🕋 تفسير سورة الطارق
(At-Tariq) • المصدر: AR-TAFSIR-AL-WASIT
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ
📘 الطارق : اسم فاعل من الطروق . والمراد به هنا : النجم الذى يظهر ليلا فى السماء .قال القرطبى ما ملخصه : الطارق : النجم ، اسم جنس سمى بذلك لأنه يطرق ليلا ، ومنه الحديث : نهى النبى صلى الله عليه وسلم أن يطرق المسافر أهله ليلا . . والعرب تسمى كل قاصد فى الليل طارقا . يقال : طرق فلان ، إذا جاء ليلا . . وأصل الطرق : الدق ، ومنه سميت المطرقة ، فسمى قاصد الليل طارقا ، لاحتياجه فى الوصول إلى الدق .وفى الحديث : " أعوذ بك من طوارق الليل والنهار ، إلا طارقا يطرق بخير يا رحمن . . " .
فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ
📘 وقوله : ( تبلى ) من البلاء بمعنى الاختبار والامتحان . ومنه قوله - تعالى - ( إِنَّ هذا لَهُوَ البلاء المبين ) والمراد بقوله ( تبلى ) هنا : الكشف والظهور .و ( السرائر ) جمع سريرة ، وهى ما أسره الإِنسان من أقوال وأفعال ، والظرف " يوم " متعلق بقوله : ( رجعه ) .أى : إن الله - تعالى - الذى قدر على خلق الإِنسان من ماء دافق .يخرج من بين الصلب والترائب . . لقادر - أيضا - على إعادة خلق هذا الإِنسان بعد موته ، وعلى بعثه من قبره للحساب والجزاء ، يوم القيامة ، يوم تكشف المكنونات ، وتبدو ظاهرة للعيان ، وترفع الحجب عما كان يخفيه الإِنسان فى دنياه من عقائد ونيات وغيرهما .
وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ
📘 وفى هذا اليوم لا يكون للإِنسان من قوة تحميه من الحساب والجزاء ، ولا يكون له من ناصر ينصره من بأس الله - تعالى - أو من مدافع يدافع عنه .
وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ
📘 ثم أقسم - سبحانه - مرة أخرى بالسماء على أن القرآن من عنده - تعالى - فقال : ( والسمآء ذَاتِ الرجع . والأرض ذَاتِ الصدع . إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ . وَمَا هوَ بالهزل ) .والرجع : المطر . وسمى بذلك لأنه يجئ ويرجع ويتكرر ، وقيل : الرجع هنا : الشمس والقمر والنجوم ، يرجعن فى السماء حيث تطلع من ناحية ، وتغيب فى الأخرى .وقيل : المراد بالرجع : الملائكة ، لأنهم يرجعون إليها حاملين أعمال العباد .
إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ
📘 والصدع : الشق والانفطار ، يقال : تصدع الشئ ، إذا تشقق . . والمراد به هنا : ما تتشقق عنه الأرض من نبات . كما قال - تعالى - : ( أَنَّا صَبَبْنَا المآء صَبّاً . ثُمَّ شَقَقْنَا الأرض شَقّاً . فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً . وَعِنَباً وَقَضْباً ) أى : وحق السماء صاحبة المطر الذى ينزل من جهتها مرة فأخرى ، لنفع العباد والحيوان والنبات . . وحق الأرض ذات النبات البازغ من شقوقها .
وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ
📘 ( إنه ) أى : هذا القرآن ( لَقَوْلٌ فَصْلٌ ) أى : لقول فاصل بين الحق والباطل ، والهدى والضلال . والغى والرشاد . . وقد بلغ النهاية فى ذلك حتى لكأنه نفس الفصل .
إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا
📘 ( وَمَا هوَ بالهزل ) أى : وأن هذا القرآن ، ليس فيه شائبة من شوائب الهزل أو اللعب أو المزاح . بل هو جد كله ، فيجب على كل عاقل ، أن يتبع هداه ، وأن يستجيب لأمره ونهيه .وفى هذه الآيات الكريمة رد بليغ ، على أولئك المشركين الجاهلين ، الذين وصفوا القرآن ، بأنه نزل على الرسول صلى الله عليه وسلم ليهزل به ، لأنه يخبرهم بأن الأموات سيعادون إلى الحياة مرة أخرى ، وذلك أمر تستبعده نفوسهم المطموسة .وفى قوله - تعالى - : ( والسمآء ذَاتِ الرجع . والأرض ذَاتِ الصدع ) مقابلة لطيفة ، حيث وصف - سبحانه - السماء والأرض بما ينسابهما ، وبما يشير إلى أن البعث حق ، لأنه كما ينزل المطر من السماء فيحيى الأرض بعد موتها . كذلك يحيى الله - تعالى - بقدرته الأجساد بعد موتها ، وعاد الضمير فى قوله ( إنه ) إلى القرآن - مع أنه لم يسبق له ذكر - لأنه معلوم من المقام .
وَأَكِيدُ كَيْدًا
📘 ثم ختم - سبحانه - السورة الكريمة ، بتسلية الرسول صلى الله عليه وسلم وبتبشيره بحسن العاقبة فقال - تعالى - : ( إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً . وَأَكِيدُ كَيْداً . فَمَهِّلِ الكافرين أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً ) وقوله : ( رُوَيْداً ) تصغير " رُودِ " بزنة عود - من قولهم : فلان يمشى على ورد ، أى : على مهل ، وأصله من رادت الريح ترود ، إذا تحركت حركة ضعيفة .والكيد : العمل على إلحاق الضرر بالغير بطريقة خفية ، فهو نوع من المكر .والمراد به بالنسبة لهؤلاء المشركين : تكذيبهم الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولما جاء به من عند ربه ، فكيدهم مستعمل فى حقيقته .والمراد بالنسةب لله - تعالى - : إمهالهم واستدراجهم ، حتى يأخذهم أخذ عزيز مقتدر ، فى الوقت الذى يختاره ويشاؤه .أى : إن هؤلاء المشركين يحيكون المكايد لإِبطال أمرك - أيها الرسول الكريم - ، وإنى أقابل كيدهم ومكرهم بما يناسبه من استدراج من حيث لا يعلمون ، ثم آخذهم أخذ عزيز مقتدر ، فتمهل - أيها الرسول الكريم - مع هؤلاء المشركين ، ولا تستعجل عقابهم . وانتظر تدبيرى فيهم ، وأمهلهم وأنظرهم " رويدا " أى : إمهالا قريبا أو قليلا ، فإن كل آت قريب ، وقد حقق - سبحانه - لنبيه وعده بأن جعل العاقبة له ولأتباعه .وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا
📘 ثم ختم - سبحانه - السورة الكريمة ، بتسلية الرسول صلى الله عليه وسلم وبتبشيره بحسن العاقبة فقال - تعالى - : ( إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً . وَأَكِيدُ كَيْداً . فَمَهِّلِ الكافرين أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً ) وقوله : ( رُوَيْداً ) تصغير " رُودِ " بزنة عود - من قولهم : فلان يمشى على ورد ، أى : على مهل ، وأصله من رادت الريح ترود ، إذا تحركت حركة ضعيفة .والكيد : العمل على إلحاق الضرر بالغير بطريقة خفية ، فهو نوع من المكر .والمراد به بالنسبة لهؤلاء المشركين : تكذيبهم الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولما جاء به من عند ربه ، فكيدهم مستعمل فى حقيقته .والمراد بالنسةب لله - تعالى - : إمهالهم واستدراجهم ، حتى يأخذهم أخذ عزيز مقتدر ، فى الوقت الذى يختاره ويشاؤه .أى : إن هؤلاء المشركين يحيكون المكايد لإِبطال أمرك - أيها الرسول الكريم - ، وإنى أقابل كيدهم ومكرهم بما يناسبه من استدراج من حيث لا يعلمون ، ثم آخذهم أخذ عزيز مقتدر ، فتمهل - أيها الرسول الكريم - مع هؤلاء المشركين ، ولا تستعجل عقابهم . وانتظر تدبيرى فيهم ، وأمهلهم وأنظرهم " رويدا " أى : إمهالا قريبا أو قليلا ، فإن كل آت قريب ، وقد حقق - سبحانه - لنبيه وعده بأن جعل العاقبة له ولأتباعه .وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ
📘 وقوله - تعالى - : ( وَمَآ أَدْرَاكَ مَا الطارق ) تنويه بشأنه إثر تفخيمه بالإِقسام به ، فالاستفهام مستعمل فى تعظيم أمره .وقد جاء التعبير بقوله - تعالى - : ( وَمَآ أَدْرَاكَ . . . ) ثلاث عشرة مرة فى القرآن الكريم ، كلها جاء الخبر بعدها - كما هنا - ، وكما فى قوله - تعالى - ( وَمَآ أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ . لاَ تُبْقِي وَلاَ تَذَرُ . لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ ) وكما فى قوله - سبحانه - : ( وَمَآ أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدين . ثُمَّ مَآ أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدين . يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً . . . ) إلا واحدة لم يأت الخبر بعدها ، وهى قوله - تعالى - : ( الحاقة . مَا الحآقة . وَمَآ أَدْرَاكَ مَا الحاقة . . ) أما التعبير بقوله - تعالى - : ( وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ الساعة تَكُونُ قَرِيباً ) ( وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ الساعة قَرِيبٌ ) ( وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يزكى ) قال القرطبى : قال سفيان : كل ما فى القرآن وما أدراك فقد أخبر به ، وكل شئ قال فيه : وما يدريك ، لم يخبر به .
النَّجْمُ الثَّاقِبُ
📘 وقوله ( النجم الثاقب ) بيان وتفسير للطارق ، والثاقب . أى : المضئ الذى يثقب الظلام ويخرقه بنوره فينفذ فيه ويبدده .والجملة الكريمة مستأنفة ، وهى جواب عن سؤال مقدر نشأ مما قبله ، كأنه قيل : وما هو الطارق؟ فكان الجواب : هو النجم الثاقب .
إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ
📘 وقوله - سبحانه - : ( إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ ) جواب القسم وما بينهما كلام معترض لتفخيم شأن المقسم به . . والحافظ : هو الذى يحفظ ما كلف بحفظه ، لمقصد معين . أى : وحق السماء البديعة الصنع ، وحق النم الذى يطلع فيها فيبدد ظلام الليل ، ما كل نفس من الأنفس إلا وعليها من الملائكة من يحفظ عملها ويسجله ، سواء أكان هذا العمل خيرا أم شرا .قال الإِمام الشوكانى ما ملخصه : قرأ الجمهور بتخفيف الميم فى قوله : لما ، فتكون " إن " مخففة من الثقيلة ، فيها ضمير الشأن المقدر ، وهو اسمها ، واللام هى الفارقة - بين " إن " النافية ، و " إن " المخففة من الثقيلة - وما مزيدة . أى : إن الشأن كل نفس لعليها حافظ .وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة بتشديد الميم فى قوله ( لما ) فتكون " إن " نافية ، و " لما " بمعنى إلا .أى : ما كل نفس إلا عليها حافظ .والحافظ : هم الحفظة من الملائكة الذين يحفظون عليها عملها وقولها وفعلها . وقيل : الحافظ هو الله - تعالى - وقيل : هو العقل يرشدهم إلى المصالح .والأول أولى لقوله - تعالى - : ( وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً ) وقوله : ( وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ ) وحفظ الملائكة إنما هو من حفظه - تعالى - . لأنهم لا يحفظون إلا بأمره - عز وجل - .والمقصود من الآية الكريمة : تحقيق تسجيل أعمال الإِنسان عليه ، وأنه سيحاسب عليها وسيجازى عليها بما يستحقه من ثواب أو عقاب .
فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ
📘 وبعد أن بين - سبحانه - أن كل نفس عليها حافظ يسجل عليها أعمالها ، أتبع ذلك بأمر الإِنسان بالتفكر فيما ينفعه ، بأن يعتبر بأول نشأته ، وليعلم أن من خلقه من ماء مهين ، قادر على إعادته إلى الحياة مرة أخرى ، فقال - تعالى - : ( فَلْيَنظُرِ الإنسان مِمَّ خُلِقَ . خُلِقَ مِن مَّآءٍ دَافِقٍ . يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصلب والترآئب . . . ) .والفاء فى قوله ( فَلْيَنظُرِ . . . ) للتفريع على ما تقدم ، وهى بمعنى الفصيحة .أى : إذا كان الأمر كما ذكرت لكم - أيها الناس - ، من أن كل نفس عليها حافظ يسجل عليها أقوالها وأفعالها . . فلينظر الإِنسان منكم نظر تأمل وتدبر واعتبار ، وليسأل نفسه من أى شئ عليها أقوالها وأفعالها . . فلينظر الإِنسان منكم نظر تأمل وتدبر واعتبار ، وليسأل نفسه من أى شئ خلق؟ لقد خلقه الله - تعالى - بقدرته ، من ماء متدفق ، يخرج بقوة وسرعة من الرجل ، ليصب فى رحم الأنثى .وهذا الماء الدافق من صفاته أنه يخرج من بين صلب الرجل ، ومن بين ترائب المرأة ، حيث يختلط الماءان ، ويتكون منهما الإِنسان فى مراحله المختلفة بقدرة الله - تعالى - .قال صاحب الكشاف : فإن قلت : ما وجه اتصال قوله : ( فلينظر ) بما قبله؟قلت : وجه اتصاله به أنه لما ذكر أن على كل نفس حافظا ، أتبعه بتوصية الإِنسان بالنظر فى أول أمره . ونشأته الأولى ، حتى يعلم أن من أنشأه قادر على إعادته وجزائه ، فيعمل ليوم الإِعادة والجزاء ، ولا يملى على حافظه إلا ما يسره فى عاقبته ." مم خلق " استفهام جوابه : ( خُلِقَ مِن مَّآءٍ دَافِقٍ ) ، والدفق : صَبٌّ فيه دفع .ومعنى " دافق " النسبة إلى الدفق الذى هو مصدر دفق ، كالابن والتامر . أو الإِسناد المجازى ، والدفق فى الحقيقة لصاحبه .ولم يقل ماءين لامتزاجهما فى الرحم ، واتحادهما حين ابتدئ فى خلقه . .وقال بعض العلماء : قوله : ( خُلِقَ مِن مَّآءٍ دَافِقٍ ) أى : من ماء ذى دفق . . وكل من منى الرجل . ومنى المرأة ، اللذين يتخلق منهما الجنين ، ذو وفق فى الرحم .
خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ
📘 وقوله : ( خُلِقَ مِن مَّآءٍ دَافِقٍ ) جواب الاستفهام فى قوله - سبحانه - ( مِمَّ خُلِقَ ) والمقصود بالاستفهام هنا : الحث والحض على التفكر والتدبر .أى : إذا كان الأمر كما ذكرت لكم - أيها الناس - ، من أن كل نفس عليها حافظ يسجل عليها أقوالها وأفعالها . . فلينظر الإِنسان منكم نظر تأمل وتدبر واعتبار ، وليسأل نفسه من أى شئ عليها أقوالها وأفعالها . . فلينظر الإِنسان منكم نظر تأمل وتدبر واعتبار ، وليسأل نفسه من أى شئ خلق؟ لقد خلقه الله - تعالى - بقدرته ، من ماء متدفق ، يخرج بقوة وسرعة من الرجل ، ليصب فى رحم الأنثى .وهذا الماء الدافق من صفاته أنه يخرج من بين صلب الرجل ، ومن بين ترائب المرأة ، حيث يختلط الماءان ، ويتكون منهما الإِنسان فى مراحله المختلفة بقدرة الله - تعالى - .قال صاحب الكشاف : فإن قلت : ما وجه اتصال قوله : ( فلينظر ) بما قبله؟قلت : وجه اتصاله به أنه لما ذكر أن على كل نفس حافظا ، أتبعه بتوصية الإِنسان بالنظر فى أول أمره . ونشأته الأولى ، حتى يعلم أن من أنشأه قادر على إعادته وجزائه ، فيعمل ليوم الإِعادة والجزاء ، ولا يملى على حافظه إلا ما يسره فى عاقبته ." مم خلق " استفهام جوابه : ( خُلِقَ مِن مَّآءٍ دَافِقٍ ) ، والدفق : صَبٌّ فيه دفع .ومعنى " دافق " النسبة إلى الدفق الذى هو مصدر دفق ، كالابن والتامر . أو الإِسناد المجازى ، والدفق فى الحقيقة لصاحبه .ولم يقل ماءين لامتزاجهما فى الرحم ، واتحادهما حين ابتدئ فى خلقه . .وقال بعض العلماء : قوله : ( خُلِقَ مِن مَّآءٍ دَافِقٍ ) أى : من ماء ذى دفق . . وكل من منى الرجل . ومنى المرأة ، اللذين يتخلق منهما الجنين ، ذو وفق فى الرحم .
يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ
📘 و " دافق " اسم فاعل من الدفق ، وهو الصب للشئ بقوة وسرعة ، يقال : تدفق الماء إذا سال باندفاع وسرعة . والمراد به هنا : الماء الذى تخرج من الرجل ويصب فى رحم المرأة .والصلب : يطلق على فقار الظهر بالنسبة للرجل ، والترائب : جمع تربية ، وهى العظام التى تكون فى أعلى صدر المرأة ، ويعبرون عنها بقولهم موضع القلادة من المرأة .أى : إذا كان الأمر كما ذكرت لكم - أيها الناس - ، من أن كل نفس عليها حافظ يسجل عليها أقوالها وأفعالها . . فلينظر الإِنسان منكم نظر تأمل وتدبر واعتبار ، وليسأل نفسه من أى شئ عليها أقوالها وأفعالها . . فلينظر الإِنسان منكم نظر تأمل وتدبر واعتبار ، وليسأل نفسه من أى شئ خلق؟ لقد خلقه الله - تعالى - بقدرته ، من ماء متدفق ، يخرج بقوة وسرعة من الرجل ، ليصب فى رحم الأنثى .وهذا الماء الدافق من صفاته أنه يخرج من بين صلب الرجل ، ومن بين ترائب المرأة ، حيث يختلط الماءان ، ويتكون منهما الإِنسان فى مراحله المختلفة بقدرة الله - تعالى - .قال صاحب الكشاف : فإن قلت : ما وجه اتصال قوله : ( فلينظر ) بما قبله؟قلت : وجه اتصاله به أنه لما ذكر أن على كل نفس حافظا ، أتبعه بتوصية الإِنسان بالنظر فى أول أمره . ونشأته الأولى ، حتى يعلم أن من أنشأه قادر على إعادته وجزائه ، فيعمل ليوم الإِعادة والجزاء ، ولا يملى على حافظه إلا ما يسره فى عاقبته ." مم خلق " استفهام جوابه : ( خُلِقَ مِن مَّآءٍ دَافِقٍ ) ، والدفق : صَبٌّ فيه دفع .ومعنى " دافق " النسبة إلى الدفق الذى هو مصدر دفق ، كالابن والتامر . أو الإِسناد المجازى ، والدفق فى الحقيقة لصاحبه .ولم يقل ماءين لامتزاجهما فى الرحم ، واتحادهما حين ابتدئ فى خلقه . .وقال بعض العلماء : قوله : ( خُلِقَ مِن مَّآءٍ دَافِقٍ ) أى : من ماء ذى دفق . . وكل من منى الرجل . ومنى المرأة ، اللذين يتخلق منهما الجنين ، ذو وفق فى الرحم .
إِنَّهُ عَلَىٰ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ
📘 ( يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصلب والترآئب ) أى : يخرج هذا الماء الدافق ، من بين صلب كل واحد منهما ، وترائب كل منهما . أى : أن أعضاء وقوى كل منهما ، تتعاون فى تكوين ما هو مبدأ لتوالد الإِنسان : ماء الرجل وهو المنى ، ومادة المرأة وهى البويضة المصحوبة بالسائل ، المنصبان بدفع وسيلان سريع إلى الرحم عند الاتصال الجنسى . ويسمى الفقهاء هذه المادة منيا وماء . .وقال فضيلة الشيخ ابن عاشور : وأطنب - سبحانه - فى وصف هذا الماء الدافق ، لإِدماج التعليم والعبرة بدقائق التكوين ، ليستيقظ الجاهل الكافر ، ويزداد المؤمن علما ويقينا .ووصف بأنه ( يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصلب والترآئب ) ، لأن الناس لا يتفطنون لذلك . . وهذا من الإِعجاز العلمى فى القرآن ، الذى لم يكن علم به للذين نزل بينهم ، وهو إشارة مجملة ، وقد بينها حديث مسلم عن أم سلمة وعائشة : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن احتلام المرأة فقال : " تغتسل إذا أبصرت الماء . فقيل له : أترى المرأة ذلك؟ فقال : وهل يكون الشبه إلا من قِبَل ذلك ، إذا علا ماءُ المرأة ماءَ الرجل ، أشبه الولد أخواله ، وإذا علا ماءُ الرجل ماءها ، أشبه عمامه " " .وقال صاحب الظلال : ولقد كان هذا سرا مكنونا فى علم الله لا يعلمه البشر ، حتى كان نصف القرن الأخير ، حيث اطعل العلم الحديث على هذه الحقيقة بطريقته ، وعرف أنه فى عظام الظهر الفقارية ، يتكون ماء الرجل . وفى عظام الصدر العلوية يتكون ماء المرأة ، حيث يلتقيان فى قرار مكين . فينشأ منهما الإِنسان . .
يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ
📘 وقوله - سبحانه - : ( إِنَّهُ على رَجْعِهِ لَقَادِرٌ . يَوْمَ تبلى السرآئر . فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ وَلاَ نَاصِر ) . بيان لكمال قدرته - تعالى- وأنه كما أنشأ الإِنسان من ماء مهين ، قادر على إعادته إلى الحياة بعد موته . والضمير فى قوله : ( إنه ) يعود إلى الله - عز وجل - لأن الخالق للإِنسان من ماء دافق هو الله - تعالى - .والضمير فى قوله " رجعه " يعود إلى الإِنسان المخلوق .