🕋 تفسير سورة الفجر
(Al-Fajr) • المصدر: AR-TAFSIR-AL-WASIT
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ وَالْفَجْرِ
📘 افتتح - سبحانه - السورة الكريمة بالقسم بخمسة أشياء لها شرفها وعظمها ، ولها فوائدها الدينية والدنيوية . . ولها دلالتها الواضحة على كمال قدرته - تعالى - .أقسم أولا - بالفجر ، وهو وقت انفجار الظلمة عن النهار من كل يوم ، ووقت بزوغ الضياء وانتشاره علىالكون بعد ليل بهيم .فالمراد بالفجر : الوقت الذى يبدأ فيه النهار فى الظهور ، بعد ظلام الليل ، والتعريف فيه للجنس ، لأن المقصود هذا الوقت من كل يوم .وقيل المراد بالفجر هنا : صلاة الفجر ، لأنها صلاة مشهودة ، أى : تشهدها الملائكة ، كما أن التعريف فيه للعهد ، فقيل : فجر يوم النحر ، وقيل : فجر يوم الجمعة . .ويبدو لنا أن الرأى الأول أرجح ، لأن قوله - تعالى - بعد ذلك ( وَلَيالٍ عَشْرٍ ) يرجح أن المراد به وقت معين . هذا الوقت يوجد مع كل يوم جديد .
وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ
📘 وقوله - تعالى - : ( وَثَمُودَ الذين جَابُواْ الصخر بالواد . وَفِرْعَوْنَ ذِى الأوتاد ) معطوف على ما قبله . والمراد بثمود : القبيلة المسماة بهذا الاسم ، نسبة إلى جدها ثمود ، وقد أرسل الله - تعالى - إليهم نبيهم صالحا - عليه السلام - فكذبوه ، فأهلكهم الله - تعالى - .وكانت مساكنهم بين الشام والحجاز ، ومازالت معروفة حتى الآن باسم قرى صالح .وقوله : ( جَابُواْ ) بمعنى قطعوا . من الجوب بمعنى القطع والخرق ، والصخرة الحجارة العظيمة .والواد : اسم للأرض المنخفضة بين مكانين مرتفعين ، وكان هؤلاء القوم يقطعون الصخور من الجبال ، ليتخذوا منها بيوتهم بواديهم ، أى : بالمكان الذى كانوا يسكنونه .فقوله : ( بالواد ) علم بالغلبة للمكان الذى كانوا يسكنون فيه ، ويسمى بوادى القرى ، وقد قال - تعالى - فى شأنهم : ( وَتَنْحِتُونَ مِنَ الجبال بُيُوتاً فَارِهِينَ ) والمراد بفرعون هنا : هو وقومه . والمراد بالأوتاد : الجنود والعساكر الذين يشدون ملكه ويقوونه ، كما تشد الخيام وتقوى بالأوتاد .قال الآلوسى : وصف فرعون بذلك لكثرة جنوده وخيامهم ، التى يضربون أوتادها فى منازلهم ، أو لأنه كان يدق لمن يريد تعذيبه أربعة أوتاد ، ويشده بها . .وقال بعض العلماء : ووصف فرعون بذى الأوتاد ، لأن مملكته كانت تحتوى على الأهرامات ، التى بناها أسلافه ، لأن صورة الهرم على الأرض تشبه الوتد المدقوق ، ويجوز أن يكون المراد بالأوتاد : التمكن والثبات على سبيل الاستعارة ، أى : ذى القوة . .وقال صاحب الظلال : ( وَثَمُودَ الذين جَابُواْ الصخر بالواد وَفِرْعَوْنَ ذِى الأوتاد ) وهى على الأرجح الأهرامات ، التى تشبه الأوتاد الثابتة فى الأرض المتينة البنيان ، وفرعون المشار إليه هنا ، فرعون الطاغية الجبار ، الذى أرسل الله - تعالى - إليه موسى - عليه السلام - . .والمعنى : لقد علمت - أيها الرسول الكريم - وعلم معك كل من هو أهل للخطاب ، ما فعله ربك بقبيلة عاد ، التى جدها إرم بن سام بن نوح ، والتى كانت صاحبة أعمدة عظيمة ترفع عليها بيوتها ، والتى لم يخلق فى بلادها مثلها فى القوة والغنى .وعلمت - أيضا - ما فعله ربك بقوم ثمود ، الذين قطعوا صخر الجبال ، واتخذوا منها والعساكر الذين يشدون ملكه .
الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ
📘 و ( الذين طَغَوْاْ فِي البلاد ) فأفسدوها ، وتجاوزوا كل حد فى العصيان والظلم .
فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ
📘 ( فَأَكْثَرُواْ فِيهَا ) أى : فى البلاد ( الفساد ) عن طريق الفسوق والخروج عن طاعتنا .
فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ
📘 ( فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ ) أى : فكانت نتيجة طغيانهم وفسادهم ، أن أنزل ربك عليهم ، نوعا عظيما من العذاب المهين .والسوط : آلة تتخذ من الجلود القوية ، يضرب بها الجانى ، وإضافتها إلى العذاب ، من إضافة الصفة إلى الموصوف . أى : فصب عليهم ربك عذابا . " سوطا " أى : كالسوط فى سرعته ، وشدته وتتابعه ، فهو تشبيه بليغ .وعبر - سبحانه - على إنزال العذاب بهم بالصب - وهو الإِفراغ لما فى الظرف بقوة - للإِيذان بكثرته وتتابعه .وسميت أنواع العذاب النازلة بهم سوطا تسمية للشئ باسم آلته .قال صاحب الكشاف : وذكر السوط . إشارة إلى أن ما أحله بهم فى الدنيا من العذاب العظيم بالقياس إلى ما أعد لهم فى الآخرة ، كالسوط إذا قيس إلى سائر ما يعذب به .وعن عمر بن عبيد : كان الحسن إذا أتى على هذه الآية قال : إن عند الله أسواطا كثيرة ، فأخذهم بسوط منها . .
إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ
📘 وقوله - سبحانه - : ( إِنَّ رَبَّكَ لبالمرصاد ) تذييل وتعليل لإِصابتهم بسوط عذاب .والمرصاد فى الأصل : اسم للمكان الذى يجلس فيه الجالس لترقب أو رؤية شئ ما .والمراد : إن ربك - أيها الرسول الكريم - يرصد عمل كل إنسان ، ويحصيه عليه ، ويجازيه به ، دون أن يخفى عليه - سبحانه - شئ فى الأرض أو السماء .وفى هذه الآيات الكريمة تخويف شديد للكافرين ، وتهديد لهم على إصرارهم فى جحودهم ، وأنهم إذا ما ساروا فى طريق الجحود والعناد ، فسيصيبهم ما أصاب هؤلاء الطغاة .
فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ
📘 ثم ذكر - سبحانه - حال الإِنسان عند اليسر والعسر ، والغنى والفقر ، والسراء والضراء فقال :( فَأَمَّا الإنسان إِذَا . . . ) .الفاء فى قوله : ( فَأَمَّا الإنسان . . . ) للتفريع على ما تقدم ، ولترتيب ما بعدها على ما قبلها .والمراد بالإِنسان هنا : جنسه . وقيل المراد به الكافر . ولفظ " الإنسان " مبتدأ ، وخبره : ( فَيَقُولُ ربي أَكْرَمَنِ ) .والمعنى : هذه سنة ربك - أيها العاقل - فى عباده ، أنه - تعالى - لهم بالمرصاد ، فهو يراقب أعمالهم ، ويحاسبهم عليها ، ويجازيهم بها ، والسعيد من الناس هو الذى يفقه هذه الحقيقة ، فيؤدى ما كلفه خالقه به . . . فأما الإِنسان ، الشقى الغافل عن طاعة ربه . .( إِذَا مَا ابتلاه رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ ) أى : إذا ما اختبره وامتحنه ربه بألوان من النعم ، بأن منحه المال الكثير ، والجاه العريض ، وأسباب القوة والمنعة ( فيقول ) على سبيل التباهى والتفاخر . . ( ربي أَكْرَمَنِ ) أى : ربى أعطانى ذلك ، لأنى مستحق لهذه النعم ، كما قال - تعالى - : ( وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هذا لِي وَمَآ أَظُنُّ الساعة قَآئِمَةً وَلَئِن رُّجِعْتُ إلى ربي إِنَّ لِي عِندَهُ للحسنىا ) .
وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ
📘 وقوله - سبحانه - : ( وَأَمَّآ إِذَا مَا ابتلاه فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ . . ) بيان لموقف هذا الإِنسان عند فقره . أى : وأما إذا ما امتحنا هذا الإِنسان بسلب بعض النعم عنه ، وبضيق الرزق . . ( فيقول ) على سبيل التضجر والتأفف وعدم الرضا بقضائه - سبحانه - : ( ربي أَهَانَنِ ) أى : ربى أذلنى بالفقر ، وأنزل بى الهوان والشرور .وقول هذذا الإِنسان فى الحالين ، قول مذموم ، يدل على سوء فكره ، وقصور نظره ، وانطماس بصيرته ، لأنه فى حالة العطاء والعسة فى الرزق ، يتفاخر ويتباهى ، ويتوهم أن هذه النعم هو حقيق وجدير بها ، وليست من فضل الله - تعالى - وكأنه يقول ما قاله قارون : ( إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ على عِلْمٍ عندي ) وفى حالة المنع والضيق فى الرزق يجزع ، ويأبى أن يرضى بقضاء الله وقدره . . ولا يخطر بباله أن نعم الله ، إنما هى فضل تفضل به - سبحانه - عليه ليختبره ، أيشكر أم يكفر . وأن تضييقه عليه فى الرزق ، ليس من الإِهانة فى شئ ، بل هو للابتلاء - أيضا - والامتحان ، كما قال - تعالى - : ( وَنَبْلُوكُم بالشر والخير فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ) قال الإِمام الشوكانى عند تفسيره لهاتين الآيتين : وهذه صفة الكافر الذى لا يؤمن بالبعث ، لأنه لا كرامة عنده إلا الدنيا والتوسع فى متاعها ، ولا إهانة عنده إلا فوتها وعدم وصوله إلى ما يريد من زينتها ، فأما المؤمن فالكرامة عنده أن يكرمه الله بطاعته ، ويوفقه لعمل الآخرة .ويحتمل أن يراد الإِنسان على العموم ، لعدم تيقظه أن ما صار إليه من الخير ، وما أصيب به من الشر فى الدنيا ، ليس إلا للاختبار والامتحان ، وأن الدنيا بأسرها ، لا تعدل عند الله - تعالى - جناح بعوضة ..واقتصر - سبحانه - فى الآية الكريمة على تقتير الرزق ، فى مقابلة النعمة ، دون غير ذلك من الأمراض والآفات ، للإِشعار بأن هذا الإِنسان يعتبر دنياه جنته ومنتهى آماله ، فهو لا يفكر إلا فى المال ولا يحزن إلا من أجله ، وأن المقياس عنده لمقادير الناس هو على حسب ما عندهم من أموال كما قال شاعرهم :فلو شاء ربى كنت قيسَ بن عاصمٍ ... ولو شاء ربى كنت عمرَو بنَ مَرْثِدفأصبحت ذا مال كثير وطاف بى ... بنونَ كرامٌ ، سادةٌ لُمسوَّدولما كان هذا القول مذموما من هذا الإِنسان فى الحالين . لعدم شكره لله - تعالى - فى حالة الرخاء ، ولعدم صبره على قضائه فى حالة البأساء .
كَلَّا ۖ بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ
📘 لما كان الأمر كذلك جاء حرف الردع بعد ذلك فقال - تعالى - : ( كَلاَّ بَل لاَّ تُكْرِمُونَ اليتيم . وَلاَ تَحَآضُّونَ على طَعَامِ المسكين )فقوله - تعالى - : ( كلا ) زرج وردع عن قول هذا الإِنسان ( ربي أَكْرَمَنِ ) عند حصول النعمة ، وعن قوله ( ربي أَهَانَنِ ) عند حصول التقتير فى الرزق ، لأن الله - تعالى - قد يوسع على الكافر وهو مهان ومبغوض منه - تعالى - ، وقد يضيق - سبحانه - على المؤمن مع محبته له ، وكلا الأمرين حاصل بمقتضى حكمته - عز وجل - والمؤمن الصادق هو الذى يشكر عند الرخاء ، ويصبر عند البأساء .و " بل " هنا للإضراب الانتقالى ، من ذمهم على القبيح من القول ، إلى ذمهم بما هو أشنع منه ، وهو ارتكابهم للقبيح من الأفعال .أى : كلا ليس قولكم هذا وهو أن الإِكرام فى الإعطاء ، والإهانة فى المنع - هو القبيح فحسب ، بل هناك ما هو أقبح منه ، وهو أنكم ، أيها الكافرون - .( لاَّ تُكْرِمُونَ اليتيم ) أى : لا تعطفون على اليتيم وهو الذى مات أبوه وهو صغير ، بأن تتركوه معرضا للفقر والاحتياج ، دون أن تعملوا على تقديم يد المساعدة إليه .
وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَىٰ طَعَامِ الْمِسْكِينِ
📘 ( وَلاَ تَحَآضُّونَ على طَعَامِ المسكين ) أى : ولا يحث بعضكم بعضا على إطعام المساكين والبائسين .ونفى الحض على إطعامهم ، نفى لإِطعامهم من باب أولى ، وفى ذلك زيادة لمذلتهم ، لأنهم لا يطعمون ، ولا يحضون غيرهم عليه ، لأنهم قوم خلت قلوبهم من الرحمة والعطف .قال الآلوسى : قوله - سبحانه - : ( بَل لاَّ تُكْرِمُونَ اليتيم ) أى : لا تعطفون على اليتيم وهو الذى مات أبوه وهو صغير ، بأن تتركوه معرضا للفقر والاحتياج ، دون أن تعملوا على تقديم يد المساعدة إليه .( وَلاَ تَحَآضُّونَ على طَعَامِ المسكين ) أى : ولا يحث بعضكم بعضا على إطعام المساكين والبائسين .ونفى الحض على إطعامهم ، نفى لإِطعامهم من باب أولى ، وفى ذلك زيادة لمذلتهم ، لأنهم لا يطعمون ، ولا يحضون غيرهم عليه ، لأنهم قوم خلت قلوبهم من الرحمة والعطف .قال الآلوسى : قوله - سبحانه - : ( بَل لاَّ تُكْرِمُونَ اليتيم .. ) إلخ . انتقال وترق من ذم هذا الإِنسان على القبيح من القول ، إلى الأقبح من الفعل ، والالتفات إلى الخطاب ، لتشديد التقريع ، وتأكيد التشنيع . . والجمع باعتبار معنى الإِنسان ، إذ المراد الجنس . أى : بل لكم أفعال وأحوال أشد شرا مما ذكر ، وأدل على تهالككم على المال ، حيث أكرمكم - سبحانه - بكثرة المال ، ولكنكم لم تؤدوا ما يلزمكم فيه من إكرام اليتيم .والمراد بطعام المسكين : إطعامه ، فالطعام مصدر بمعنى الإِطعام . . أو المراد به : الشئ المطعوم ، ويكون الكلام على حذف مضاف . أى : على بذل طعام المسكين . .
وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا
📘 وقوله - سبحانه - : ( وَتَأْكُلُونَ التراث أَكْلاً لَّمّاً ) بيان لرذيلة ثالثة من رذائلهم المتعددو . والتراث : هو المال الموروث عن الغير . والمراد بالأكل مطلق الانتفاع ، وخص الأكل بالذكر ، لأنه يشمل معظم وجوه التصرفات المالية .والَّلُّم : الجمع بدون تفرقة بين الحلال والحرام ، مأخوذ من قولهم : لَمَّ الطعام ، إذا أكله كله دون أن يترك منه شيئا .أى : ومن صفاتكم القبيحة أنكم تأكلون المال الموروث عن غيركم ، أكلا شديدا ، بحيث لا تتركون منه شيئا ، ولا تفرقون بين ما هو حلال أو حرام ، ولا بين ما يحمد وما لا يحمد ، بل تأخذون حقوقكم وحقوق غيركم من النساء والصبيان .
وَلَيَالٍ عَشْرٍ
📘 وأقسم - سبحانه - ثانيا بقوله : ( وَلَيالٍ عَشْرٍ ) والمراد بها : الليالى العشر الأُوَل من شهر ذى الحجة ، لأنها وقت مناسك الحج ، ففيها الإِحرام ، والطواف ، والوقوف بعرفة . .وقيل المراد بها : الليالى العشر الأواخر من رمضان وقيل : الليالى العشر الأُوَل من شهر المحرم . .قال الإِمام ابن كثير : والليالى العشر : المراد بها : عشر ذى الحجة . كما قاله ابن عباس وابن الزبير ، ومجاهد ، وغير واحد من السلف والخلف .وقد ثبت فى صحيح البخارى ، عن ابن عباس مرفوعا : " ما من أيام العمل الصالح ، أحب إلى الله - تعالى - فيهن ، من هذه الأيام " - يعنى : عشر ذو الحجة - قالوا : " ولا الجهاد فى سبيل الله؟ قال : ولا الجهاد فى سبيل الله ، إلا رجلا خرج بنفسه وماله ، ثم لم يرجع من ذلك بشئ " .وقيل : المراد بذلك : العشر الأُوَل من المحرم . وقيل : العشر الأُوَل من رمضان والصحيح القول الأول . .
وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا
📘 ومن صفاتكم - أيضا - أنكم ( وَتُحِبُّونَ المال حُبّاً جَمّاً ) أى : حبا كثيرا مع حرص وشَرَه . يقال : جمّ الماء فى الحوض ، إذا كثر واجتمع ، ومنه الجَمُوع للبئر الكثيرة الماء .والحب المفرط للمال من الصفات الذميمة ، لأنه يؤدى إلى جمعه من كل طريق ، بدون تفرقة بين ما يحل منه وما يحرم .فأنت ترى أن الله - تعالى - قد وصف هذا النوع من الناس ، بأنه قد جمع فى سوء سلوكه ، بين النطق بالقبيح من الأقوال ، وبين ارتكاب القبيح من الأفعال ، وهى : ترك اليتيم بلا رعاية ، وعدم الحض على إطعام المحتاج ، وجمع المال الموروث بدون تفرقة بين حلاله وحرامه ، والإِفراط فى حب المال بطريقة ذميمة .
كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا
📘 وبعد هذا الزجر والردع لهم ، لسوء أقوالهم وأفعالهم ، أخذت السورة الكريمة فى زجرهم وردعهم عن طريق تذكيرهم بأهوال الآخرة فقال : - تعالى - : ( كَلاَّ إِذَا دُكَّتِ الأرض دَكّاً دَكّاً ) . وقوله - تعالى - : ( كَلاَّ إِذَا دُكَّتِ الأرض دَكّاً دَكّاً ) ردع لهم وزجر عن أفعالهم السابقة ، وهى عدم إكرام اليتيم ، وعدم الحض على طعام المسكين .وقوله : ( دُكَّتِ الأرض ) من والدك : بمعنى الكسر والدق والزلزلة الشديدة ، والتحطيم الجسيم ، وانتصب لفظ " دكا " الأول على أنه مصدر مؤكد للفعل ، وانتصاب الثانى على أنه تأكيد الأول . وقيل : تكرار " دكا " للدلالة على الاستيعاب ، كقولك : قرأت النحو بابا بابا ، أى : قرأته كله .قال القرطبى : قوله - تعالى - : ( كَلاَّ إِذَا دُكَّتِ الأرض . . ) أى : ما هكذا ينبغى أن يكون الأمر . فهو رد لانكبابهم على الدنيا ، وجميعهم لها ، فإن من فعل ذلك يندم يوم تدك الأرض ، ولا ينفعه الندم ، والدك .الكسر والدق ، أى : زلزلت وحركت تحريكا بعد تحريك .وقوله : ( دَكّاً دَكّاً ) أى : مرة بعد مرة ، زلزلت فكسر بعضها بعضا فتكسر كل شئ على ظهرها . .
وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا
📘 وقوله - تعالى - : ( وَجَآءَ رَبُّكَ . . . ) هذه الآية وأمثالها من آيات الصفات التى يرى السلف وجوب الإِيمان بها كما جاءت ، بمعنى أننا نؤمن بمجئ الله - تعالى - ولكن من غير تكييف ولا تمثيل ، بل نكل علم كيفية مجيئة إلى مشيئته - تعالى - .والخلف يؤولون ذلك بأى المجئ هنا بمعنى مجئ أمره وقضائه .قال الآلوسى : قوله - تعالى - : ( وَجَآءَ رَبُّكَ . . . ) قال منذر بن سعيد ، معناه : ظهر - سبحانه - للخلق هنالك ، وليس ذلك بمجئ نقلة . . وقيل : الكلام على حذف مضاف للتهويل ، أى : وجاء أمر ربك وقضاؤه . واختار جع أنه تمثيل لظهور آيات اقتداره - تعالى - وتبيين آثار قدرته وسلطانه ، مثلت حاله - سبحانه - فى ذلك ، بحال الملك إذا حضر بنفسه ظهر بحضوره من آثار الهيبة ما لا يظهر بحضور عساكره ووزرائه وخواصهعن بكرة أبيهم ، وأنت تعلم ما للسلف فى المتشابه من الكلام .( والملك ) أى : جنس المَلَكِ ، فيشمل جميع الملائكة ( صَفّاً صَفّاً ) أى : مصطفين ، أو ذوى صفوف .
وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ ۚ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّىٰ لَهُ الذِّكْرَىٰ
📘 وقوله - تعالى - : ( وجياء يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ ) أى : وأحضرت جهنم وظهرت وبرزت للكافرين والفاسقين يوم القيامة ، يوم تدك الأرض دكا .وقوله : ( يَوْمَئِذٍ ) منصوب بقوله ( وجئ ) . وقوله ( جهنم ) قائم مقام الفاعل .روى الإِمام مسلم فى صحيحه عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام ، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها . . " .( يَوْمَئِذٍ ) أى : فى هذا اليوم العسير ، وهو يوم القيامة - وهو بدل من قوله - تعالى - : ( إِذَا دُكَّتِ الأرض ) - ( يَتَذَكَّرُ الإنسان ) أى : يتذكر ما فرط منه من ذنوب ، وما ارتكبه من سيئات ، وما وقع فيه من كفر وفسوق عن أمر ربه .( وأنى لَهُ الذكرى ) أى : ومن أين له الانتفاع بهذا التذكر ، لأنه تذكر قد جاء فى غير وقت الانتفاع به ، وهو وقت الحساب على الأعمال ، لا وقت التوبة من السيئ منها .
يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي
📘 ( يَقُولُ ) هذا الانسان الشقى ( ياليتني قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي ) أى : يقول حين يرى العذاب ماثلا أمامه ، يقول - على سبيل التحسر والتفجع - : يا ليتنى قدمت أعمالا صالحة لأجل حياتى هذه فى الآخرة ، فاللام للتعليل ، وقدمت أعمالا صالحة فى وقت حياتى فى الدنيا لأنتفع بها فى هذا اليوم ، فتكون اللام للتوقيت .
فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ
📘 ( فَيَوْمَئِذٍ ) أى : ففى هذا اليوم لا ينفعه الندم ولا التحسر ، و ( لاَّ يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ ) والوثاق : الرباط الذى يقيد به الأسير .أى : ففى هذا اليوم لا يعذِّب كعذاب الله أحد ، ولا يوثِق كوثاقه أحد ، فالضمير فى قوله : ( عَذَابَهُ ) و ( ثَاقَهُ ) يعود إلى الله - ولفظ " أحد " فاعل .وقرأ الكسائى : ( لاَّ يُعَذِّبُ ) و ( لاَ يُوثِقُ ) - بفتح الذال المشددة ، وفتح الثاء - على البناء للمفعول ، والضمير فى قوله ( عذابه ) و ( وثاقه ) يعود للكافر .أى : فيومئذ لا يعذب أحد مثل عذاب ذلك الإِنسان الكافر المتحسر ، ولا يوثق أحد مثل وثاقه ، ولفظ " أحد " هنا نائب فاعل .وشبيه بهاتين الآيتين قوله - تعالى - : ( قَالَ الله إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ ) - أى : المائدة - ( فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فإني أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِّنَ العالمين ).
وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ
📘 ( فَيَوْمَئِذٍ ) أى : ففى هذا اليوم لا ينفعه الندم ولا التحسر ، و ( لاَّ يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ ) والوثاق : الرباط الذى يقيد به الأسير .أى : ففى هذا اليوم لا يعذِّب كعذاب الله أحد ، ولا يوثِق كوثاقه أحد ، فالضمير فى قوله : ( عَذَابَهُ ) و ( ثَاقَهُ ) يعود إلى الله - ولفظ " أحد " فاعل .وقرأ الكسائى : ( لاَّ يُعَذِّبُ ) و ( لاَ يُوثِقُ ) - بفتح الذال المشددة ، وفتح الثاء - على البناء للمفعول ، والضمير فى قوله ( عذابه ) و ( وثاقه ) يعود للكافر .أى : فيومئذ لا يعذب أحد مثل عذاب ذلك الإِنسان الكافر المتحسر ، ولا يوثق أحد مثل وثاقه ، ولفظ " أحد " هنا نائب فاعل .وشبيه بهاتين الآيتين قوله - تعالى - : ( قَالَ الله إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ ) - أى : المائدة - ( فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فإني أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِّنَ العالمين ).
يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ
📘 ثم ختم - سبحانه - السورة الكريمة بهذه البشارة العظيمة للمؤمنين فقال : ( ياأيتها النفس المطمئنة . ارجعي إلى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً . فادخلي فِي عِبَادِي . وادخلي جَنَّتِي ) .والنفس المطمئنة : هى النفس الآمنة من الخوف أو الحزن فى يوم القيامة . بسبب إيمانها الصادق ، وعملها الصالح ، والكلام على إرادة القول . أى : يقول الله - تعالى - على لسان ملائكته ، إكراما للمؤمنين ، عند وفاتهم ، أو عند تمام حسابهم : يأيتها النفس الآمنة المطمئنة ، الناعمة بروح اليقين ، الواثقة بفضل الله - تعالى - ورحمته .
ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً
📘 ( ارجعي إلى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً ) أى : ارجعى إلى ربك الذى خلقك ، وأنت راضية تمام الرضا بما أعطاك - سبحانه - من ثواب ، ومرضى عنك منه - تعالى - بسبب إيمانك الصادق ، وعملك الصالح .
فَادْخُلِي فِي عِبَادِي
📘 ( فادخلي فِي عِبَادِي ) أى فادخلى فى زمرة عبادى الصالحين المرضين .
وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ
📘 وأقسم - سبحانه - ثالثا ورابعا بقوله : ( والشفع والوتر ) والشفع : ما يكون ثانيا لغيره ، والوتر : هو الشئ المنفرد .وقد ذكرالمفسرون فى المراد بهذين اللفظين أقوالا متعددة ، فمنهم من يرى أنهما يعمان كل الأشياء شفعها ووترها ، ومنهم من يرى أن المراد بالشفع : يوم النحر ، لكونه اليوم العاشر من ذى الحجة ، وأن المراد بالوتر : يوم عرفة ، لأنه اليوم التاسع من شهر ذى الحجة . ومنهم من يرى أن المراد بهما : الصلاة المكتوبة ، ما كان منها شفعا ، كصلاة الظهر والعصر والعشاء والصبح ، وما كان منها وترا كالمغرب .ومنهم من يرى أن المراد بالشفع : جميع المخلوقات ، وبالوتر : الله - تعالى - الواحد الصمد .وقد رجح بعض العلماء هذا القول فقال ما ملخصه : والواقع أن أقرب الأقوال عندى - والله أعلم - . أن المراد بالوتر ، هو الله - تعالى - ، للحديث : " إن الله وتر يحب الوتر "وما سواه شفع . . لأنه ثبت علميا أنه لا يوجد كائن موجود بمعنى الوتر قط ، حتى الحصاة الصغيرة ، فإنه ثبت أن كل كائن جماد أو غيره مكون من ذرات ، والذرة لها نواة ومحيط .ولهذا كان القول بأن الوتر هو الله ، وبأن الشفع : جميع المخلوقات . . هو الراجح ، وهو الأعم فى المعنى .
وَادْخُلِي جَنَّتِي
📘 ( وادخلي جَنَّتِي ) التى وعدتهم بها ، والتى أعددتها لنعيمهم الدائم المقيم .وقد ذكروا أن هذه الآيات الكريمة نزلت فى شأن عثمان بن عفان لّما تصدق ببئر رومة .وقيل : نزلت فى حمزة بن عبد المطلب حين استشهد .قال القرطبى : والصحيح أنها عامة فى نفس كل مؤمن مخلص طائع . .نسأل الله - تعالى - أن يجعلنا جميعا من أصحاب النفوس المطمئنة .وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم . .
وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ
📘 وأقسم - سبحانه - خامسا - بقوله : ( والليل إِذَا يَسْرِ ) أى : وحق الليل عندما يسرى ويمضى ، تاركا من خلفه ظلامه ، ليحل محله النهار بضيائه .أو المعنى : وحق الليل وقت أن يَسْرِى فيه السارون ، بعد أن أخذوا حظهم من النوم ، فإسناد السُّرَى إلى الليل على سبيل المجاز ، كما فى قولهم : ليل نائم ، أى : ينام فيه الناس ، وقرأ الجمهور ( يسر ) بحذف الياء وصلا وقفا ، اكتفاء عنها بالكسرة تخفيفا .وقرأ نافع وأبو عمرو بإثبات الياء عند الوصل ، وبحذفها عند الوقف .والمراد بالليل هنا : عمومه ، وقيل : المراد به هنا : ليلة القدر ، أو ليلة المزدلفة .
هَلْ فِي ذَٰلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ
📘 والاستفهام فى قوله - تعالى - : ( هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِى حِجْرٍ ) للتقرير والتعظيم لما أقسم به - من مخلوقات . واسم الإِشارة " ذلك " يعود إلى تلك الأشياء التى أقسم الله - تعالى - بها .والمراد بالحِجْر العقل ، وسمى بذلك لأنه يَحْجُر صاحبه ويمنعه عن ارتكاب ما لا ينبغى ، كما سمى عقلا ، لأنه يَعْقِل صاحبه عن ارتكاب السيئات ، كما يعقِل العقالُ البعيرَ عن الضلال .والمعنى : هل فى ذلك الذى أقسمنا به من الفجر ، والليالى العشر ، والشفع والوتر . . قسم ، أى : مقسم به ، حقيق أن تؤكد به الأخبار عند كل ذى عقل سليم؟ .مما لا شك فيه أن كل ذى عقل سليم ، يعلم تمام العلم ، أن ما أقسم الله به من هذه الأشياء حقيق أن يقسم به ، لكونها - أى : هذه الأشياء - أمورا جليلة ، خليقة بالإِقسام بها لفخامة شأنها ، كما أن كل ذى عقل سليم يعلم - أيضا - أن المقسم بهذا المقسم ، وهو الله - عز وجل - صادق فيما أقسم عليه .فالمقصود من وراء القسم بهذه الأشياء ، تحقيق المقسم عليه . بأسلوب فيه ما فيه من التأكيد والتشويق وتحقيق المقسم عليه .وجواب القسم محذوف دل عليه قوله - تعالى - بعد ذلك : ( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ ) إلى قوله : ( فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ ) .والتقدير : وحق هذه المخلوقات لتعذبن - أيها الكافرون - كما عذب الذين من قبلكم ، مثل عاد وثمود وفرعون .قال الجمل : فإن قلت : ما فائدة قوله - تعالى - : ( هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِى حِجْرٍ ) . بعد أن أقسم - سبحانه - بالأشياء المذكورة؟ قلنا : هو لزيادة التأكيد والتحقيق للمقسم عليه ، كمن ذكر حجة باهرة ، ثم قال : أفيما ذكرته حجة؟وجواب القسم محذوف ، أى : لتعذبن يا كفار مكة ، وقيل هو مذكور وهو قوله : ( إِنَّ رَبَّكَ لبالمرصاد ) ، وقيل محذوف لدلالة المعنى عليه ، أى لنجازين كل أحد بعمله ..
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ
📘 ثم ذكر - سبحانه - على سبيل الاستشهاد ، ما أنزله من عذاب مهين ، بالأقوام المكذبين . فقال - تعالى - : ( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ ) .والاستفهام فى قوله : ( أَلَمْ تَرَ . . ) للتقرير ، والرؤية : علمية ، تشبيها للعلم اليقينى بالرؤية فى الوضوح والانكشاف ، لأن أخبار هذه الأمم كانت معلومة للمخاطبين .ويجوز أن تكون الرؤية بصرية ، لكل م نشاهد آثار هؤلاء الأقوام البائدين . .والمراد بعاد : تلك القبيلة المشهورة بهذا الاسم ، والتى كانت تسكن الأحقاف ، وهو مكان فى جنوب الجزيرة العربية ، معروف للعرب ، قال - تعالى - : ( وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ واتبعوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ) سموا بذلك نسبة إلى أبيهم عاد بن عُوص ، بن إرم ، بن سام ، بن نوح - عليه السلام –
إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ
📘 فقوله - تعالى - : ( إرم ) عطف بيان لعاد ، لأنه جده الأدنى .وقوله - تعالى - : ( ذَاتِ العماد ) صفة لعاد ، و " ذات " وصف مؤنث لأن المراد بعاد القبيلة ، سمى أولاده باسمه ، كما سمى بنو هاشم هاشما .والمقصود بهذه القبيلة عاد الأولى ، التى أرسل الله - تعالى - إليهم هودا - عليه السلام - . وكانوا معروفين بقوتهم وضخامة أجسامهم . . وقد جاء الحديث عنهم كثيرا فى القرآن الكريم ، ومن ذلك قوله - تعالى - : ( فَأَمَّا عَادٌ فاستكبروا فِي الأرض بِغَيْرِ الحق وَقَالُواْ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً . . ).
الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ
📘 وقوله - سبحانه - : ( التي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي البلاد ) صفة أخرى لقبيلة عاد .والمعنى : لقد وصل إلى علمك - أيها الرسول الكريم - بصورة يقينية ، خبر قبيلة عاد ، التى جدها الأدنى " إرم بن سام بن نوح " " والتى كانت تسكن بيوتا ذات أعمدة ، ترفع عليها خيامهم ومبانيهم الفارهة . . والتى لم يخلق مثلها - أى : مثل هذه القبيلة - أحد فى ضخامة أجسام أفرادها ، وفى قوة أبدانها ، وفيما أعطاها الله - تعالى - من غنى وقوة .قال الإِمام ابن كثير ما ملخصه : قوله - تعالى - : ( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ . إِرَمَ ذَاتِ العماد . التي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي البلاد ) هؤلاء كانوا متمردين عتاة . . فذكر - سبحانه - كيف أهلكهم .وهؤلاء عم عاد الأولى ، وهم أولاد عاد بن إرم بن عوص بن سام بن نوح ، وهم الذين أرسل الله إليهم نبيهم هودا - عليه السلام - فكذبوه فأهلكهم الله - تعالى - .فقوله : ( إِرَمَ ذَاتِ العماد ) لأنهم كانوا يسكنون بيوت الشَّعر التى ترفع بالأعمدة الشداد .وقال ها هنا : ( التي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي البلاد ) أى : القبيلة التى لم يخلق مثلها فى بلادهم ، لقوتهم وشدتهم ، وعظم تركيبهم .. فالضمير فى ( مثلها ) يعود إلى القبيلة .ومن زعم أن المراد بقوله : ( إِرَمَ ذَاتِ العماد ) مدينة إما دمشق أو الاسكندرية . . ففيه نظر . . لأن المراد إنما هو الإِخبار عن إهلاك القبيلة المسماة بعاد ، وليس المراد بالإِخبار عن مدينة أو إقليم . وإنما نبهت على ذلك لئلا يغتر بما ذكره جماعة من المفسرين من أن المراد بقوله - تعالى - : ( إِرَمَ ذَاتِ العماد . . . ) مدينة مبنية بلبن الذهب والفضة . . فهذا كله من خرافات الإِسرائيلين . .
وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ
📘 وقوله - تعالى - : ( وَثَمُودَ الذين جَابُواْ الصخر بالواد . وَفِرْعَوْنَ ذِى الأوتاد ) معطوف على ما قبله . والمراد بثمود : القبيلة المسماة بهذا الاسم ، نسبة إلى جدها ثمود ، وقد أرسل الله - تعالى - إليهم نبيهم صالحا - عليه السلام - فكذبوه ، فأهلكهم الله - تعالى - .وكانت مساكنهم بين الشام والحجاز ، ومازالت معروفة حتى الآن باسم قرى صالح .وقوله : ( جَابُواْ ) بمعنى قطعوا . من الجوب بمعنى القطع والخرق ، والصخرة الحجارة العظيمة .والواد : اسم للأرض المنخفضة بين مكانين مرتفعين ، وكان هؤلاء القوم يقطعون الصخور من الجبال ، ليتخذوا منها بيوتهم بواديهم ، أى : بالمكان الذى كانوا يسكنونه .فقوله : ( بالواد ) علم بالغلبة للمكان الذى كانوا يسكنون فيه ، ويسمى بوادى القرى ، وقد قال - تعالى - فى شأنهم : ( وَتَنْحِتُونَ مِنَ الجبال بُيُوتاً فَارِهِينَ ) والمراد بفرعون هنا : هو وقومه . والمراد بالأوتاد : الجنود والعساكر الذين يشدون ملكه ويقوونه ، كما تشد الخيام وتقوى بالأوتاد .قال الآلوسى : وصف فرعون بذلك لكثرة جنوده وخيامهم ، التى يضربون أوتادها فى منازلهم ، أو لأنه كان يدق لمن يريد تعذيبه أربعة أوتاد ، ويشده بها . .وقال بعض العلماء : ووصف فرعون بذى الأوتاد ، لأن مملكته كانت تحتوى على الأهرامات ، التى بناها أسلافه ، لأن صورة الهرم على الأرض تشبه الوتد المدقوق ، ويجوز أن يكون المراد بالأوتاد : التمكن والثبات على سبيل الاستعارة ، أى : ذى القوة . .وقال صاحب الظلال : ( وَثَمُودَ الذين جَابُواْ الصخر بالواد وَفِرْعَوْنَ ذِى الأوتاد ) وهى على الأرجح الأهرامات ، التى تشبه الأوتاد الثابتة فى الأرض المتينة البنيان ، وفرعون المشار إليه هنا ، فرعون الطاغية الجبار ، الذى أرسل الله - تعالى - إليه موسى - عليه السلام - . .والمعنى : لقد علمت - أيها الرسول الكريم - وعلم معك كل من هو أهل للخطاب ، ما فعله ربك بقبيلة عاد ، التى جدها إرم بن سام بن نوح ، والتى كانت صاحبة أعمدة عظيمة ترفع عليها بيوتها ، والتى لم يخلق فى بلادها مثلها فى القوة والغنى .وعلمت - أيضا - ما فعله ربك بقوم ثمود ، الذين قطعوا صخر الجبال ، واتخذوا منها والعساكر الذين يشدون ملكه .