🕋 تفسير سورة البروج
(Al-Buruj) • المصدر: AR-TAFSIR-AL-WASIT
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ
📘 قوله - تعالى - ( أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الموت وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ ) أى : ولو كنتم فى قصور عظيمة محصنة .والمراد بها هنا : المنازل الخاصة بالكواكب السيارة ، ومداراتها الفلكية الهائلة ، وهى اثنا عشر منزلا : الحمل ، والثور ، والجوزاء ، والسرطان ، والأسد ، والسنبلة ، والميزان ، والعقرب ، والقوس ، والجدى ، والدول ، والحوت .وسميت بالبروج ، لأنها بالنسبة لهذه الكواكب كالمنازل لساكنيها .قال القرطبى : قوله : ( والسمآء ذَاتِ البروج ) : قسم أقسم الله - عز وجل - به . وفى البروج أربعة أقوال : أحدها : ذات النجوم . والثانى : ذات القصور . . الثالث : ذات الخَلْق الحسن . الرابع : ذات المنازل . . وهى اثنا عشر منزلا . .
إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ
📘 ثم هدد - سبحانه - كفار قريش بسوء المصير ، إذا ما استمروا فى إيذائهم للمؤمنين ، فقال - تعالى - : ( إِنَّ الذين فَتَنُواْ المؤمنين والمؤمنات ثُمَّ لَمْ يَتُوبُواْ فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الحريق ) .وقوله : ( فتنوا ) من الفتن ، بمعنى الاختبار والامتحان . تقول : فتنت الذهب بالنار ، أى : أدخلته فى النار لتعلم جودته من رداءته ، والمراد به هنا : والتحريق بالنار .أى : إن الظالمين الذين عذبوا المؤمنين والمؤمنات ، وأحرقوهم بالنار ثم لم يتوبوا إلى الله - تعالى - من ذنوبهم ، ويرجعوا عن تعذيبهم للمؤمنين والمؤمنات ، فلهم فى الآخرة عذاب جهنم ، بسبب إصرارهم على كفرهم وعدوانهم ، ولهم نار أخرى زائدة على غيرها فى الإِحراق .والمراد بالذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات : كفار قريش ، كأبى جهل وأمية ابن خلف . وغيرهما ، فقد عذبوا بلالا ، وعمار بن ياسر ، وأباه وأمه سمية .ويؤيد أن المراد بالذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات كفار قريش ، قوله - تعالى - : ( ثُمَّ لَمْ يَتُوبُواْ ) لأن هذه الجملة تحريض على التوبة ، وترغيب فيها للكافرين المعاصرين للنبى صلى الله عليه وسلم .ويصح أن يراد بهم جميع من عذبوا المؤمنين والمؤمنات ، ويدخل فيه أصحاب الأخدود ، وكفار قريش دخولا أوليا .وجمع - سبحانه - بين عذاب جهنم لهم ، وبين عذاب الحريق ، لبيان أن العذاب لهم مضاعف ، بسبب طغيانهم وشركهم .
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ
📘 ثم بين - سبحانه - بعد ذلك ما أعده للمؤمنين والمؤمنات من ثواب وعطاه كريم فقال : ( إِنَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ) الأعمال ( الصالحات لَهُمْ ) أى : عند ربهم ( جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار ) أى تجرى من تحت أشجارها وبساتينها الأنهار ( ذَلِكَ ) العطاء هو ( الفوز الكبير ) الذى لا فوز يضارعه أو يقاربه .
إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ
📘 ثم ساق - سبحانه - بعد ذلك ، ما يدل على نفاذ قدرته ومشيئته ، حتى يزداد المؤمنون ثباتا على ثباتهم ، وصبرا على صبرهم فقال : ( إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ ) .والبطش : هو الأخذ بقوة وسرعة وعنف . أى : إن بطش ربك - أيها الرسول الكريم - بالظالمين والطغاة لبالغ نهاية القوة والعنف : فمر أصحابك فليصبروا على الأذى ، فإن العاقبة الحسنة ستكون لهم وحدهم .
إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ
📘 ( إِنَّهُ هُوَ يُبْدِىءُ وَيُعِيدُ ) أى : إنه وحده هو الذى يخلق الخلق أولا فى الدنيا ، ثم يعيدهم إلى الحياة بعد موتهم للحساب والجزاء ، وهو - سبحانه - وحده الذى يبدئ البطش بالكفار فى الدنيا ثم يعيده عليهم فى الآخرة بصورة أشد وأبقى .وحذف - سبحانه - المفعول فى الفعلين ، لقصد العموم ، ليشمل كل ما من شأنه أن يبدأ وأن يعاد من الخلق أو من العذاب أو من غيرهما .
وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ
📘 ( وَهُوَ الغفور الودود ) أى : وهو - سبحانه - الواسع المغفرة لمن تاب وآمن ، وهو الكثير المحبة والود لمن أطاعه واتبع هداه .
ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ
📘 ( ذُو العرش المجيد ) أى : وهو - عز وجل - صاحب العرش العظيم ، الذى لا يعرف كنهه إلا هو - سبحانه - ، وهو ( المجيد ) أى : العظيم فى ذاته وصفاته .
فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ
📘 ( فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ ) أى : وهو - تعالى - الذى يفعل كل شئ يريده . دون أن يعترض عليه أحد ، بل فعله هو النافذ ، وأمره هو السارى والمطاع .وجاءت كلمة " فعال " بصيغة المبالغة ، للدلالة على أن ما يريده ويفعله - مع كثرته - هو فى غاية النفاذ والسرعة ، كما قال - تعالى - : ( إِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ) فهذه الصفة من الصفات الجامعة لعظمته الذاتية ، وعظمة نعمه ومننه وعطاياه .
هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ
📘 ثم ساق - سبحانه - بعد ذلك ، ما يدل على شدة بطشه ، ونفاذ أمره فقال : ( هَلُ أَتَاكَ حَدِيثُ الجنود .فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ ) .والاستفهام هنا : للتقرير والتهويل . والمراد بالجنود : الجموع الكثيرة التى عتت عن أمر ربها ، فأخذها - سبحانه - أخذ عزيز مقتدر .
فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ
📘 وقوله : ( فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ ) بدل من الجنود .والمراد بفرعون وثمود : ملؤهما وقومهما الذين آثروا الغى على الرشد ، والضلالة على الهداية ، والباطل على الحق . أى : لقد بلغك - أيها الرسول الكريم - حديث فرعون الذى طغى وبغى ، واتبعه قومه فى طغيانه وبغيه ، وحيديث قوم صالح - عليه السلام - وهم الذين كذبوا نبيهم . وآذوه ، وعقروا الناقة التى نهاهم عن أن يمسوها بسوء .وكيف أنه - سبحانه - قد دمر الجميع تدميرا شديدا ، جزاء كفرهم وبغيهم .وخص - سبحانه - جند فرعون وثمود بالذكر ، لأنهم كانوا أشد من غيرهم بغيا وظلما ، ولأنهم كانت قصصهم معروفة لأهل مكة أكثر من غيرهم .
بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ
📘 وقوله : ( فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ ) بدل من الجنود .والمراد بفرعون وثمود : ملؤهما وقومهما الذين آثروا الغى على الرشد ، والضلالة على الهداية ، والباطل على الحق . أى : لقد بلغك - أيها الرسول الكريم - حديث فرعون الذى طغى وبغى ، واتبعه قومه فى طغيانه وبغيه ، وحيديث قوم صالح - عليه السلام - وهم الذين كذبوا نبيهم . وآذوه ، وعقروا الناقة التى نهاهم عن أن يمسوها بسوء .وكيف أنه - سبحانه - قد دمر الجميع تدميرا شديدا ، جزاء كفرهم وبغيهم .وخص - سبحانه - جند فرعون وثمود بالذكر ، لأنهم كانوا أشد من غيرهم بغيا وظلما ، ولأنهم كانت قصصهم معروفة لأهل مكة أكثر من غيرهم .
وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ
📘 وقوله : ( واليوم الموعود ) المقصود به : يوم القيامة ، لأن الله - تعالى - وعد الخلق به ، ليجازى فيه الذين أساءوا بما عملوا ، ويجازى الذين أحسنوا بالحسنى .
وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ
📘 وقوله : ( فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ ) بدل من الجنود .والمراد بفرعون وثمود : ملؤهما وقومهما الذين آثروا الغى على الرشد ، والضلالة على الهداية ، والباطل على الحق . أى : لقد بلغك - أيها الرسول الكريم - حديث فرعون الذى طغى وبغى ، واتبعه قومه فى طغيانه وبغيه ، وحيديث قوم صالح - عليه السلام - وهم الذين كذبوا نبيهم . وآذوه ، وعقروا الناقة التى نهاهم عن أن يمسوها بسوء .وكيف أنه - سبحانه - قد دمر الجميع تدميرا شديدا ، جزاء كفرهم وبغيهم .وخص - سبحانه - جند فرعون وثمود بالذكر ، لأنهم كانوا أشد من غيرهم بغيا وظلما ، ولأنهم كانت قصصهم معروفة لأهل مكة أكثر من غيرهم .
بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ
📘 وقوله - سبحانه - : ( بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ . فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ) إضراب انتقالى آخر ، من بيان شدة تكذيبهم للحق ، إلى بيان القرآن الكريم هو كتاب الله الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .أى : ليس الأمر كما قال هؤلاء المشركون فى القرآن من أنه أساطير الأولين . . بل الحق أن هذا القرآن هو كلام الله - تعالى - البالغ النهاية فى الشرف والرفعة والعظمة .
فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ
📘 وأنه كائن فى لوح محفوظ من التغيير والتبديل ، ومن وصول الشياطين إليه . ونحن نؤمن بأن القرآن الكريم كائن فى لوح محفوظ ، إلا أننا نفوض معرفة حقيقة هذا اللوح وكيفيته إلى علمه - تعالى - ، لأنه من أمر الغيب الذى تفرد الله - تعالى - بعلمه . . وما قيل فى وصف هذا اللوح لم يرد به حديث صحيح يعتمد عليه .وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ
📘 وقوله : ( وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ ) قسم ثالث ببعض مخلوقاته - تعالى - . والشاهد اسم فاعل من المشاهدة بمعنى الرؤية ، فالشاهد هو الرائى ، أو المشهود عليه بأنه حق .فالمراد بالشاهد : من يحضر ذلك اليوم من الخلائق المبعوثين ، وما يراه فيه من عجائب وأهوال ، من المشاهدة بمعنى الرؤية والحضور ، أو من يشهد فى ذلك اليوم على غيره ، من الشهادة على الخصم .وقد ذكر المفسرون فى معنى هذين اللفظين ، ما يقرب من عشرين وجها .قال صاحب الكشاف وقوله : ( وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ ) يعنى : وشاهد فى ذلك اليوم ومشهود فيه . والمراد بالشاهد : من يشهد فيه من الخلائق كلهم . وبالمشهود : ما فى ذلك اليوم من عجائبه . ثم قال : وقد اضطربت أقوال المفسرين فيما ، فقيل : الشاهد والمشهود : محمد صلى الله عليه وسلم ويوم القيامة . وقيل : عيسى وأمته . وقيل : أمة محمد صلى الله عليه وسلم وسائر الأمم . وقيل : يوم التروية ويوم عرفة . وقيل : يوم عرفة ويوم الجمعة . وقيل : الحجر الأسود ، والحجيج . وقيل : الأيام والليالى . وقيل : الحفظة وبنو آدم . .ويبدو لنا أن أقرب الأقوال والصواب : أن المراد بالشاهد هنا : الحاضر فى ذلك اليوم العظيم وهو يوم القيامة ، والرائى لأهواله وعجائبه .وأن المراد بالمشهود : ما يشاهد فى ذلك اليوم من أحوال يشيب لها الولدان .وقال - سبحانه - ( وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ ) بالتنكير ، لتهويل أمرهما ، وتفخيم شأنهما .
قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ
📘 وقوله - تعالى - ( قُتِلَ أَصْحَابُ الأخدود ) جواب القسم بتقدير اللام وقد .أى : وحق السماء ذات البروج ، وحق اليوم الموعود ، وحق الشاهد والمشهود ، لقد قتل ولعن أصحاب الأخدود ، وطردوا من رحمة الله بسبب كفرهم وبغيهم .والأخدود : وهو الحفرة العظيمة المستطيلة فى الأرض ، كالخندق ، وجمعه أخاديد ، ومنه الخد لمجارى الدمع ، والمخدة : لأن الخد يوضع عليها .ويقال : تخدد وجه الرجل ، إذا صارت فيه التجاعيد . . ومنه قول الشاعر :ووجه كأن الشمس ألقت رداءها ... عليه ، نقى اللون لم يتخددوقيل : إن جواب القسم محذوف ، دل عليه قوله - تعالى - : ( قُتِلَ أَصْحَابُ الأخدود ) كأنه قيل : أقسم بهذه الأشياء إن كفار مكة لملعونون كما لعن أصحاب الأخدود .وأصحاب الأخدود : هم قوم من الكفار السابقين ، حفروا حفرا مستطيلة فى الأرض ، ثم أضرموها بالنار ، ثم ألقوا فيها المؤمنين ، الذين خالفوهم فى كفرهم ، وأبوا إلا إخلاص العبادة لله - تعالى - وحده .
النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ
📘 وقوله - سبحانه - : ( النار ذَاتِ الوقود ) بدل اشتمال مما قبله وهو الأخدود .والوقود : اسم لما توقد به النار كالحطب ونحوه . وذات الوقود : صفة للنار .أى : قتل وطرد من رحمة الله أصحاب الأخدود ، الذين أشعلوا فيه النيران ذات اللهب الشديد ، لكى يلقوا المؤمنين فيها .
إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ
📘 والظرف فى قوله - تعالى - ( إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ ) متعلق بقوله - تعالى - : ( قتل ) أى : لعنوا وطردوا من رحمة الله ، حين قعدوا على الأخدود ، ليشرفوا على من يعذبونهم من المؤمنين .فالضمير " هم " يعود على أولئك الطغاة الذين كانوا يعذبون المؤمنين ويجلسون على حافات الأخدود ليروهم وهم وهم يحرقون بالنار ، أو ليأمروا أتباعهم وزبانيتهم بالجد فى التعذيب حتى لا يتهاونوا فى ذلك .و ( على ) للاستعلاء المجازى : إذ من المعلوم أنهم لا يقعدون فوق النار ، وإنما هم يقعدون حولها ، لإِلقاء المؤمنين فيها .
وَهُمْ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ
📘 وجملة ( وَهُمْ على مَا يَفْعَلُونَ بالمؤمنين شُهُودٌ ) فى موضع الحال من الضمير فى قوله : ( إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ ) . أى : أن هؤلاء الطغاة الظالمين ، لم يكتفوا بإشعال النار ، والقعود حولها وهم يعذبون المؤمنين ، بل أضافوا إلى ذلك ، أنهم يشهدون تعذيبهم ، ويرونه بأعينهم على سبيل التشفى منهم ، فقوله ( شهود ) بمعنى حضور ، أو بمعنى يشهد بعضهم لبعض أمام ملكهم الظالم ، بأنهم ما قصروا فى تعذيب المؤمنين ، وهذا الفعل منهم . يدل على نهاية القسوة والظلم ، وعلى خلو قلوبهم من أى رحمة أو شفقة .قال الآلوسى : وقوله : ( وَهُمْ على مَا يَفْعَلُونَ بالمؤمنين شُهُودٌ ) أى : يشهد بعضهم لبعض عند الملك ، بأن أحدا لم يقصر فيما أمر به ، أو يشهدون عنده على حسن ما يفعلون . . أو يشهد بعضهم على بعض بذلك الفعل الشنيع يوم القيامة ، أو يشهدون على أنفسهم بذلك ، كما قال - تعالى - : ( يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) .وقيل : " على " بمعنى مع . أى : وهم مع ما يفعلون بالمؤمنين من العذاب حضور ، لا يرقون لهم ، لغاية قسوة قلوبهم . .
وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ
📘 ثم بين - سبحانه - الأسباب التى حملت هؤلاء الطغاة على إحراق المؤمنين فقال : ( وَمَا نَقَمُواْ مِنْهُمْ إِلاَّ أَن يُؤْمِنُواْ بالله العزيز الحميد . الذي لَهُ مُلْكُ السماوات والأرض والله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ) .والنقمة هنا بمعنى الإِنكار والكراهية . يقال : نقَم فلان هذا الشئ ، - من باب ضرب - إذا كرهه وأنكره .أى : أن هؤلاء الكافرين ما كرهوا المؤمنين ، وما أنزلوا بهم ما أنزلوا من عذاب ، إلا لشئ واحد ، وهو أن المؤمنين أخلصوا عبادتهم لله - تعالى - صاحب العزة التامة ، والحمد المطلق ، والذى له ملك جميع ما فى السموات والأرض ، وهو - سبحانه - على كل شئ شهيد ورقيب ، لا يخفى عليه أمر من أمور عباده ، أو حال من أحوالهم .فالمقصود من هاتين الآيتين الكريمتين ، التعجيب من حال هؤلاء المجرمين ، حيث عذبوا المؤمنين ، لا لشئ إلا من أجل إيمانهم بخالقهم ، وكأن الإِيمان فى نظرهم جريمة تستحق الإِحراق بالنار .وهكذا النفوس عندما يستحوذ عليها الشيطان ، تتحول الحسنات فى نظرها إلى سيئات وقديما قال المنكوسون من قوم لوط - عليه السلام - ( أخرجوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ ) والاستثناء فى قوله : ( إِلاَّ أَن يُؤْمِنُواْ بالله . . . ) استثناء مفصح عن براءة المؤمنين مما يعاب وينكر ، فهو من باب تأكيد المدح بما يشبه الذم كما فى قول القائل :ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ... بهن فلول من قراع الكتائبوشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - : ( قُلْ ياأهل الكتاب هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّآ إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بالله وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ ) قال الإِمام ابن كثير : وقد اختلفوا فى أهل هذه القصة من هم؟ فعن على ابن أبى طالب : أنهم أهل فارس حين أراد ملكهم تحليل زواج المحارم ، فامتنع عليه علماؤهم ، فعمد إلى حفر أخدود ، فقذف فيه من أنكر عليه منهم .وعنه أنهم كانوا قوما من اليمن ، اقتتل مؤمنوهم ومشركوهم ، فتغلب مؤمنوهم على كفارهم ، ثم اقتتلوا فغلب الكفار المؤمنين ، فخذا لهم الأخاديد ، وأحرقوهم فيها .ثم ذكر - رحمه الله - بعد ذلك جملة من الآثار فى هذا المعنى فارجع إليها إن شئت .وعلى أية حال فالمقصود بهذه الآيات الكريمة ، تثبيت المؤمنين على ما هم عليه من الإِيمان وتسليتهم عما أصابهم من أعدائهم ، وإعلامهم بأن ما نزل بهم من أذى ، قد نزل ما هو أكبر منه بالمؤمنين السابقين ، فعليهم أن يصبروا كما صبر أسلافهم ، وقد اقتضت سنته - تعالى - أن يجعل العاقبة للمتقين .
الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ
📘 ثم بين - سبحانه - الأسباب التى حملت هؤلاء الطغاة على إحراق المؤمنين فقال : ( وَمَا نَقَمُواْ مِنْهُمْ إِلاَّ أَن يُؤْمِنُواْ بالله العزيز الحميد . الذي لَهُ مُلْكُ السماوات والأرض والله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ) .والنقمة هنا بمعنى الإِنكار والكراهية . يقال : نقَم فلان هذا الشئ ، - من باب ضرب - إذا كرهه وأنكره .أى : أن هؤلاء الكافرين ما كرهوا المؤمنين ، وما أنزلوا بهم ما أنزلوا من عذاب ، إلا لشئ واحد ، وهو أن المؤمنين أخلصوا عبادتهم لله - تعالى - صاحب العزة التامة ، والحمد المطلق ، والذى له ملك جميع ما فى السموات والأرض ، وهو - سبحانه - على كل شئ شهيد ورقيب ، لا يخفى عليه أمر من أمور عباده ، أو حال من أحوالهم .فالمقصود من هاتين الآيتين الكريمتين ، التعجيب من حال هؤلاء المجرمين ، حيث عذبوا المؤمنين ، لا لشئ إلا من أجل إيمانهم بخالقهم ، وكأن الإِيمان فى نظرهم جريمة تستحق الإِحراق بالنار .وهكذا النفوس عندما يستحوذ عليها الشيطان ، تتحول الحسنات فى نظرها إلى سيئات وقديما قال المنكوسون من قوم لوط - عليه السلام - ( أخرجوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ ) والاستثناء فى قوله : ( إِلاَّ أَن يُؤْمِنُواْ بالله . . . ) استثناء مفصح عن براءة المؤمنين مما يعاب وينكر ، فهو من باب تأكيد المدح بما يشبه الذم كما فى قول القائل :ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ... بهن فلول من قراع الكتائبوشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - : ( قُلْ ياأهل الكتاب هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّآ إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بالله وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ ) قال الإِمام ابن كثير : وقد اختلفوا فى أهل هذه القصة من هم؟ فعن على ابن أبى طالب : أنهم أهل فارس حين أراد ملكهم تحليل زواج المحارم ، فامتنع عليه علماؤهم ، فعمد إلى حفر أخدود ، فقذف فيه من أنكر عليه منهم .وعنه أنهم كانوا قوما من اليمن ، اقتتل مؤمنوهم ومشركوهم ، فتغلب مؤمنوهم على كفارهم ، ثم اقتتلوا فغلب الكفار المؤمنين ، فخذا لهم الأخاديد ، وأحرقوهم فيها .ثم ذكر - رحمه الله - بعد ذلك جملة من الآثار فى هذا المعنى فارجع إليها إن شئت .وعلى أية حال فالمقصود بهذه الآيات الكريمة ، تثبيت المؤمنين على ما هم عليه من الإِيمان وتسليتهم عما أصابهم من أعدائهم ، وإعلامهم بأن ما نزل بهم من أذى ، قد نزل ما هو أكبر منه بالمؤمنين السابقين ، فعليهم أن يصبروا كما صبر أسلافهم ، وقد اقتضت سنته - تعالى - أن يجعل العاقبة للمتقين .