيات الكريمة قد مثلت الكافر فى عدم اهتدائه بالأعمى ، والمؤمن بالبصير ، كما مثلت الكفر بالظمات والإِيمان بالنور ، والجنة بالظل الظليل ، والنار بالريح الحارة التى تشبه السموم .وكرر - سبحانه - لفظ ( لاَ ) أكثر من مرة ، لتأكيد نفى الاستواء ، بأية صورة من الصور .وقوله : ( وَمَا يَسْتَوِي الأحيآء وَلاَ الأموات ) تمثيل آخر للمؤمنين الذين استجابوا للحق ، وللكافرين الذين أصروا على باطلهم . أو هم تمثيل للعلماء والجهلاء قال الإِمام ابن كثير : يقول - تعالى - كما لا تستوى هذه الأشياء المتباينة المختلفة ، كالأعمى والبصير لا يستويان ، بل بينهما فرق وبون كثير ، وكما لا تستوى الظلمات ولا النور ، ولا الظل ولا الحرور ، كذلك لا يستوى الأحياء ولا الأموات . وهذا مثل ضربه الله للمؤمنين الأحياء ، وللكافرين وهم الأموات ، كقوله - تعالى - : ( أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي الناس كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظلمات لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا . . . ) وقال - تعالى - : ( مَثَلُ الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً ) فالمؤمن سميع بصير فى نور يمشى . . والكافر أعمى وأصم ، فى ظلمات يمشى ، ولا خروج له منها ، حتى يفضى به ذلك إلى الحرور والسموم والحميم . .

مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا ۖ وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ

📘 وقوله - تعالى - : ( مَّا يَفْتَحِ الله لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا . . ) بيان لمظهر آخر من مظاهر قدرته وفضله على عباده .والمراد بالفتح هنا : الإِطلاق والإِرسال على سبيل المجاز . بعلاقة السببية لأن فتح الشئ المغلق ، سبب لإطلاق ما فيه إرساله .أى : ما يرسل الله - تعالى - بفضله وإحسانه للناس من رحمة متمثلة فى الأمطار ، وفى الأرزاق ، وفى الصحة . . وفى غير ذلك ، فلا أحد يقدر على معها عنهم .( وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ ) أى : وما يمسك من شئ لا يريد إعطاءه لهم ، فلا أحد من الخلق يستطيع إرساله لهم . بد أن منعه الله - تعالى - عنهم .( وَهُوَ ) - سبحانه - ( العزيز ) الذى لا يغلبه غالب ( الحكيم ) فى كل أقواله وأفعاله .وعبر - سبحانه - فى جانب الرحمة بالفتح ، للإِشعار بأن رحمته - سبحانه - من أعظم النعم وأعلاها ، حتى لكأنها بمنزلة الخزائن المليئة بالخيرات ، والتى متى فتحت أصاب الناس منها ما أصابوا من نفع وبر .و ( مِن ) فى قوله ( مِن رَّحْمَةٍ ) للبيان . وجاء الضمير فى قوله : ( فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا ) مؤنثا ، لأنه يعود إليه وحدها .وجاء مذكرا فى قوله ( فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ ) لأنه يشملها ويشمل غيرها ، أى : وما يسمك من رحمة أو غيرها عن عباده فلا يستطيع أحد أن يرسل ما أمسكه - سبحانه - .وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - : ( وَإِن يَمْسَسْكَ الله بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ . . . ) وقوله - سبحانه - : ( وَإِن يَمْسَسْكَ الله بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ ) قال ابن كثير : وثبت فى صحيح مسلم عن أبى سعيد الخدرى . " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع راسه من الركوع يقول : سمع الله لمن حمده . اللهم ربنا لك الحمد . ملئ السماوات والأرض . وملئ ما شئت من شئ بعد . . اللهم لا مانع لما أعطيت . ولا معطى لما منعت . . ولا ينفع ذا الجد منك الجد - أى : ولا ينفع صاحب الغنى غناه وإنما الذى ينفعه عمله الصالح " .

وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ

📘 ثم ساق - سبحانه - أمثلة ، لبيان الفرق الشاسع بين المؤمن والكافر ، وبين الحق والباطل ، وبين العلم والجهل . . فقال - تعالى - : ( وَمَا يَسْتَوِي الأعمى والبصير وَلاَ الظلمات وَلاَ النور وَلاَ الظل وَلاَ الحرور وَمَا يَسْتَوِي الأحيآء وَلاَ الأموات . . . ) .والحرور : هو الريح الحارة التى تلفح الوجوه من شدة حرها ، فهو فعول من الحر .أى : وكما أنه لا يستوى فى عرف أى عاقل الأعمى والبصير ، كذلك لا يستوى الكافر والمؤمن ، وكما لا تصلح المساواة بين الظلمات والنور ، كذلك لا تصلح المساواة بين الكفر والإِيمان ، وكما لا يتاسوى المكان الظليل مع المكان الشديد الحرارة ، كذلك لا يستوى أصحاب الجنة وأصحاب النار .فأنت ترى أن الآيات الكريمة قد مثلت الكافر فى عدم اهتدائه بالأعمى ، والمؤمن بالبصير ، كما مثلت الكفر بالظمات والإِيمان بالنور ، والجنة بالظل الظليل ، والنار بالريح الحارة التى تشبه السموم .وكرر - سبحانه - لفظ ( لاَ ) أكثر من مرة ، لتأكيد نفى الاستواء ، بأية صورة من الصور .وقوله : ( وَمَا يَسْتَوِي الأحيآء وَلاَ الأموات ) تمثيل آخر للمؤمنين الذين استجابوا للحق ، وللكافرين الذين أصروا على باطلهم . أو هم تمثيل للعلماء والجهلاء قال الإِمام ابن كثير : يقول - تعالى - كما لا تستوى هذه الأشياء المتباينة المختلفة ، كالأعمى والبصير لا يستويان ، بل بينهما فرق وبون كثير ، وكما لا تستوى الظلمات ولا النور ، ولا الظل ولا الحرور ، كذلك لا يستوى الأحياء ولا الأموات . وهذا مثل ضربه الله للمؤمنين الأحياء ، وللكافرين وهم الأموات ، كقوله - تعالى - : ( أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي الناس كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظلمات لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا . . . ) وقال - تعالى - : ( مَثَلُ الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً ) فالمؤمن سميع بصير فى نور يمشى . . والكافر أعمى وأصم ، فى ظلمات يمشى ، ولا خروج له منها ، حتى يفضى به ذلك إلى الحرور والسموم والحميم . .

وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ

📘 ثم ساق - سبحانه - أمثلة ، لبيان الفرق الشاسع بين المؤمن والكافر ، وبين الحق والباطل ، وبين العلم والجهل . . فقال - تعالى - : ( وَمَا يَسْتَوِي الأعمى والبصير وَلاَ الظلمات وَلاَ النور وَلاَ الظل وَلاَ الحرور وَمَا يَسْتَوِي الأحيآء وَلاَ الأموات . . . ) .والحرور : هو الريح الحارة التى تلفح الوجوه من شدة حرها ، فهو فعول من الحر .أى : وكما أنه لا يستوى فى عرف أى عاقل الأعمى والبصير ، كذلك لا يستوى الكافر والمؤمن ، وكما لا تصلح المساواة بين الظلمات والنور ، كذلك لا تصلح المساواة بين الكفر والإِيمان ، وكما لا يتاسوى المكان الظليل مع المكان الشديد الحرارة ، كذلك لا يستوى أصحاب الجنة وأصحاب النار .فأنت ترى أن الآيات الكريمة قد مثلت الكافر فى عدم اهتدائه بالأعمى ، والمؤمن بالبصير ، كما مثلت الكفر بالظمات والإِيمان بالنور ، والجنة بالظل الظليل ، والنار بالريح الحارة التى تشبه السموم .وكرر - سبحانه - لفظ ( لاَ ) أكثر من مرة ، لتأكيد نفى الاستواء ، بأية صورة من الصور .وقوله : ( وَمَا يَسْتَوِي الأحيآء وَلاَ الأموات ) تمثيل آخر للمؤمنين الذين استجابوا للحق ، وللكافرين الذين أصروا على باطلهم . أو هم تمثيل للعلماء والجهلاء قال الإِمام ابن كثير : يقول - تعالى - كما لا تستوى هذه الأشياء المتباينة المختلفة ، كالأعمى والبصير لا يستويان ، بل بينهما فرق وبون كثير ، وكما لا تستوى الظلمات ولا النور ، ولا الظل ولا الحرور ، كذلك لا يستوى الأحياء ولا الأموات . وهذا مثل ضربه الله للمؤمنين الأحياء ، وللكافرين وهم الأموات ، كقوله - تعالى - : ( أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي الناس كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظلمات لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا . . . ) وقال - تعالى - : ( مَثَلُ الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً ) فالمؤمن سميع بصير فى نور يمشى . . والكافر أعمى وأصم ، فى ظلمات يمشى ، ولا خروج له منها ، حتى يفضى به ذلك إلى الحرور والسموم والحميم . .

وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ ۖ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ

📘 وقوله - تعالى - : ( إِنَّ الله يُسْمِعُ مَن يَشَآءُ وَمَآ أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي القبور ) بيان لنفاذ قدرة الله - تعالى - ، ومشيئته .أى : إن الله - تعالى - يسمع من يشاء أن يسمعه ، ويجعله مدركاً للحق ، ومستجيباً له أما أ ، ت - أيها الرسول الكريم - فليس فى استطاعتك أن تسمع هؤلاء الكافرين المصرين على كفرهم وباطلهم ، والذين هم أشبه ما يكونون بالموتى فى فقدان الحس ، وفى عدم السماع لما تدعوهم إليه .فالجملة الكريمة تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم عما أصابه من هؤلاء الجاحدين .

إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ

📘 ثم حدد الله - تعالى - لنبيه صلى الله عليه وسلم وظيفته فقال : ( إِنْ أَنتَ إِلاَّ نَذِيرٌ ) .أى : ما أنت - أيها الرسول الكريم - إلا منذر للناس من حلول عذاب الله - تعالى - بهم ، إذا ما استمروا على كفرهم ، أما الهداية والضلال فهما بيد الله - تعالى - وحده .

إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ۚ وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ

📘 ( إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ ) - أيها الرسول الكريم - إرسالاً ملتبساً ( بالحق ) الذى لا يحوم حوله الباطل ( بَشِيراً وَنَذِيراً ) أى : أرسلناك بالحق مبشراً المؤمنين بحسن الثواب ، ومنذراً الكافرين بأشد ألوان العقاب .( وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ ) أى : وما من أمة من الأمم الماضية ، وإلا وجاءها نذير ينذرها من سوء عاقبة الكفر ، ويدعوها إلى إخلاص العبادة لله - تعالى - .فمن أفراد هذه الأمة من أطاعوا هذا النذير فسعدوا وفازوا ، ومنهم من استحب العمى على الهدى ، والكفر على الإِيمان فشقوا وخابوا .

وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ

📘 ثم أضاف - سبحانه - إلى تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم تسلية أخرى فقال : ( وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الذين مِن قَبْلِهِمْ . . . ) .أى : وإن يكذبك قومك يا محمد فلا تحزن ، فإن الأقوام السابقين قد كذبوا إخوانك الين أرسلسناهم إليهم ، كما كذبك قومك .وإن هؤلاء السابقين قد ( جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بالبينات ) أى : بالمعجزات الواضحات ( وبالزبر ) أى : وبالكتب المنزلة من عند الله - تعالى - جمع زبور وهو المكتوب ، كصحف إبراهيم وموسى .( وبالكتاب المنير ) أى : وبالكتاب الساطع فى براهينه وحججه ، كالتوراة التى أنزلناها على موسى ، والإِنجيل الذى أنزلناه على عيسى .قال الشوكانى : قيل : الكتاب المنير داخل تحت الزبر ، وتحت البينات ، والعطف لتغير المفهومات ، وإن كانت متحدة فى الصدق . والأولى تخصيص البينات بالمعجزات . والزبر بالكتب التى فيها مواعظ ، والكتاب بما فيه شرائع وأحكام .

ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا ۖ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ

📘 ( ثُمَّ أَخَذْتُ الذين كَفَرُواْ ) بالعذاب الشديد ، بسبب إصراهم على كفرم ، وتكذيبهم لرسلهم .ووضع الظاهر موضع ضميرهم ، لذمهم وللأشعار بعلة الأخذ .والاستفهام فى قوله - تعالى - ( فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ ) للتهويل . أى : فانظر - أيها العاقل - كيف كان إنكارى عليهم ، لقد كان إنكاراً مصحوباً بالعذاب الأليم الذى درمهم تدميراً ، واستأصلهم عن آخرهم .

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا ۚ وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ

📘 ثم ذكر - سبحانه - بعد ذلك أدلة أخرى على عظيم قدرته . وبين من هم أولى الناس بخشيته ، ومدح الذين يكثرون من تلاوة كتابه ، ويحافظون على أداء فرائضه ، ووعدهم على ذلك بالأجر الجزيل فقال - تعالى - : ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله أنزَلَ . . . بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ ) .والاستفهام فى قوله - تعالى - : ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله أنزَلَ مِنَ السمآء مَآءً ) . .لتقرير ما قبله ، من أن اختلاف الناس فى عقائدهم وأحوالهم أمر مطرد ، وأن هذا الاختلاف موجود حتى فى الحيوان والحجارة والنبات . .قال الآلوسى ما ملخصه : قوله - تعالى - : ( أَلَمْ تَرَ . . ) هذه الكلمة قد تذكر لمن تقدم علمه فتكون للتعجب ، وقد تذكر لمن لا يكون كذلك ، فتكون لتعريفه وتعجيبه ، وقد اشتهرت فى ذلك أجريت مجرى المثل فى هذا الباب ، بأن شبه من لم ير الشئ ، بحال من رآه . فى أنه لا ينبغى أن يخيفى عليه ، ثم أجرى الكلام معه . كما يجرى مع من رأى ، قصداً إلى المبالغة فى شهرته . .والخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم ، أو لكل من يتأتى له الخطاب ، بتقرير دليل من أدلة القدرة الباهرة .والمعنى : لقد علمت - أيها العاقل - علماً لا يخالطه شك ، أن الله - تعالى - أنزل من السماء ماء كثيراً ، فأخرج بسببه من الأرض ، ثمرات مختلفاً ألوانها . فبعضها أحمر ، وبعضها أصفر ، وبعضها أخضر . . وبعضها حلو المذاق ، وبعضها ليس كذلك ، مع أنها جميعاً تسقى بماء واحد ، كما قال - تعالى - : ( وَفِي الأرض قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يسقى بِمَآءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا على بَعْضٍ فِي الأكل إِنَّ فِي ذلك لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) وجاء قوله ( فَأَخْرَجْنَا ) على أسلوب الالتفات من الغيبة إلى التكلم ، لإِظهار كمال الاعتناء بالفعل لما فيه من الصنع البديع المنبئ عن كمال القدرة والحكمة ، ولأن المنة بالإِخراج أبلغ من إنزال الماء .وقوله ( مُّخْتَلِفاً ) صفة لثمرات ، وقوله ( َلْوَانُهَا ) فاعل به .وقوله - تعالى - : ( وَمِنَ الجبال جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ ) معطوف على ما قبله ، لبيان مظهر آخر من مظاهر قدرته - عز وجل .قال القرطبى ما ملخصه : " الجدد جمع جُدَّة - بضم الجيم - وهى الطرائق المختلفة الألوان " . . والجُدَّة : الخطة التى فى ظهر الحمار تخالف لونه . والجدة : الطريق والجمع جدد . . أى : طارئق تخاف لون الجبل ، ومنه قولهم : ركب فلان جُدَّة من الأمر ، إذا رأى فيه رأيا .وغرابيب : جمع غربيب ، وهو الشئ السواد ، والعرب تقول للشئ الشديد السواد ، أسود غربيب .وقوله : ( سُودٌ ) بدل من ( وَغَرَابِيبُ ) .أى : أنزلنا من السماء ماء أخرجنا به ثمرات مختلفاً ألوانها ، وجعلنا بقدرتنا من الجبال قطعاً ذات ألوان مختلفة ، فمنها الأبيض ، ومنها الأحمر ، ومنها ما هو شديد السواد ، ومنها ما ليس كذلك ، مما يدل على عظيم قدرتنا . وبديع صنعنا . .

وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَٰلِكَ ۗ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ

📘 ثم بين - سبحانه - أن هذا الاختلاف ليس مقصوراً على الجبال فقال : ( وَمِنَ الناس والدوآب والأنعام مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ .. . ) .وقوله : ( مُخْتَلِفٌ ) صفة لموصوف محذوف . وقوله ( كَذَلِكَ ) صفة - أيضاً - لمصدر محذوف ، معمول لمخلتف .أى : ليس اختلاف الألوان مقصوراً على قطع الجبال وطرقها وأجزائها ، بل - أيضاً - من الناس والدواب والأنعام ، أصناف وأنواع مختلفة ألوانها اختلافاً ، كذلك الاختلاف الكائن فى قطع الجبال ، وفى أنواع الثمار .وإنما ذكر - سبحانه - هنا اختلاف الألوان فى هذه الأشياء ، لأن هذا الاختلاف من اعظم الأدلة على قدرة الله - تعالى - وعلى بديع صنعه .ثم بين - سبحانه - هنا اختلاف الألوان فى هذه الأشياء ، لأن هذا الاختلاف من أعظم الأدلة على قدرة الله - تعالى - وعلى بديع صنعه .ثم بين - سبحانه - أولى الناس بخشية فقال : ( إِنَّمَا يَخْشَى الله مِنْ عِبَادِهِ العلماء ) أى : إنما يخاف الله - تعالى - ويخشاه ، العالمون بما يليق بذاته وصفاته ، من تقديس وطاعة وإخلاص فى العبادة ، أما الجاهلون بذاته وصفاته - تعالى - ، فلا يخشونه ولا يخافون عقابه ، لانطماس بصائرهم ، واستحوذ الشيطان عليهم ، وكفى بهذه الجملة الكريمة مدحاً للعلماء ، حيث قصر - سبحانه - خشيته عليهم .قال صاحب الكشاف : فإن قلت : هل يختلف المعنى إذا قدم المفعول فى هذا الكلام أو أخر؟ قلت : لا بد من ذلك ، فإنك إذا قدمت اسم الله ، وأخرت العلماء ، كان المعنى . إن الذين يخشون الله من عباده هم العلماء دون غيرهم ، وإذا علمت على العكس انقلب المعنى إلى أنهم لا يخشون إلا الله ، كقوله - تعالى - : ( وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ الله ) وهما معنيان مختلفان .فإن قلت : ما وجه اتصال هذا الكلام بما قبله؟قلت : لما قال ( أَلَمْ تَرَ ) بمعنى ألم تعلم أن الله أنزل من السماء ماء ، وعدد آيات الله ، وأعلام قدرته ، وآثار صنعته . . أتبع ذلك بقوله : ( إِنَّمَا يَخْشَى الله مِنْ عِبَادِهِ العلماء ) كأنه قال : إنما يخشاه مثلك ومن على صفتك ممن عرفه حق معرفته ، وعلمه كنه علمه .وعن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أنا أرجو أن أكون أتقاكم لله وأعلمكم به " .وقوله : ( إِنَّ الله عَزِيزٌ غَفُورٌ ) تعليل لوجوب الخشية ، لدلالته على أنه يعاقب على المعصية ، ويغفر الذنوب لمن تاب من عباده توبة نصوحاً .

إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ

📘 ثم مدح - سبحانه - المكثرون من تلاوة كتابه ، المحافظين على أداء فرائضه فقال : ( إِنَّ الذين يَتْلُونَ كِتَابَ الله . . . ) .أى : إن الذين يداومون على قراءة القرآن الكريم بتدبر لمعانيه ، وعمل بتوجيهاته ، ( وَأَقَامُواْ الصلاة ) بأن أدوها فى مواقيتها بخشوع وإخلاص .( وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً ) أى : وبذلوا مما رزقناكم من خيرات ، تارة فى السر وتارة فى العلانية .وجملة ( يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ ) فى محل رفع خبر إن . والمراد بالتجارة : ثواب الله - تعالى - ومغفرته .وقوله : ( تَبُورَ ) بمعنى تكسد وتهلك .يقال : بار الشئ يبور بورا وبوارا ، إذا هلك وكسد .أى : هؤلاء الذين يكثرون من قراءة القرآن الكريم ، ويؤدون ما أوجبه الله - تعالى - عليهم ، يرجون من الله - تعالى الثواب الجزيل ، والربح الدائم ، لأنهم جمعوا فى طاعتهم له - تعالى - بين الإِكثار من ذكره ، وبين العبادات البدنية والمالية .

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ۚ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ۚ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ

📘 ثم وجه - سبحانه - نداء الى الناس . أمرهم فيه بذكره وشكره فقال : ( ياأيها الناس اذكروا نِعْمَتَ الله عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ الله يَرْزُقُكُمْ مِّنَ السمآء والأرض ) .والمراد من ذكر النعمة : ذكرها باللسان وبالقلب ، وشكر الله تعالى عليها ، واستعمالها فيما خلقت له .والمراد بالنعمة هنا : النعم الكثيرة التى أنعم بها - سبحانه - على الناس . كنعمة خلقهم ، ورزقهم ، وتسخير كثير من الكائنات لهم .والاستفهام فى قوله : ( هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ الله يَرْزُقُكُمْ ) للنفى والإِنكار ، أى : يأيها الناس اذكروا بألسنتكم وقلوبكم ، نعم الله - تعالى - عليكم ، واشكروه عليها . واستعملوها فى الوجوه التى أمركم باستعمالها فيها ، واعلموا أنه لا خالق غير الله - تعالى يرزقكم من السماء بالمطر وغيره ، ويرزقكم من الأرض بالنبات والزروع والثمار وما يشبه ذلك من الأرزاق التى فيها حياتكم وبقاؤكم .وقوله - تعالى - ( لاَ إله إِلاَّ هُوَ ) جملة مستأنفة لتقرير النفى المستفاد مما قبله أى : لا إله مستحق للعبادة والطاعة إلا الله - تعالى - ، إذ هو الخالق لكم ، وهو الذى أعطاكم النعم التى لا تعد ولا تحصى .( فأنى تُؤْفَكُونَ ) أى : وما دام الأمر كذلك : فكيف تصرفون عن إخلاص العبادة لخالقكم ورازقكم ، إلى الشرك فى عبادته .فقوله ( تُؤْفَكُونَ ) من الأفك - بالفتح - بمعنى الصرف والقلب يقال : أفكه عن الشئ ، إذا صرفه عنه ، ومنه قوله - تعالى - : ( قالوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا . . ) أى : لتصرفنا عما وجدنا عليه آباءنا .

لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ ۚ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ

📘 واللام فى قوله : ( لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ . . ) متعلقة بقوله ( لَّن تَبُورَ ) على معنى ، يرجون تجارة لن تكسد لأجل أن يفويهم أجورهم التى وعدهم بها ، ويزيدهم فى الدنيا والآخرة من فضله ونعمه وعطائه .أو متعلقة بمحذوف ، والتقدير : فعلوا ما فعلوا ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله ( إِنَّهُ ) - سبحانه - ( غَفُورٌ ) أى : واسع المغفرة ( شَكُورٌ ) أى : كثير العطاء لمن يطيعه ويؤدى ما كلفه به .

وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ

📘 ثم ختم - سبحانه - هذه الآيات الكريمة ، بتثبيت فؤاد النبى صلى الله عليه وسلم ، وتسليته عما أصابه من أعدائه فقال : ( والذي أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ مِنَ الكتاب ) أى القرآن الكريم ( هُوَ الحق ) الثابت الذى لا يحوم حوله باطل .( مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ ) أى : أن من صفات هذا القرآن أنه مصدق لما تقدمه من الكتب السماوية . كالتوراة والإِنجيل .( إِنَّ الله بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ ) أى : إن الله - تعالى - لمحيط إحاطة تامة بأحوال عباده ، مطلع على ما يسرونه وما يلعنونه من أقوال أو أفعال .وبذلك نرى الآيات الكريمة قد أقامت ألواناً من الأدلة على وحدانية الله - تعالى - وقدرته ، وأثنت على العلماء ، وعلى التالين للقرآن الكريم ، والمحافظين على أداء ما كلفهم الله - تعالى - ثناء عظيماً .

ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ۖ فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ

📘 ثم انتقلت السورة الكريمة إلى بيان أقسام الناس فى هذه الحياة . ووعدة المؤمنين الصادقين بجنات النعيم ، فقال - تعالى - : ( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب . . . يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ ) ." ثم " فى قوله - تعالى - : ( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب الذين اصطفينا مِنْ عِبَادِنَا ) للتراخى الرتبى . و ( أَوْرَثْنَا ) أى أعطينا ومنحنا ، إذ الميراث عطاء يصل للإِنسان عن طريق غيره .والمراد بالكتاب : القرآن الكريم ، وما اشتمل عليه من عقائد وأحكام وآداب وتوجيهات سديدة . . وهو المفعول الثانى لأورثنا ، وقد على المفعول الأول ، وهو الموصول للتشريف .و ( اصطفينا ) بمعنى اخترنا واستخلصنا ، واشتقاقه من الصفو ، بمعنى الخلوص من الكدر والشوائب .والمراد بقوله : ( مِنْ عِبَادِنَا ) الأمة الإِسلامية التى جعلها الله خير أمة أخرجت للناس .والمعنى : ثم جعلنا هذا القرآن الذى اوحيناه إليك الرسول الكريم - ميراثاً منك لأمتك ، التى اصطفيناها على سائر الأمم ، وجعلناها أمة وسطا . وقد ورثناها هذا الكتاب لتنتفع بهداياته . . وتسترشد بتوجيهاته ، وتعمل بأوامره ونواهيه .قال الآلوسى : قوله : ( الذين اصطفينا مِنْ عِبَادِنَا ) هم - كما قال ابن عباس وغيره - أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، فإن الله - تعالى - اصطفاهم على سائر الأمم . .وفى التعبير بالاصطفاء ، تنويه بفضل هؤلاء العباد ، وإشارة إلى فضلهم على غيرهم ، كما أن التعبير بالماضى يدل على تحقق هذا الاصطفاء .ثم قسم - سبحانه - هؤلاء العباد إلى ثلاثة اقسام فقال : ( فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بالخيرات بِإِذُنِ الله . . ) .وجمهور العلماء على أن هذه الأقسام الثلاثة ، تعد إلى أفراد هذه الأمة الإِسلامية .وأن المراد بالظالم لنفسه ، من زادت سيئاته على حسناته .وأن المراد بالمقصد : من تساوت حسناته مع سيئاته .وأن المراد بالسابقين بالخيرات : من زادت حسناتهم على سيئاتهم .

جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا ۖ وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ

📘 وعلى هذا يكون الضمير فى قوله - تعالى - بعد ذلك : ( جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا . . . ) يعود إلى تلك الأقسام الثلاثة ، لأنهم جميعاً من أهل الجنة بفضل الله ورحمته .ومن العلماء من يرى أن المراد بالظالم لنفسه : الكافر ، وعليه يكون الضمير فى قوله : ( يَدْخُلُونَهَا ) يعود إلى المقتصد والسابق بالخيرات ، وأن هذه الآية نظير قوله - تعالى - فى سورة الواقعة : ( وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاَثَةً فَأَصْحَابُ الميمنة مَآ أَصْحَابُ الميمنة وَأَصْحَابُ المشأمة مَآ أَصْحَابُ المشأمة والسابقون السابقون . . ) .ومن المفسرين الذين رجحوا القول الأول ابن كثير فقد قال ما ملخصه : يقول - تعالى - ثم جعلنا القائمين بالكتاب العظيم . . . وهم هذه الأمة على ثلاث أقسام : ( فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ ) وهو المفرط فى بعض الواجبات المرتكب لبعض المحرمات . ( وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ ) وهو المؤدى للواجبات التارك للمرحمات وقد يترك بعض المستحبات ، ويفعل بعض المكروهات .( وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بالخيرات بِإِذُنِ الله ) وهو الفاعل للواجبات والمستحبات .وقال ابن عباس : هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم ورثهم الله - تعالى - كل كتاب أنزله . فظالمهم يغفر له ، ومقتصدهم يحاسب حسابا يسيرا ، وسابقهم يدخل الجنة بغير حساب .وفى رواية عنه : السبق بالخيرات يدخل الجنة بغير حساب ، والمقتصد يدخل الجنة برحمة الله - تعالى - ، والظالم لنفسه يدخل الجنة بشفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم .وفى الحديث الشريف : " شفاعتى لأهل الكبائر من أمتى " .وقال آخرون : الظالم لنفسه : هو الكافر .والصحيح أن الظالم لنفسه من هذه الأمة ، وهذا اختيار ابن جرير كما و ظاهر الآية ، وكا جاءت به الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من طرق يشد بعضها بعضاً .ثم أورد الإِمام ابن كثير بعد ذلك جملة من الأحاديث منها : ما أخرجه الإِمام أحمد عن أبى سعيد الخدرى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال فى هذه الآية : " هؤلاء كلهم بمنزلة واحدة ، وكلهم فى الجنة " .ومعنى قوله " بمنزلة واحدة " أى : فى أنهم من هذه الأمة ، وأنهم من أهل الجنة ، وإن كان بينهم فرق فى المنازل فى الجنة .وقال الإِمام ابن جرير : فإن قال لنا قائل : إن قوله ( يَدْخُلُونَهَا ) إنما عنى به المقتصد والسابق بالخيرات؟قيل له : وما برهانك على أن ذلك كذلك من خبر أو عقل؟ فإن قلا : قيام الحجة أن الظالم من هذه الأمة سيدخل النار ، ولم لم يدخل النار من هذه الأصناف الثلاثة أحد ، وجب أن لا يكون لأهل الإِيمان وعيد .قيل : إنه ليس فى الآية خبر أنهم لا يدخلون النار ، وإنما فيها إخبار من الله - تعالى - أنهم يدخلون جنات عدن : وجائز أن يدخلها الظالم لنفسه بعد عقوبة الله إياه على ذنوبه التى أصابها فى الدنيا . . ثم يدخلون الجنة بعد ذلك ، فيكون ممن عمه خبر الله - تعالى - بقوله : ( جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا ) .وقال الشوكانى : والظالم لنفسه : هو الذى عمل الصغائر . وقد روى هذا القول عن عمر ، وعثمان ، وابن مسعود ، وأبى الدرداء ، وعائشة . وهذا هو الراجح ، لأن عمل الصغائر لا ينافى الاصطفاء ، ولا يمنع من دخول صاحبه مع الذين يدخلون الجنة يحلون فيها من أساور . . وجه كونه ظالماً لنفسه ، أنها نقصها من الثواب بما فعل من الصغائر المغفورة له ، فإنه لو عمل تلك الصغائر طاعات ، لكان لنفسه فيها من الثواب عظيماً . .قالوا : وتقديم الظالم لنفسه على المقتصد وعلى السابق بالخيرات . لا يقتضى تشريفاً ، كما فى قوله - تعالى - ( لاَ يستوي أَصْحَابُ النار وَأَصْحَابُ الجنة . . ) ولعل السر فى مجئ هذه الأقسام بهذا الترتيب ، أن الظالمين لأنفسهم الأقسام عددا ، ويليهم المقتصدون ، ويليهم السابقون بالخيرات ، كما قال - تعالى - ( وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشكور ) وقوله : ( بِإِذُنِ الله ) أى : بتوفيقه وإرادته وفضله .واسم الإِشارة فى قوله : ( ذَلِكَ هُوَ الفضل الكبير ) يعود إلى ما تقدم من توريث الكتاب ومن الاصطفاء .أى : ذلك الذى أعطيناه - أيها الرسول الكريم - لأمتك من الاصطفاء ومن توريهم الكتاب ، هو الفضل الواسع الكبير ، الذى لا يقادر قدره ، ولا يعرف كنهه إلا الله - تعالى - .ثم بين - سبحانه - مظاهر هذا الفضل فقال : ( جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا ) والضمير للأنواع الثلاثة .أى : هؤلاء الظالمون لأنفسهم والمقتصدون والسابقون بالخيرات ، ندخلهم بفضلنا ورحمتنا ، الجنات الدائمة التى يخلدون فيها خلوداً أبدياً .يقال : عدن فلان بالمكان ، إذا أقام به إقامة دائمة .( يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ ) أى أنهم يدخلون الجنات دخولاً دائماً ، وهم فى تلك الجنات يتزينون بأجمل الزينات ، وبأفخر الملابس ، حيث يلبسون فى أيديهم أساور من ذهب ولؤلؤا ، أما ثيابهم فهى من الحرير الخالص .

وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ ۖ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ

📘 ثم حكى - سبحانه - ما يقولونه بعد فوزهم بهذا النعيم فقال : ( وَقَالُواْ الحمد للَّهِ الذي أَذْهَبَ عَنَّا الحزن ) .والحزن : غم يعترى الإِنسان لخوفه من وال نعمة هو فيها . والمراد به هنا : جنس الحزن الشامل لجميع أحزان الدين والدنيا والآخرة .أى : وقالوا عند دخولهم الجنات الدائمة ، وشعورهم بالأمان والسعاة والاطمئنان : الحمد لله الذى أذهب عنا جميع ما يحزننا من أمور الدنيا أو الآخرة .( إِنَّ رَبَّنَا ) بفضله وكرمه ( لَغَفُورٌ شَكُورٌ ) أى : لواسع المغفرة لعباده ولكثير العطاء للمطيعين ، حيث أعطاهم الخيرات الوفيرة فى مقابل الأعمال القليلة .

الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ

📘 ( الذي أَحَلَّنَا دَارَ المقامة مِن فَضْلِهِ ) أى : الحمد لله الذى أذهب عنا الأحزان بفضله ورحمته ، والذى ( أَحَلَّنَا ) أى : أنزلنا ( دَارَ المقامة ) أى : الدار التى لا انتقال لنا منها ، وإنما نحن سنقيم فيها إقامة دائمة وهى الجنة التى منحها إياها بفضله وكرمه .وهذه الدار ( لاَ يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ ) أى : لا يصيبنا فيها تعب ولا مشقة ولا عناء . يقال : نصب فلان - كفرح - إذا نزل به التعب والإِعياء .( وَلاَ يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ ) أى : ولا يصيبنا فيها كَلال وإعياء بسب التعب والهموم ، يقال : لَغَب فلان لَغبْاً ولُغُوباً . إذا اشتد به الإِعياء والهزال .قال صاحب الكشاف : فإن قلت : ما الفرق بين النصَب واللُّغوب؟قلت : النصب ، التعب والمشقة ، التى تصيب المنتصب للأمر ، المزاول له .وأما اللغوب ، فما يلحقه من الفتور بسبب النَصب . فالنصب : نفس المشقة والكلفة . واللغوب : نتيجة ما يحدث منه من الكلال والفتور .

وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَىٰ عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا ۚ كَذَٰلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ

📘 وبعد هذا البيان البليغ يشرح الصدور لحسن عاقبة المفحلين ، ساقت السورة الكريمة حال الكافرين ، وما هم فيه من عذاب مهين ، فقال - تعالى - : ( والذين كَفَرُواْ لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ . . . بِذَاتِ الصدور ) .اى : ( والذين كَفَرُواْ ) فى الدنيا بكل ما يجب الإِيمان به ( لَهُمْ ) فى الآخرة ( نَارُ جَهَنَّمَ ) يعذبون فيها تعذيباً أليماً .ثم بين - سبحانه - حالهم فى جهنم فقال : ( لاَ يقضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُواْ وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِّنْ عَذَابِهَا ) أى : لا يحكم عليهم فيما بالموت مرة أخرى كما ماتوا بعد انقضاء آجالهم فى الدنيا ، وبذلك يستريحون من العذب . ولا يخفف عنهم من عذاب جهنم ، بل هى كلمات خبت أو هدأ لهيبها ، عادت مرة أخرى إلى شدتها ، وازدادت سعيرا .والمراد أنهم باقون فى العذاب الأليم بدون موت ، أو حياة يستريحون فيها .( كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ ) أى : مثل هذا الجزاء الرادع الفظيع ، نجرى فى الآخرة ، كل شخص كان فى الدنيا شديد الجحود والكفران آيات ربه ، الدالة على وحدانيته وقدرته . .

وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ ۚ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ ۖ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ

📘 وقوله - تعالى - : ( وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الذي كُنَّا نَعْمَلُ ) بيان لما يجأرون به إلى ربهم وهم ملقون فى نار جهنم .ويصطرخون ، بمعنى يستغيثون ويضجون بالدعاء رافعين أصواتهم ، افتعال من الصراخ ، وهو الصياح الشديد المصحوب بالتعب والمشقة ، ويستعمل كثيراً فى العويل والاستغاثة . وأصله يصترخون ، فأبدلت التاء طاء .وجملة ( رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا . . . ) مقول لقول محذوف .أى : وهم بعد أن ألقى بهم فى نار جهنم ، أخذوا يستغيثون ويضجعون بالدعاء والعويل ويقولون : يا ريبنا أخرجنا من هذه النار ، وأعدنا إلى الحياة الدنيا ، لكى نؤمن بك وبرسولك ، ونعمل أعمالاً صالحة أخرى ترضيك ، غير التى كنا نعملها فى الدنيا .وقولهم هذا يدل على شدة حسرتهم ، وعلى اعترافهم بجرمهم ، وبسوء أعمالهم التى كانوا يعملونها فى الدنيا .وهنا يأتيهم من ربهم الرد الذى يخزيهم فيقول - سبحانه - ( أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَآءَكُمُ النذير . . . ) .والاستفهام للتوبيخ والتقريع ، والكلام على إضمار القول ، وقوله ( نُعَمِّرْكُمْ ) من التعمير الإِبقاء والإِمهال فى الحياة الدانيا إلى الوقت الذى كان يمكنهم فيه الإِقلاع عن الكفر إلى الإِيمان .و ( مَّا ) فى قوله ( يَتَذَكَّرُ فِيهِ ) نكرة موصوفة بمعنى مدة . والضمير فى قوله ( فِيهِ ) يعود إلى عمرهم الذى قضوه فى الدنيا .والمعنى : أن هؤلاء الكافرين عندما يقولون بحسرة وضراعة : يا ربنا أخرجنا من النار وأعدنا إلى الدنيا لنعمل عملاً صالحاً غير الذى كنا نعمله فيها ، يرد عليهم ربهم بقوله لهم على سبيل الزجر والتأنيب : أو لم نمهلكم فى الحياة الدنيا ، ونعطيكم العمر والوقت الذى كنتم تتمكنون فيه من التذكر والاعتبار واتباع طريق الحق ، وفضلاً عن كل ذلك فقد جاءكم النذير الذى ينذركم بسوء عاقبة إصراركم على كفركم ، ولكنكم كذبتموه وأعرضتم عن دعوته .والمراد بالنذير : جنسه فيتناول كل رسول أرسله الله - تعالى - إلى قومه ، فكذبوه ولم يستجيبوا لدعوته ، وعلى رأس هؤلاء المنذرين سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم .والفاء فى قوله - تعالى - ( فَذُوقُواْ فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ ) لترتيب الأمر بالذوق على ما قبلها من التعمير ومجئ النذير .أى : إذا كان الأمر كما ذكرنا لكم ، فاخسأوا فى جهنم ، واتركوا الصراخ والعويل ، وذوقوا عذبها الذى كنتم تكذبون به فى الدنيا ، فليس للمصرين على كفرهم من نصير ينصرهم ، أو يدفع عنهم شيئاً من العذاب الذى يستحقونه .

إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ

📘 ثم ختم - سبحانه - الآيات الكريمة ببيان سعة علمه . فقال : ( إِنَّ الله عَالِمُ غَيْبِ السماوات والأرض إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور ) .أى : إن الله - تعالى - لا يخفى عليه شئ سواء أكان هذا الشئ فى السماوات أم فى الأرض ، إنه - سبحانه - عليم بما تضمره القلوب ، وما تخفيه الصدور ، وما توسوس به النفوس .

هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ ۚ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ ۖ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتًا ۖ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَارًا

📘 ثم بين - سبحانه - بعد ذلك جانباً من مظاهر فضله على عباده ، وأقام الأدلة على وحدانيته وقدرته ، فقال - تعالى - : ( هُوَ الذي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ . . . كَانَ حَلِيماً غَفُوراً ) .وقوله - تعالى - : ( هُوَ الذي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأرض ) بيان لجانب من فضله - تعالى - على بنى آدم .و ( خَلاَئِفَ ) جملة خليفة ، وهو من يخلف غيره .أى : هو - سبحانه - الذى جعلكم خلفاء فى أرضه ، وملككم كنوزها وخيراتها ومنافعها ، لكى تشكروه على نعمه ، وتخلصوا له العبادة والطاعة .أو جعلكم خلفاء لمن سبقكم من الأمم البائدة ، فاعتبروا بما أصابهم من النقم بسبب إعراضهم عن الهدى ، واتبعوا ما جاءكم به من رسولكم صلى الله عليه وسلم .وقوله ( فَمَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ ) أى : فمن كفر بالحق الذى جاءه به الرسول صلى الله عليه وسلم واستمر على ذلك ، فعلى نفسه يكون وبال كفره لا على غيره .( وَلاَ يَزِيدُ الكافرين كُفْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِلاَّ مَقْتاً ) أى : لا يزيدهم إلا بغضاً شديداً من ربهم لهم ، واحتقارهم لحالهم وغضباً عليهم . .فالمقت : مصدر بمعنى البغض والكراهية ، وكانوا يقولون لمن يتزوج امرأة أبيه وللولد الذى يأتى عن طريق هذا الزواج ، المقتى ، أى : المبغوض .( وَلاَ يَزِيدُ الكافرين كُفْرُهُمْ إِلاَّ خَسَاراً ) أى : ولا يزيدهم إصرارهم على كفرهم إلا خسارا وبوارا وهلاكا فى الدنيا والآخرة .فالآية الكريمة تنفر اشد التنفير من الكفر ، وتؤكد سوء عاقبته ، تارة عن طريق بيان أنه مبغوض من الله - تعالى - ، وتارة عن طريق بيان أن المتلبس به ، لن يزداد إلا خسراناً وبوارا .

وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ ۚ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ

📘 وبعد هذا البيان المعجز لمظاهر قدرة الله - تعالى - ورحمته بعباده ، وهيمنته على شئون خلقه . . أخذت السورة المريكة فى تسلية النبى صلى الله عليه وسلم وفى دعوة الناس إلى اتباع ما جاءهم به هذا النبى الكريم ، وفى بيان مصير المؤمنين ومصير الكافرين ، فقال - تعالى - : ( وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ . . . عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ) .قال الآلوسى : قوله : ( وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ ) تسلية له صلى الله عليه وسلم بعموم البلية ، والوعد له صلى الله عليه وسلم والوعيد لأعدائه .والمعنى : وإن استمروا على أن يكذبوك فيما بلغت إليهم من الحق المبين . . فتأس بأولئك الرسل فى الصبر ، فقد كذبهم قومهم فصبروا على تذكيبهم . فجملة ( فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ ) قائمة مقام جواب الشرط ، والجواب فى الحقيقة تأس . وأقيمت تلك الجملة مقامه ، اكتفاء بذكر السبب عن ذكر المسبب . .وجاء لفظ الرسل بصيغة التنكير ، للإِشعار بكثرة عددهم ، وسمو منزلتهم .أى : وإن يكذبك - أيها الرسول الكريم - قومك ، فلا تخزن ، ولا تبتئس ، فإن إخوانك من الأنبياء الذين سبقوك ، قد كذبهم أقوامهم ، فأنت لست بدعا فى ذلك .ومن الآيات الكثيرة التى وردت فى هذا المعنى قوله - تعالى - : ( مَّا يُقَالُ لَكَ إِلاَّ مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ ) وقوله - عز وجل - : ( وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ على مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حتى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ الله . . ) ثم ختم - سبحانه - الآية الكريمة بما يزيد فى تسليته صلى الله عليه وسلم فقال : ( وَإِلَى الله تُرْجَعُ الأمور ) .أى : وإلى الله - تعالى - وحده ترجع أمور الناس وأحوالهم وأعمالهم وأقوالهم . وسيجازى - سبحانه - الذين أساءوا بما عملوا ، وسيجازى الذين أحسنوا بالحسنى .

قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَىٰ بَيِّنَتٍ مِنْهُ ۚ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا

📘 ثم أمر الله - تعالى - رسوله صلى الله عليه وسلم أن يتحدى هؤلاء المشركين ، وأن يوبخهم على عنادهم وجحودهم فقال : ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَآءَكُمُ الذين تَدْعُونَ مِن دُونِ الله أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ الأرض . . . ) .أى : قل - أيها الرسول الكريم - على سبيل التبكيت والتأنيث لهؤلاء المشركين . أخبرونى وأنبئونى عن حال شركائكم الذين عبدتموهم من دون الله ، ماذا فعلوا لكم من خير أو شر ، وأرونى أى جزء خلقوه من الأرض حتى استحقوا منكم الألوهية والشركة مع الله - تعالى - فى العبادة؟إنهم لم يفعلوا - ولن يفعلوا - شيئاً من ذلك ، فكيف أبحتم لأنفسكم عبادتهم؟وقوله ( أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السماوات ) تبكيت آخر لهم . أى : وقل لهم : إذا كانوا لم يخلقوا شيئاً من الأرض ، فهل لهم معنى شركة فى خلق السماوات أو فى التصرف فيها ، حتى يستحقوا لذلك مشاركتنا فى العبادة والطاعة .وقوله : ( أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً فَهُمْ على بَيِّنَةٍ مِّنْهُ ) تبكيت ثالث لهم . أى : وقل لهم إذا كانوا لم يخلقوا شيئاً من الأرض ، ولم يشاركونا فى خلق السماوات ، فهل نحن أنزلنا عليهم كتاباً أقررنا لهم فيه بمشاركتنا ، فتكون لهم الحجة الظاهرة البينة على صدق ما يدعون؟والاستفهام فى جميع أجزاء الاية الكريمة للإِنكار والتوبيخ .والمقصود بها قطع كل حجة يتذرعون بها فى شركهم ، وإزهاق باطلهم بألوان من الأدلة الواضحة التى تثبت جهالاتهم ، حيث أشركوا مع الله - تعالى - ما لا يضر ولا ينفع ، وما لا يوجد دليل أو ما يشبه الدليل على صحة ما ذهبوا إليه من كفر وشرك .ولذا ختمت الآية الكريمة بالإِضراب عن أهامهم وبيان الأسباب التى حمتلهم على الشرك ، فقال - تعالى - : ( بَلْ إِن يَعِدُ الظالمون بَعْضُهُم بَعْضاً إِلاَّ غُرُوراً ) .أى : أن هؤلاء الشركاء لم يخلقوا شيئاً من الأرض ولا من السماء ، ولم نؤتهم كتاباً بأنهم شركاء لنا فى شئ ، بل الحق أن الظالمين يخدع بعضهم بعضاً ، ويعد بعضهم بعضاً بالوعود الباطلة ، بأن يقول الزعماء لأتباعهم : إن هؤلاء الآلهم هم شفعاؤنا عند الله ، وأننا ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ، فيترتب على قولهم هذا ، أن ينساق الأتباع وراءهم كما تنساق الأنعام وراء راعيها .

۞ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا ۚ وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ ۚ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا

📘 وبعد أن بين - سبحانه - ما عليه المعبودات الباطلة من عجز وضعف ، أتبع ذلك ببيان جانب من عظيم قدرته ، وعميم فضله فقال : ( إِنَّ الله يُمْسِكُ السماوات والأرض أَن تَزُولاَ وَلَئِن زَالَتَآ إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ ) .أى : إن الله - تعالى - بقدرته وحدها ، يمسك السماوات والأرض كراهة أن نزولاً ، أو يمنعهما ويحفظهما من الزال أو الاضمحلال أو الاضطراب ، ولئن زالتا - على سبل الفرض والتقدير - فلن يستطيع أحد أن يمسكها ويمنعها عن هذا الزوال سوى الله - تعالى - ( إِنَّهُ ) - سبحانه - ( كَانَ ) وما زال ( حَلِيماً ) بعباده ( غَفُوراً ) لمن تاب إليه وأناب ، كما قال - تعالى - : ( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحَاً ثُمَّ اهتدى ) قال الآلوسى : قوله : ( وَلَئِن زَالَتَآ ) أى : إن أشرفتا على الزوال على سبيل الفرض والتقدير ، ( إِنْ أَمْسَكَهُمَا ) أى : ما أمسكهما ( مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ ) أى : من بعد إمساكه - تعالى - أو من بعد الزوال ، والجملة جواب القسم المقدر قبل لام التوطئة فى ( لَئِن ) . وجواب الشرط محذوف لدلالة جواب القسم عليه . . و ( مِّن ) الأولى مزيدة لتأكيد العموم . والثانية للابتداء .

وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَىٰ مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ ۖ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا

📘 ثم ختم - سبحانه - السورة الكريمة بما كان عليه المشركون من نقض العهود ، ومن مكر سئ حاق بهم ، ودعاهم - سبحانه - إلى الاعتبار بمن سبقهم ، وبين لهم جانباً من مظاهر فضله عليهم . ورأفته بهم فقال - تعالى - : ( وَأَقْسَمُواْ بالله جَهْدَ . . كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً ) .قال القرطبى : قوله - تعالى - : ( وَأَقْسَمُواْ بالله جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَآءَهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أهدى مِنْ إِحْدَى الأمم ) هم قريش أقسموا قبل أن يبعث الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم حين بلغهم أن أهل الكتاب ، كذبوا رسلهم ، فلعنوا من كذب نبيه منهم . .و ( جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ ) أى : أقوى أيمانهم وأغلظها والجهد : الطاقة والوسع والمشقة .يقال : جهد نفسه يجهدها فى الأمر ، إذا بلغ بها أقصى وسعها وطاقتها فيه .والمراد : أنهم أكدوا الأيمان ووثقوها ، بكل ألفاظ التوكيد والتوثيق .أى : أن كفار مكة ، أقسموا بالله - تعالى - قسماً مؤكداً موثقاً مغلظاً ، ( لَئِن جَآءَهُمْ نَذِيرٌ ) أى : نبى ينذرهم بأن الكفر باطل وأن الإِيمان بالله هو الحق .( لَّيَكُونُنَّ أهدى ) سبيلا ( مِنْ إِحْدَى الأمم ) أى : ليكونن أهدى من اليهود ومن النصارى ومن غيرهم فى اتباعهم وطاعتهم ، لهذا الرسول الذى يأتيهم من عند ربهم لهدايتهم إلى الصراط المستقم .( فَلَمَّا جَآءَهُمْ نَذِيرٌ ) وهو محمد صلى الله عليه وسلم الذى هو أشرف الرسل .( مَّا زَادَهُمْ إِلاَّ نُفُوراً ) أى : ما زادهم مجيئه لهم نفورا عن الحق ، وتباعدا عن الهدى . أى : أنهم قبل مجئ الرسول صلى الله عليه وسلم كانوا يتمنون أن يكون الرسول منهم ، لا من غيرهم ، وأقسموا بالله بأنهم سيطيعونه فلما جاءهم الرسول صلى الله عليه وسلم نفروا عنه ولم يؤمنوا به .وإنما كان القسم بالله - تعالى - غاية أيمانهم ، لأنهم كانوا يحلفون بآبائهم وبأصنامهم ، فإذا اشتد عليهم الحال ، وأرادوا تحقيق الحق ، حلفوا بالله - تعالى - .وقوله ( لَّيَكُونُنَّ ) جواب القسم المقدر . وقوله : ( مَّا زَادَهُمْ إِلاَّ نُفُوراً ) جواب لمَّا .

اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ ۚ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ۚ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ ۚ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ۖ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا

📘 وقوله - تعالى - : ( استكبارا فِي الأرض ) بدل من ( نُفُوراً ) أو مفعول لأجله ( وَمَكْرَ السيىء ) معطوف على استكبارا .والمراد بمكرهم السيئ : تصميمهم على الشرك ، تكذيبهم للرسول صلى الله عليه وسلم ، من أجل المعاندة للحق ، والاستكبار عنه ، ومن أجل المكر السيئ الذى استولى على نفوسهم ، والحق الدفين الذى فى قلوبهم .وقوله ( السيىء ) صفة لموصوف مذحوف . وأصل التركيب : وأن مكروا المكر السيئ ، فأيم المصدر مقام أن والفعل ، وأضيف إلى ما كان صفة له .وقوله - تعالى - : ( وَلاَ يَحِيقُ المكر السيىء إِلاَّ بِأَهْلِهِ ) بيان لسوء عاقبة مكرهم ، وأن شره ما نزل إلا بهم .وقوله : ( يَحِيقُ ) بمعنى يحيط وينزل . يقول : حاق بفلان الشئ ، إذا أحاط ونزل به . أى : ولا ينزل ولا يحيط شر لك المكر السيئ إلا بأهله الماكرين .قال صاحب الكشاف : لقد حاق بهم يوم بدر . وعن النبى صلى الله عليه وسلم : " لا تمركوا ولا تعينوا ماكرا ، فإن الله - تعالى - يقول : ( وَلاَ يَحِيقُ المكر السيىء إِلاَّ بِأَهْلِهِ ) ولا تبغوا ولا تعينوا باغياً ، فإن الله - تعالى - يقول : ( ياأيها الناس إِنَّمَا بَغْيُكُمْ على أَنفُسِكُمْ ) " .وقال الآلوسى - رحمه الله - : والاية عامة على الصحيح ، والأمور بعواقبها ، والله - تعالى - بمهل ولا يهمل ، وراء الدنيا الآخرة ، وسيعلم الذين ظلموا أى منقلب ينقلبون .وبالجملة : من مكر به غيره ، ونفذ فيه المكر عاجلاً فى الظاهر ، ففى الحقيقة هو الفائز ، والماكر هو الهالك .وقوله - تعالى - : ( فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ سُنَّتَ آلأَوَّلِينَ ) حض لهم على الاستجابة للحق ، وترك المكر والمخادعة والعناد . والسنة : الطريقة . .أى : إذا كان الأمر كما ذكرنا ، فهل ينتظر هؤلاء الماكرون ، إلا طريقتنا فى الماكرين من قبلهم . وهى إهلاكهم ونزول العذاب والخسران بهم؟ إنهم ما ينتظرون إلا ذلك .وقوله - سبحانه - : ( فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ الله تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ الله تَحْوِيلاً ) تأكيد لثبات سنته - تعالى - فى خلقه ، وتعليل لما يفيده الحكم بانتظارهم العذاب .أى : هذه سنتنا وطريقتنا فى الماكرين لرسلهم ، أننا نمهلهم ولا نهملهم ، ونجعل العاقبة السيئة لهم . ولن تجد لسنة الله - تعالى - فى خلقه تبديلا بأن يضع غيرها مكانها ، ولن تجد لها تحويلا عما سارت عليه وجرت به .قال الجمل ما ملخصه : قوله : ( فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ سُنَّتَ آلأَوَّلِينَ ) مصدر مضاف لمفعوله تارة كما هنا ، ولفاعله أخرى كقوله ( فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ الله تَبْدِيلاً ) لأنه - تعالى - سنها بهم ، فصحت إضافتها للفاعل وللمفعول ، والفاء فى قوله ( فَلَن تَجِدَ ) لتعليل ما يفيده الحكم بانتظارهم العذاب . ونفى وجدان التبديل والتحويل ، عبارة عن نفى وجودهما بالطريق البرهانى ، وتخصيص كل منهما بنفى مستقل لتأكيد انتفائهما .والمراد : بعدم التبديل . أن العذاب لا يبدل بغيره . وبعدم التحويل : أنه لا يحول عن مستحقه إلى غيره . وجمع بينهما هنا : تعميما لتهديد المسئ لقبح مكره .

أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ ۚ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا

📘 ثم ساق لهم - سبحانه - وما يؤكد عدم تغيير سنته فى خلقه ، بأن حضهم على الاعتبار بأحوال المهلكين من قبلهم ، والذين يرون بأعينهم آثارهم ، فقال - تعالى - : ( أَوَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأرض فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الذين مِن قَبْلِهِمْ وكانوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً ) .أى أعمى هؤلاء الماكرين عن التدبر ، ولم يسروا فى الأرض ، فتيروا بأعينهم فى رحلاتهم إلى الشام أو إلى اليمن أو إلى غيرهما ، كيف كانت عاقبة المكذبين من قبلهم ، لقد دمرناهم تدميرا ، مع أنهم كانوا أشد من مشركى مكة قوة ، وأكثر جمعا ( وَمَا كَانَ الله لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السماوات وَلاَ فِي الأرض ) أى وما كان من شأن الله - تعالى - أن يعجزه شئ من الأشياء ، سواء أكان فى السماوات أم فى الأرض . بل كل شئ تحت أمره وتصرفه .( إِنَّهُ ) - سبحانه - ( كَانَ عَلِيماً ) بكل شئ ( قَدِيراً ) على كل شئ .

وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَٰكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى ۖ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا

📘 ثم ختم - سبحانه - السورة الكريمة ببيان جانب من رحمته بعباده فقال ( وَلَوْ يُؤَاخِذُ الله الناس بِمَا كَسَبُواْ ) من الذنوب أو الخطايا .( مَا تَرَكَ على ظَهْرِهَا ) أى : على ظهر الأرض ( مِن دَآبَّةٍ ) من الدواب التى تدب عليها . ( ولكن يُؤَخِّرُهُمْ إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى ) وهو يوم القيامة .( فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ ) الذى حدده - سبحانه - لحسابهم ، جازاهم بما يستحقون ( فَإِنَّ الله كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً ) أى : لا يخفى عليه شئ من أحوالهم . وبعد فهذا تفسير لسورة فاطر . نسأل الله - تعالى - أن يجعله خالصاً لوجهه ، ونافعاً لعباده .وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ۖ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ۖ وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ

📘 ثم وجه - سبحانه - نداء ثانيا إلى الناس . بين لهم فيه أن البعث حق ، وأن من الواجب عليهم أن يستعدوا لاستقبال هذا اليوم بالإِيمان والعمل الصالح فقال - تعالى - ( ياأيها الناس إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ . . . ) .أى : إنما وعدكم الله - تعالى - به من البعث والحساب والثواب والعقاب ، حق لا ريب فيه ، وما دام الأمر كذلك ، ( فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ الحياة الدنيا ) أى : فلا تخدعنكم بمتعها ، وشهواتها ، ولذائذها ، فإنها إلى زوال وفناء ، ولا تشغلنكم هذه الحياة الدنيا من أدءا ما كلفكم - سبحانه - بأدائه من فرائض وتكاليف .( وَلاَ يَغُرَّنَّكُمْ بالله الغرور ) أى : ولا يخدعنكم عن طاعة ربكم ، ومالك أمركم ( الغرور ) .أى : الشيطان المبالغ فى خداعكم ، وفى صرفكم عن كل ما هو خير وبر .فالمراد بالغرور هنا : الشيطان الذى أقسم بالأيمان المغلظة ، بأنه لن يكف عن إغواء بنى آدم ، وعن تزيين الشرور والآثام لهم .فالمقصود بالآية الكريمة تذكير الناس بيوم القيامة وما فيه من أهوال . وتحذيرهم من اتباع خطوات الشياطن ، فإن لا يأمر إلا بالفحشاء والمنكر .

إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ۚ إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ

📘 ثم أكد - سبحانه - هذا التحذير بقوله : ( إِنَّ الشيطان لَكُمْ عَدُوٌّ ) يا بنى آدم ، عداوة قيدمة وباقية إلى يوم القيامة .وما دام الأمر كذلك ( فاتخذوه عَدُوّاً ) أى : فاتخذوا أنتم عدوا لكم فى عقائدكم .وفى عباداتكم . وفى كل أحوالكم ، بأن تخالفوا وسوسته وهمزاته وخطواته . .وقوله : ( إِنَّمَا يَدْعُواْ حِزْبَهُ لِيَكُونُواْ مِنْ أَصْحَابِ السعير ) تقرير وتأكيد لهذه العداوة .أى : اتخذوا - يا بنى آدم - الشيطان عدوا لكم ، لأنه لا يدعو أتباعه ومن هم من حزبه إلى خير أبدا ، وإنما يدعوهم الى العقائد الباطلة . والأقوال الفاسدة . والأفعال القبيحة التى تجعلهم يوم القيامة من أهل النار الشديدة الاشتعال . .

الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ۖ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ

📘 ثم بين - سبحانه - أقسام الناس يوم القيامة فقال : ( الذين كَفَرُواْ ) بكل ما يجب الإِيمان به ( لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ) بسبب كفرهم وفسوقهم عن امر خالقهم - عز وجل - واتباعهم للشيطان . .( والذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ) الأعمال ( الصالحات لَهُم ) من ربهم ( مَّغْفِرَةٌ ) عظيمة ( وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ) لا يعلم مقداره إلا الله - تعالى - .

أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا ۖ فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ۖ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ

📘 ثم بين - سبحانه - الفرق الشاسع بين المؤمن والكافر ، والمطيع ، والعاصى ، فقال : ( أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سواء عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً . . . ) .والاستفهام للإِنكار . و " من " موصولة فى مضوع رفع على الابتداء . والجملة بعدها صلنها ، والخبر محذوف لدلالة الكلام عليه ، و ( زُيِّنَ ) من التزيين بمعنى التحسين . وقوله ( سواء عَمَلِهِ ) أى : عمله السيئ . فهو من إضافة الصفة إلى الموصوف .والمعنى : أفمن زين له الشيطان عمله السيئ ، فرآه حسنا ، كمن ليس كذلك؟ كلا إنهما لا يستويان فى عرف أى عاقل ، فإن الشخص الذى ارتكب الأفعال القبيحة التى زينها له الشيطان ، أو نفسه الأمارة بالسوء ، أو هواه . . . مصيره إلى الشقاء والتعاسة .أما الشخص الذى خالف الشيطان ، والنفس الأمارة بالسوء ، والهوى المردى . . فمصيره إلى السعادة والفلاح .وقد صرح - سبحانه - بالأمرين فى آيات منها قوله - تعالى - ( أَفَمَن كَانَ على بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سواء عَمَلِهِ واتبعوا أَهْوَاءَهُمْ ) وجملة ( فَإِنَّ الله يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ ) تعليل لسببية التزيين لرؤية القبيح حسنا . .أى : هؤلاء الذين يعملون الأعمال السيئة ، وهم يحسبون أنهم يسحنون صنعا ، لا قدرة لك على هدايتهم - أيها الرسول الكريم - فإن الله - تعالى - وحده ، هو الذى يضل من يشاء إضلاله ، ويهدى من يشاء هدايته .والفاء فى قوله - تعالى - : ( فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ ) لتفريع . والحسرات جمعه حسرة ، وهى أشد ما يعترى الإِنسان من ندم على أمر قد مضى وانتهى والجار والمجرور " عليهم " متعلق بقوله " حسرات " .أى : إذا كان الأمر كما أخبرناك - أيها الرسول الكريم - فامض فى طريقك وبلغ رسالة ربك ، ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ، ولا تهلك نفسك هما وغما وحزنا من اجل هؤلاء الذين أعرضوا عن الحق ، واعتنقوا الباطل ، وظنوا أنهم بذلك يحسنون صنعا . .ثم ختم - سبحانه - الآية الكريمة بما يزيد فى تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم فقال - تعالى - : ( إِنَّ الله عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ) .أى : إن الله - تعالى - لا يخفى عليه شئ مما يفعله هؤلاء الجاهلون من أفعاله قبيحة ، وسيجازيهم يوم القيامة بما يستحقونه من عقاب .وشبيه هذه الآية قوله - تعالى - : ( لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ ) وقوله - سبحانه - : ( فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ على آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بهذا الحديث أَسَفاً ) وبعد هذه التسلية من الله - تعالى - لرسوله صلى الله عليه وسلم وبعد هذا التحذير من وسوسة اشليطان ومن خداعه ، وبعد هذا البيان لسوء عاقبة الكافرين ، وحسن عاقبة المؤمنين .

وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَىٰ بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ۚ كَذَٰلِكَ النُّشُورُ

📘 بعد كل ذلك . . ساقت السورة الكريمة ألوانا من نعم الله - تعالى - على عباده ، ومن حرمته بهم ، نرى ذلك فى الرياح وفى السحب ، وفى البحار والأنهار ، وفى الليل نهار ، وفى الشمس القمر . . . وفى غير ذلك من النعم الظاهرة والباطنة فى هذا الكون .قال - تعالى - : ( والله الذي أَرْسَلَ . . . وَلاَ يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ) .قال أبو حيان - رحمه الله - لما ذكر - سبحانه - أشياء من الأمور السماوية ، وإرسال الملائكة ، أتبع ذلك بذكر أشياء من الأمور الأرضية كالرياح وإرسالها ، وفى هذا احتجاج على منكرى البعث ، دلهم على المثال الذى يعاينونه ، وهو إحياء الموتى سيان . وفى الحديث " أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : كيف يحيى الله الموتى وما آية ذلك فى خلقه؟ فقال : " هر مررت بوادى أهلا - محلا - أى مجبا لا نبات فيه - ثم مررت به يهتز خضرا؟ فقالوا : نعم ، فقال : فكذلك يحيى الله الموتى ، وتلك آيته فى خلقه " " .فقوله - تعالى - : ( والله الذي أَرْسَلَ الرياح فَتُثِيرُ سَحَاباً ) بيان لمظهر آخر من مظاهر قدرته - عز وجل - ومن سعة رحمته بعباده .وقوله : ( فَتُثِيرُ ) من الإِثارة بمعنى التهييج والتحريك من حال إلى حال .أى : والله - تعالى - وحده ، هو الذى أرسل الرياح ، فجعلها بقدرته النافذة تحرك السحب من مكان إلى مكان ، فتذهب بها تارة إلى جهة الشمال ، وتارة إلى جهة الجنوب ، وتارة إلى غير ذلك .وقوله : ( فَسُقْنَاهُ إلى بَلَدٍ مَّيِّتٍ ) بيان للحكمة من هذه الإِثارة ، والمراد بالبلد الميت : الأرض الجدباء التى لا نبات فيها . والضمير فى ( فَسُقْنَاهُ ) يعود إلى السحاب .وقوله : ( فَأَحْيَيْنَا بِهِ الأرض بَعْدَ مَوْتِهَا ) أى : فأحيينا بالمطر النازل من السحاب الأرض الجدباء ، فاهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج .فالضمير فى قوله ( بِهِ ) يعود إلى المطر ، لأن السحاب يدل عليه بما بينهما من تلازم ، ويصح أن يعود إلى السحاب لأنه سبب نزول الأمطار .وقال - سبحانه - ( فَتُثِيرُ ) بصيغة المضارع . استحضارا لتلك الصورة البديعة الدالة على قدرة الله - تعالى - ، والتى من شأنها أن تغرس العظات والعبر فى النفوس .وقال - سبحانه - : ( فَسُقْنَاهُ ) ( فَأَحْيَيْنَا ) بنون العظمة ، وبالفعل الماضى ، للدلالة على تحقق قدرته ورحمته بعباده .قال صاحب الكشاف ما ملخصه : فإن قلت : لم جاء ( فَتُثِيرُ ) على المضارعة دون ما قبله وما بعده؟قلت : ليحكى الحال التى تقع فيها إثارة الرياح للحساب ، وتستحضر تلك الصور البديعة الدالة على القدر الربانية ، وهكذا يعفلون بكل فعل فيه نوع تميز وخصوصية .ولما كان سوق السحاب إلى البلد الميت ، وإحياء الأرض بالمطر بعد موتها ، من الدلائل على القدرة الباهرة قيل : فسقنا ، وأحيينا ، معدولا بهما عن لفظ الغيبة ، إلى ما هو أدخل فى الاختصاص وأدل عليه . .والكاف فى قوله - تعالى - : ( كَذَلِكَ النشور ) بمعنى مثل ، وهى فى محل رفع على الخبرية . أى : مثل الإِحياء الذى تشاهدونه للأرض بعد نزول المطر عليها ، يكون إحياء الأموات منكم .قال الإِمام الرازى : فإن قيل ما وجه التشبيه بقوله : ( كَذَلِكَ النشور ) ؟ فالجواب من وجوه :أحدها : أن الأرض الميتة لما قبلت الحياة اللائقة بها ، كذلك الأعضاء تقبل الحياة .ثانيها : كما أن الريح يجمع القطع السحابية ، كذلك يجمع - سبحانه - بين أجزاء الأعضاء . .ثالثها : كما أن نسوق الريح والسحاب إلى البلد الميت ، كذلك نسوق الروح والحياة إلى البدن الميت .والنشور : الإِحياء والبعث بعد الموت . يقال : أنشر الله - تعالى - الموتى ونشرهم ، إذا أحياهم بعد موتهم . ونشر الراعى غنمه ، إذا بثها بعد أن آواها .